حقائق 24
لمعالي الوزير مصطفى بايتاس فمه و حساباته الضيقة و الواسعة كناطق رسمي باسم الحكومة ، و له أن يقول ما يشاء، مادام يغالب منطق الواقع الذي يعرفه الجميع. فخروجه الأخير أمس الخميس للقول بأن الحكومة لها نفس توجه الشاب المراكشي الباسم الذي كسر أثمنة السمك، و أحدث في الأسواق رجة غير مسبوقة، ليس قولا يمكن إدراجه في أية خانة من خانات الواقعية، بل هو افراط في السوريالية، و ” بوليميك” مكشوف.
بايتاس و هو يتحدث بطريقته المعهودة، لم يراع شعرة معاوية، و كما لو كانت حكومته قد عينت عبد الإله المراكشي وزيرا لـ ” السردين” ، طلع، و لا ليته ما طلع، ليخبرنا بأن الشاب المراكشي لم يأت من عندياته بأي جديد. و أن كل الضجة التي قامت حول نشاطه التجاري، لا تعني شيئا، و أننا نحن المغاربة، لم نفطن و يالغبائنا، إلى أن الأمر كله تجسيد لتوجهات الحكومة الاجتماعية، تلك الحكومة التي ظلت، و نحن في غفلة من جهودها الجبارة، تحارب الريع و تناهض غلاء الأسعار و تضرب بيد من حديد على كل من سولت له نفسه الاغتناء على حساب جيوب بسطاء و مسحوقي هذه الفترة التي يميزها تغول الرأسمالية و تتقافز فيها أثمنة المواد الاستهلاكية الأساسية يوميا نحو الأعلى.
فليخبر معالي الوزير مصطفى بيتاس المغاربة عن كواليس اتفاق الحكومة مع الشاب المراكشي الباسم،على خطة كسر الأسعار التي انهارت بالفعل في عدد من المدن، بل دفعت مسؤولين مثل والي مراكش إلى التدخل لإنصاف الفتى من شطط اللجنة التي تخفت وراء قرب شهر رمضان لتغلق محلا كان قد أصبح وجهة للفقراء و ذوي الدخل المحدود أو سلطات مدينة طانطان التي كانت لها الشجاعة الكافية لتسقيف ثمن ” سمك الشعب” و لوحت بمعاقبة كل من يعرض” السردين” للبيع بأزيد من 7 دراهم للكيلوغرام الواحد.
و ليخبرنا معالي الناطق الرسمي باسم الحكومة الاجتماعية ما إذا كان الشباب الذين انبروا لنقل تجربة عبد الاله المراكشي إلى مواد استهلاكية أخرى مثل اللحوم، يمثلون توجهات الحكومة أيضا.
إن حكومة ” الرجا في الله” التي يريد معالي الناطق الرسمي باسمها أن يركب على الموجة الثائرة للشعب المغربي ضد الأسعار الملتهبة، هي أبعد كثيرا في توجهاتها عن المسار البريء الذي اختطه الشاب المراكشي لنفسه من تلقاء علاقته بأبناء مدينته، و من تلقاء اعتقاده بقدرته على المساعدة، و ذلك في الحقيقة ما حفز شبابا آخرين، يمثلون اليوم أملا كبيرا في صحوة حقيقية يقول معها الشعب للحكومة كفى بصيغة جديدة تختلف عن صيغة المسيرات و الوقفات الاحتجاجية التي لم تلق من أخنوش و فريقه الحكومي أية ردود فعل واقعية تستحضر القدرة الشرائية لشعب يتقاضي أجورا هزيلة بالدرهم، و يخرج إلى الأسواق لاقتناء سلع و مواد معظمها أغلى ثمنا من مثيلاتها في بلاد الأورو و الدولار.
كان على مصطفى بيتاس ألا يتحدث عن عبد الإله المراكشي كما لو كان وزيرا معه في الحكومة فمن ساروا على نهج الفتى الباسم باتوا كثيرين، وإذا كان للناطق الرسمي باسم الحكومة نفس الموقف منهم، و يرى أنهم يجسدون توجهات الحكومة فإن تعديلا حكوميا يفرض نفسه هنا، و على الوزير أن يذهب بعيدا في الدفاع عنهم و العمل على ضمهم إلى التشكيلة الحكومية الحالية.
إنهم أصلح و أصدق و أكثر التصاقا بهموم المواطنين الذين ربما صار اسمهم فقط “الناخبين”، في فترة بدأت قطة الحكومة تأكل أبناءها في سياق سباق محموم بين مكونات أغلبيتها للهيمنة على ما بات يسمى مبكرا بـ ” حكومة المونديال”.