حقائق24
سرعان ما طويت صحفة مونديال قطر، و توارى التألق المغربي اللافت و لم يعد وليد الركراكي ” رأس لافوكا” محبوب جماهير المستديرة، بل إن هذه الجماهير هي نفسها التي خرجت للمطالبة برأسه عقب الفوز الصغير و غير المقنع الذي حققه المنتخب الوطني في مباراته أمس ضد منتخب بنين.
منذ الانتفاضة الكروية التي أحدثها المنتخب المغربي لكرة القدم في مونديال قطر ، كأول بلد عربي إفريقي و إسلامي يصل إلى مباراة نصف النهاية، و إلى حدود الفوز بمباراته ضد البينين، مرت مياه كثيرة من تحت جسر الكرة المغربية، و بين التألق و الإخفاق بين الفوز و الهزيمة لم تكف الجماهير عن إبداء رأيها، لكن هذا الرأي لم يكن ليصل إلى درجة المطالبة بتغيير ” رأس لافوكا” برأس أخرى، بيد أن عودة المنتخب خاوي الوفاض من مشاركته في نهائيات كأس أفريقيا، حركت هذا المطلب بقوة، و جعلت الركراكي في مرمى سهام النقد الذي منه ما كان مفتقدا للموضوعية و انحدر في كثير من الأحيان إلى مستوى الهجوم على الناخب الوطني، و التشكيك في كفاءته، و على بعض لاعبي المنتخب الوطني.
لقد ظل الراكراكي مخلصا لنهج التواصل مع الجماهير و الرأي العام الرياضي، لكن بعض خرجاته الإعلامية كانت تتحول أيضا إلى مادة للتفكه. و مع تأمل عميق لما يجري الآن، يبدو أن الجماهير تمارس نفس الضغوطات التي مارستها على ناخبين وطنيين سابقين في بلد تستحوذ فيه كرة القدم على اهتمامات شرائح شعبية واسعة، و يمكن أن يكون فوز المنتخب بمباراة واحدة شرارة لاندلاع مظاهر الاحتفال في الشوارع، و يمكن أن يكون الحصول على مراتب متقدمة في منافسات قارية أو دولية حدثا وطنيا تنصهر في غمرة تخليده كافة الطبقات الاجتماعية، و في الاحتفالات التي عمت المغرب كله عقب بلوغ المنتخب الوطني نصف نهاية كأس العالم الأخيرة كانت مشاركة جلالة الملك تجسيدا على أعلى مستوى لهذا الانهصار.
إلا أن كرة القدم ليست انتصارات متتالية و لا إخفاقات متتابعة، بل هي مزيج من ذاك و هذا، و حتى مع وجاهة و واقعية هذا الطرح فالجمهور لا يقنع بغير الانتصار ، و بحصة ثقيلة، فقد سجلت المنتخبات المغربية لباقي الفئات في الفترة الأخيرة عشرات الأهداف، و رسخت في أذهان الجماهير مباريات كان الانتصار فيها حاسما برباعيات وخماسيات و حتى سباعيات، و ليس بهدف يتيم كما كان حال منتخب الكبار أمس ضد منتخب بينين.
” رأس لافوكا” أبدى وعيا بهذا التحول في مطالب الجماهير و استغل الندوة الصحفية التي أعقبت مباراة الأمس ليؤكد أن النخبة الوطنية فازت أيضا في بعض المباريات بنتائج مماثلة. لكنه في القوت نفسه لم يبرم أي تعاقد ضمني مع الجماهير بشأن الفوز بكأس أفريقيا ، مردفاً: “أعلم أن الكان قادم، وترغبون في أن تشعروا بالراحة منذ الآن، ولا يمكن أن نجزم بالتتويج لأننا سنستضيفها في أرضنا”.
عكس ما كان يبديه من حماس لتحقيق مراتب متقدمة في مونديال قطر، الذي عبر عن طموحه حتى بالفوز بمباراته النهائية في عز الانتشاء بالفوز على منتخبات ذات وزن و صيت.
اليوم لا يشبه الامس طبعا، و الجمهور المغربي عقدته هي كأس إفريقيا التي لم يظفر بها سوى مرة واحدة في تاريخه الكروي، و الركراكي لا يبدي أي حماس، و لازمته الشهيرة “سير سير” فقدت بريقها و تصريحاته ارتدت عن أن تكون حافزا للجماهير قبل اللاعبين. و هو يستدعي منطق التاريخ ليذكر بأن منتخب البلد المنظم ليس حتما هو من يفوز. نعم بالفعل، إلا أن هذا المنتخب لا يخرج مدربه و لا أي مسؤول رياضي ليقول انه لا يرغب في الفوز أو لا يطمح اليه.
الركراكي الذي لم يكن يرى في الفوز بكأس العالم أي مستحيل هو ذاته الذي لا يبدي حماسا لإهداء المغرب كأس افريقيا التي تعانده منذ السبعينيات.
أن يكشف الركراكي عن مستوى تكوينه الرياضي و شهاداته، و يستعرض مساره في تدريب الفرق الوطنية، فذلك يعني أنه يسعى إلى اقناع الجمهور بكفاءاته التدريبية، أما الجمهور ، أو على الأقل شرائح واسعة منه فتريد ان ترى لهذه الكفاءة آثرا على أرض الملعب. تريد الكأس لا الرأس، تريد الركراكي في نسخته المتألقة و ليس في نسخته المأزومة منزوعة الطموح.