حنان وهبي
تشكل قضية الإكراه البدني بسبب عدم دفع إيجار السكن معضلة اجتماعية حقيقية في المغرب، تتأثر بها شرائح هشة من المجتمع، وخاصة النساء الأرامل اللواتي لا معيل لهن وأطفالهن اليتامى. فرغم أن الدستور المغربي يكفل حق السكن اللائق للجميع، إلا أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة والضغوطات المادية تدفع العديد من الأسر غير القادرة إلى التورط في ديون الإيجار، مما يفتح الباب لتعرضهم لعقوبات قضائية تصل إلى الحبس في بعض الحالات.
وتزداد المعاناة عندما تجد الأرامل أنفسهن في مواجهة دعاوى قضائية من قبل ملاك العقارات، حيث يصبح تهديد الإكراه البدني أمرا واقعا. وتزداد المأساة في ظل غياب الدعم الاجتماعي الكافي وعدم وجود سياسات واضحة لحماية هذه الفئة من العقوبات السالبة للحرية بسبب عدم قدرتها على الدفع. يعاني الأطفال، وخاصة اليتامى، من تأثيرات نفسية واجتماعية كبيرة، إذ إن تعرض أمهاتهم للسجن بسبب عجزهن عن تسديد الإيجار يسهم في تزايد مشاعر عدم الأمان لديهم ويزيد من هشاشتهم.
في هذا السياق، تتساءل جمعيات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية عن جدوى تطبيق الإكراه البدني على الأسر المعوزة، داعين إلى وضع حلول بديلة تحفظ حق المالك في استرداد مستحقاته، وفي الوقت ذاته تحمي كرامة المتخلى عنهم و الأرامل وأبنائهن. وتشير هذه المنظمات إلى أن توسيع نطاق التفاوض، وتقديم مساعدات قانونية واجتماعية، أو إتاحة خيار التسوية، يعد خطوة ضرورية لتجنب السجن كحل.
وفي السنوات الأخيرة، تزايدت الدعوات للإصلاح القانوني الذي يحمي الفئات الضعيفة، حيث صدرت تعديلات على قانون المسطرة المدنية تهدف إلى تقييد تطبيق الإكراه البدني في النزاعات المالية، لا سيما حين يتعلق الأمر بالحقوق الأساسية مثل السكن. ومع ذلك، يرى مراقبون أن الطريق لا يزال طويلا لتحقيق توازن بين حقوق الأطراف، وأنه من الضروري تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي، وإيجاد آليات تمويلية تدعم الأسر المتعثرة وتجنبها خطر الإكراه البدني، خاصة حين تكون الأمهات المعيلات وحدهن المعرضات للخطر.
ويبقى الحل الأمثل لهذه الأزمة في تكثيف جهود التعاون بين القطاعين العام والجمعيات الخيرية، من خلال توفير الدعم المالي وتقديم استشارات قانونية مجانية للأرامل وأطفالهن.