بورتريهات

إحتفاءا بمسار نساء ناجحات .. قراءة في قصة “مدينة الضياع “للكاتبة نزهة العمراني

إبراهيم البتراني-

 تعد قصة ” مدينة الضياع” أحد أهم الأعمال القصصية للكاتبة نزهة العمراني، بل هي التجربة الأولى التي حاولت من خلالها أن تدخل عالم السرد بما يحيل عليه من أحداث ومكان وامتداد تخيلي لا تحده حدود، وعلى الرغم من كون الكاتبة ذات تكوين علمي، إلا أنها أبرزت في خضم عملها ما ينهض دليلا على أن التخصص لم يكن يوما سدا حائلا بين الكاتب والكتابة، لقد استطاعت الكاتبة نزهة العمراني بما تحمله من هم مجتمعي، وما يعتمل في دواخلها من لواعج أن تعبر عن آلام مجتمعها وأوجاعه، فأين يكمن ذلك؟ وما الرؤية التي يحملها هذا العمل؟

 تقع قصة ” مدينة الضياع ” في سبع وخمسين صفحة من القطع الصغير، وتنتظم في خمسة فصول، يضمها غلاف يجمع في لونه بين البني والبرتقالي، وتظهر عليه شمس قد غربت أو تكاد، بينما نجد العنوان مكتوبا بلون أصفر بارز في أسفل الغلاف يناسب تماما لون الشمس، والعمل صادر عن المطبعة الرئيسية، أكادير، 2006، فما الدلالات التي ينفتح عليها هذا الغلاف؟ وما مدى توفق الكاتبة في المزج بين الظاهر والباطن، بين الغلاف والمحتوى، بين الرمزية والقرائية؟

يخدم الغلاف أبعادا رمزية محملة بمعانِ لا يتوصل إليها القارئ إلا بعد قراءة العمل، وبالتأويل يمكن أن نهتدي إلى أن الشمس في الغلاف ترمز إلى فاطمة، والملاحظ أن الشمس هنا ذات دلالة مزدوجة، فهي تشير إلى فاطمة من حيث جمالها ونورها المرحلي الأخاذ، إلا أن هذه الشمس سرعان ما ستأخذ طريقا آخر لتغرب فيضمحل نورها وينعدم، فالشمس في حالة الغروب تحيلنا على فاطمة بعد أن قطعت أشواطا من المعاناة والمشاكل، اصفرَّ فيها لونها وخابت جذوتها، فيما يفصح العنوان بلفظه وإشارته ولونه الأصفر على حالة غير مألوفة، حالة يتخللها المرض ويطبعها الشحوب، فلنكتشف ذلك عبر سبر أغوار الدلالة المزدوجة.

      تحكي القصة سيرة “فاطمة”، تلك الفتاة المجدة “المؤدبة والجميلة والخجولة واللطيفة” التي ما فتئت تسعد والديها بحكم رزانتها واجتهادها المثمر في البيت والمدرسة، وقد جعلت الكاتبة من فاطمة شخصية رئيسة تضطلع أحيانا بمهمتها السردية، غير أن الكاتبة سرعان من تستعيد سلطتها ليتطور السرد، فتجُول بالقارئ بين تضاريس الأطلس الصغير الهادئة وبين جحيم المدينة الصاخبة، تلك هي مسارات السرد في القصة، إذ إن زمن الحكي ومكانه يتحددان أساسا من اجتماع نقطتين أساسيتين اثنتين.

يبدأ الحكي في النقطةالأولى التي تتخذ من إحدى قرى أيت عبد الله زمانا ومكانا مناسبين لنشوء الأحداث وتكوثرها على الرغم من كون المنطقة محددة فضائيا، فهي قرية قليلة البنايات، متفرقة المساكن، إلا أن الأحداث ستكتسي طابعها التسلسلي تباعا عبر تفاعل الوصف والحوار والمونولوغ؛ فالمنطقة حسب تعبير الكاتبة « قد زادها موقعها وسط سلسلة جبلية منتظمة روعة وبهاء، فهي قليلة البنايات، معظمها من مخلفات الاستعمار…عرفت بكونها مركزا للقوات الفرنسية، فيما عرفت جبالها بكونها مخبأ ومقرا للمقاومة الشعبية المشهورة التي قادها “الحاج عبد الله زاكور» سيشكل هذا المكان إذن بداية تنطلق معها الأحداث هادئة هدوء تلك القرية، ومتسلسلة تسلسل جبالها.

أما النقطة الثانية التي ستأخذ زمكان القول وتحرك الأحداث من هدوء إلى اضطراب، فهي “مدينة أكادير”، تلك هي نقطة الحكي الثانية التي ستقلب كيان القصة وتنتقل بها من عالم ينضح بالثقة والإيجابية إلى عالم لا يخلو من التنافر والغرابة، عالم الضياع كما يحلو للكاتبة أن تسميه.

ونشير عودا على بدء إلى أننا سنولي العناية لهذين القطبين – بوصفهما المكانين الرئيسين اللذين شكلا منطق الأحداث وأعلنا عن تمفصل الأزمنة والأمكنة الأخرى-  مع الإشارة إلى غيرهما كلما سنحت الفرصة بما يخدم توجه هذا التحليل، ويتحصل من ذلك أن القصة تزخر بالأمكنة والأزمنة، وهي تحيل مرة على الهدوء والسكينة وتبعث على الاطمئنان، وتارة أخرى تكون عدوانية تعرقل سير الشخصية وتحملها على الاستذكار والاسترجاع.

ويبدو واضحا أن الكاتبة قد وعت ما يحمله المكان من دلالة وما يحتويه الزمان من معنى، ومن خلال هذا الوعي حمَّلت نزهة العمراني أمكنتها وأزمنتها بمعانٍ متعددة، وهي أزمنة وأمكنة لا تعرب عن دلالتها منذ أول وهلة، بل إنها تكتسيها وتكتسبها مع تطور الأحداث وتتابعها، فلا تأخذ دلالتها النهائية إلا عندما تنتهي القصة، الشيء الذي يجعل المتلقي متابعا للأحداث، متشوقا لإدراك المعاني والأفكار، مستعدا للقراءة مهما طالت القصة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على سعة المدارك التخيلية لدى الكاتبة وقوة مخيلتها، وبالتخييل ينتزع العمل السردي فنيته ويضمن متلقيه في رقعة قلما يقرأ فيها الإنسان.

متلقيه في رقعة قلما يقرأ فيها الإنسان.

   إن هذا التتبع المستمر لمنعرجات القصة دون كلل ولا ملل، هو ما يمنح للقصة جماليتها ويلبسها حلتها، يقول الناقد حسين الواد في هذا المعنى: « فكأن الفن في الأدب رشوة يقدمها الكاتب المبدع للقارئ حتى يواصل القراءة»

وبناء على هذا التحديد، يمكننا أن نقسم الزمان والمكان إلى شقين اثنين، تحكمهما علاقة ازدواجية على مستوى الدلالة، وتوضيح ذلك في ما يلي:

نقطة  الحكي الأولى

نقطة الحكي الثانية

القرية

الليل

الصباح

      المدينة

      الليل

     الصباح

المدرسة

     المدرسة

المنزل

      المنزل

بيت عائشة

بيت ماجد   

حقائق 24

جريدة إلكترونية مغربية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى