الرأي

الأمن التعاقدي

أحمد إدبوقري –

أوخر سنة 2010 وأوائل سنة2011 وفي عز ما يعرف بالربيع العربي عرف المغرب حركة غير مسبوقة في التفويتات العقارية والبناءات العشوائية، ولتفادي سقوط السلطات في مواجه مباشرة وغير مأمونة العواقب مع الجماهير، اتجه نظر الحكومة وبدعم صريح من لوبي مهنتي التوثيق العدلي والعصري إلى سن قانون يمنع التفويتات العقارية العشوائية التي ينجزها آنذاك الكتاب العموميون، فأحدثت مدونة الحقوق العينية المدونة الأسرع في تاريخ التشريعات المغربية ( أقول الأسرع بالنظر للمدة التي استغرقتها بين تقديم المشروع والمصادقة عليه بغرفتي البرلمان ونشرها بالجريدة الرسمية ودخولها حيز التطبيق) .

اعتقد المشرع أن هذه المدونة وخاصة المادة الرابعة منها التي اوكلت للمحامين المقبولين لدى محكمة النقض توثيق عقود تفويت العقارات بمقتضى عقود ثابتة التاريخ ، وتم الاعتقاد أن ذلك سيغلق الباب على ممتهني الكتابة العمومية بشكل كلي وحاسم.

لكن، ضعف قدرة السادة المحامين على التعامل المباشر مع العقود، وترفعهم عن التعامل مع وسطاء العقار، إضافة إلى ما أصاب المهنة من تردي مستوى الثقة من جهة العموم لأسباب ليس موضوعنا مناسبة للخوض فيها، كل ذلك أتاح للكتاب العموميون فرصة الركوب على الحدث، واستغلاله لمصلحتهم، فتجربتهم في التعامل مع العقود وحظوتهم بثقة المتعاقدين، وسرعة إنجازهم العقود وتسجيلها بل وأيضا تقييدها بالنسبة للعقار المحفظ، عوامل ساعدت في ركوبهم على المدونة وأصبحوا وكلاء معتمدين بين المتعاقدين وبعض المحامين، وبالتالي يتلقى الكاتب طلب التعاقد وشروطه وتفاصيله فيحرر ويتقاضى الأتعاب التي يؤدي منها للمحامي قسطا قد يقل عن الربع مقابل توقيع العقد والتصديق على توقيعه لدى رئيس كتابة الضبط بإحدى المحاكم، بل وأصبح الكاتب العمومي بمثابة كاتب للمحامي ينوب عنه في حمل العقد إلى رئيس كتابة الضبط والتصديق على صحة توقيع المحامي.

بعض الكتاب العموميون ورغم أن حالهم مع بداية تطبيق المدونة أفضل مما كانوا عليه قبلها في ضل ما سبق الحديث عنه، رأوا أنه من الضروري البحث لهم عن صفة حقيقية تعفيهم من الاعتماد على توقيع المحامي، فاهتدوا إلى فكرة امتهان مهنة ” وكيل أعمال” وشرعوا في إنشاء مكاتب تضاهي مكاتب الموثقين والمحامين وجهزوها بمختلف التجهيزات المكتبية الحديثة ثم تقمصوا دور وكيل أعمال ، فاصبح لبعضهم صيت وشهرة محليا ( أكادير مثلا) وحرصوا على تشعيب علاقاتهم بكل المصالح المرتبطة بالتوثيق.

كان الخطاب السائد خلال بداية إقرار مدونة الحقوق العينية هو حرص المشرع على ضمان الأمن التعاقدي، واصر مهنيو التوثيق العصري على أنهم الأكثر ضمانا لهذا الأمن، وجادلناهم حينها في ذلك على اعتبار أن ما يصل المحاكم من منازعات عقارية أغلبها بسبب عقود انجزها موثقون وعدول وناذرا ما نجدها مرتبطة بتعاقد عرفي ، كما قارعناهم بأن أغلب الرسوم العقارية أسست على عقود عرفية ، وهذا يعني ان الأمر لا يتعلق بالأمن التعاقدي بل بالثقة التعاقدية.

الآن وقد مر على تطبيق المدونة حوالي سبع سنوات، نعود للموضوع على خلفية ما عرفته مدينة أكادير من أحداث مرتبطة بالأمن التعاقدي، فإذا تحدثنا عن أن الموثق اكثر أما من غيره من مهنيي التوثيق فواقعة سقوط اثنين بأكادير سقوطا مدويا( واللهم لا شماتة) واختفاء آخر بإنزكان، تكذب فكرة كون الموثق اكثر أمانا من غيره، ثم سقوط واحدا من وكلاء الاعمال بأكادير وإدانته بثلاث سنوات ونصف سجنا نافذا بسبب خيانة الأمانة والنصب وإصدار شيكات بدون رصيد ، ثم اختفاء آخر بعد تقاطر شكايات بخيانة الأمانة ضده كل ذلك يؤكد ان مدونة الحقوق العينية لم تكن ناجعة في حل الإشكالات التعاقدية.
إن معالجة إشكالية بسن قانون إشكالي لن يخدم المواطن في شيء، ومحاصرة مهنة بتجريد أصحابها من مهامهم وإسنادها لغيرهم بدل تأطير المهنة الهدف وتقنينها وتأهيل ممتهنيها تعد تصرفا قاصر وقصير.

حقائق 24

جريدة إلكترونية مغربية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى