إن الاعتماد على التدبير المفوض كأداة مفضلة لتسيير المرافق العمومية المحلية على وجه الخصوص جاءت على إثر التحولات التي عرفها العالم ولازال يعرفها، والمتمثلة في عولمة الاقتصاد وتحرير التجارة العالمية من جهة، وليترجم من جهة أخرى تقليص سيطرة الدولة والحد من تدخلها في قطاعات كانت تعتبر إلى وقت قريب قطاعات إستراتيجية تختص الدولة وحدها في تسييرها.
وقد ظهر هذا النوع من التسيير في نهاية الثمانينات وبالضبط بفرنسا سنة 1987، وبالمغرب في النصف الأخير من التسعينات، إذ كانت أولى العقود المبرمة في سنة 1997 بين المجموعة الحضرية للدار البيضاء وشركة (لاليونيز دي زو) لتدبير مرفق توزيع الماء والكهرباء والتطهير السائل لمدة 30 سنة.
و التدبير المفوض للمرافق العامة تقابله في الترجمة الفرنسية (La gestion Déléguée) وهو ما يعني قيام إحدى الهيئات العامة بإسناد تسيير أحد مرافقها إلى الغير، مع عدم الخلط بينه وبين الأشكال الأخرى للتسيير كالامتياز والاستئجار.
فهو تقنية جديدة في تسيير الشأن العام خصوصا على مستوى الإدارة الترابية المحلية لأسباب تتجلى في انعدام المردودية وفي غياب الجودة في أغلب أساليب تسيير المرافق وفق المقاربة التقليدية وخاصة تجربة الاستغلال المباشر.
ومن هنا نطرح التساؤل التالي: فما هي التفسيرات الفقهية و القانونية لهذا النوع من التدبير ؟ ثم ما هو محتوى العقود التي تبرم إزاء التدبير المفوض والآثار المترتبة عنه ؟.
I -تفسيرات عقود
التدبير المفوض
إن مفهوم التدبير المفوض خضع لعدة تفسيرات فقهية (واقترن كذلك بالتعريف القانوني ).
-التعريف الفقهي :
لقد عرف بعض أساتذة القانون الإداري التدبير المذكور كونه كل تدبير لمرفق عام بواسطة شخص معنوي خاص، وغالبا ما يوكل تفويض تدبير المرافق العامة للخواص، والتدبير المفوض يغطي مختلف طرق التسيير التقليدية مثل عقود الامتياز والوكالة ومختلف اتفاقيات التفويض الذي تختلف مداه بين حد أقصى وحد أدنى .
أما الأستاذ عبد الله حداد، فقد اعتبره طريقة جديدة من بين الطرق المعتمدة لتسيير المرافق العامة، تتشابه مع عقد الامتياز في عناصر معينة ، وتختلف عنه في المدة الزمنية حيث مدة عقد الامتياز تكون أطول، كما أن الملتزم يتعهد بتوفير الأموال والمستخدمين، بينما في التدبير المفوض تبقى التجهيزات في ملكية الإدارة، مع احتفاظ المفوض له بالمستخدمين ومراعاة حقوقهم.وهذا هو نفس اتجاه الأستاذ عبد السلام البقالي، الذي اعتبر بأن التدبير المفوض يجد أصوله في أسلوب الامتياز، لكن يختلف عن هذا الأخير وإن كان بمثابة الإصلاح الضمني له لخصوصيات معينة ذكرها.
وعرفه الأستاذ أحمد بوعشيق، بأنه عقد إداري تعهد السلطة المفوضة للمفوض له داخل المجال الترابي المحدد له في مدار التفويض باستغلاله وتدبير المرفق العام الصناعي والتجاري المحلي لمدة تنتهي بانقضاء مدة العقد.
والتعريف الآخر للأستاذ محمد اليعكوبي يقول بأنه (كل تدبير لمرفق عمومي بواسطة شخص معنوي خاص، وغالبا ما يوكل هذا الشكل للخواص، على أن التدبير المفوض يمتد لاحتواء مختلف طرق التسيير الكلاسيكية ليعود الامتياز والوكالة وكل اتفاقيات التفويض المتراوحة مدتها بين حد أدنى وحد أقصى.
أما الاتجاه الآخر، فيحاول تعريفه من خلال نظام الامتياز، إذ اعتبره الأستاذ أمال المشرفي، أنه من غير المنطقي تعريف التدبير المفوض من خلال أسلوب الامتياز الذي يعاني صعوبات في تعريفه، خصوصا وأنه لا يتوفر على إطار قانوني واضح، وأوضح بالنسبة للتوجه الفقهي الذي يعطى للتدبير المفوض مفهوما أشمل بين جميع أشكال استغلال المرفق العام بأن هذا التوجه قد ينطبق على النموذج الفرنسي وفي حدود معينة، لكن لا يمكن تطبيقه على التجربة المغربية، لأن مفهوم تفويض تدبير المرفق العام كما ورد في التشريع والقضاء الفرنسي مختلف التدبير المفوض في المغرب أملته اعتبارات مصلحية، ويخلص أن المهم هو النظام المطبق أي أن الوجود أكثر أهمية من المفهوم.
-التعريف القانوني :
يستنتج من القانون الفرنسي الذي وضع الإطار القانوني للتدبير المفوض، أنه لا يعتبر إطارا جديدا للتسيير، بحيث أن قانون 6 فبراير 1992 المتعلق بالإدارة الترابية الفرنسية أضاف هذا النوع إلى الأنواع الأخرى السارية المفعول والمعمول بها سابقا كالإيجار، الامتياز، الإنابة، فالتدبير المفوض إحداثه كأسلوب متميز الهدف منه البحث عن إطار تكميلي متزن لإصلاح وترشيد الأشكال الكلاسيكية الخاصة بتدبير المرافق العامة.
أما المشرع المغربي فلم يعط أي تعريف له باستثناء ما نصت عليه المادة 39 من الميثاق الجماعي رقم 00/78، حيث تم ذكر المرافق والتجهيزات العمومية المحلية التي يقرر المجلس في طرق تدبيرها عن طريق الوكالة المباشرة، الوكالة المستقلة والإمتياز، وكل طريقة من طرق التدبير المفوض للمرافق العمومية طبقا للقانون والأنظمة المعمول بها.
إلا أنه في سنة 2005، تم إصدار القانون 05/54 المنظم للتدبير المفوض للمرافق العمومية.
ويستنتج من هذه التعاريف، أن لعقد التدبير المفوض خصوصيات تتجسد فيما يلي :
(أنه عقد إداري يشمل على ثلاثة عناصر أساسية : اتفاق، دفتر تحملات وملاحق).
(يتعلق الموضوع بتدبير مرفق عام صناعي وتجاري محلي.)
(عقد يجمع بين طرفين: السلطة مانحة التفويض التي تعد شخصا معنويا يجري عليها القانون العام تتمتع بالاستقلال المالي، والمفوض له يكون شخصا معنويا خاصا، إما وطنيا أو أجنبيا)
أجراء الشركات صاحبة التفويض يخضعون لقانون الشغل.
أما المادة الثانية من قانون التدبير المفوض رقم 05/54، فقد عرفته بأنه »يعتبر التدبير المفوض عقدا يفوض بموجبه شخص خاضع للقانون العام يسمى المفوض، لمدة محددة، تدبير مرفق عام يتولى مسؤوليته إلى شخص معنوي خاضع للقانون العام أو الخاص يسمى المفوض إليه، يخول له حق تحصيل أجرة من المرتفقين أو تحقيق أرباح من التدبير المذكور أو هما معا«.
و يمكن أن يتعلق التدبير المفوض كذلك بإنجاز أو تدبير منشأة عمومية أو هما معا تساهم في مزاولة نشاط المرفق العام المفوض«.
وإذا قمنا بالتدقيق في التعريف القانوني، فإننا لن نخرج عن دائرة التعاريف الفقهية السابقة, علما بأن العقد الذي أبرم و أسند بمقتضاه تسيير المرفق العمومي عن طريق التدبير المفوض بين أحد الخواص، شركة معنية أو فردا معنيا، أجنبية كانت أو وطنية، تحدد فيه الشروط الإدارية معطيات دقيقة حول الخدمة والمجال الترابي أو الكلي أو ما يطلق عليه بالمدار المخصص لإنجاز الخدمة ومدة العقد.
و انطلاقا من ذلك يمكن تعريفه من خلال طبيعته القانونية، بأنه عقد إداريٍٍ، وبمعنى آخر هو أسلوب لتدبير المرافق العامة عن طريق تفويتها للخواص.
وفي المفهوم القانوني الواسع، قيام إحدى الهيآت العامة بإسناد تسيير أحد مرافقها إلى الغير، وهو عقد إداري تعهد بمقتضاه السلطة العامة المفوضة لمفوض له داخل المجال في نطاق التفويض باستغلال وتدبير المرفق العام لمدة محددة تنتهي بانتهاء مدة العقد مع إمكانية تجديد مدته.
II – التطبيقات العملية
للتدبير المفوض
بدأ المغرب العمل بالتدبير المفوض في سنة 1997 ليشمل هذا الأسلوب من التسيير المرافق العمومية المحلية، وتحديدا مرافق الكهرباء والماء والتطهير والنظافة.
ففي 15 أبريل 1997 عملت المجموعة الحضرية للدار البيضاء تفويت تدبير الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء لفائدة شركة »لاليونيز دي زو«.
و للإحاطة أكثر بهذا الموضوع كان لزاما علينا الأخذ بالدراسة و التحليل نموذجا محددا، و عليه تم اختيار شركة الماء و الكهرباء للشمال /أمانديس طنجة- حتى نحاول ملامسة بعض الجوانب المتعلقة بالتطبيقات العملية لمثل هذه العقود.
لقد تم توقيع اتفاقية التدبير المفوض لقطاع الماء و الكهرباء و التطهير السائل لجهة طنجة بين كل من:
1 . المجموعة الحضرية لطنجة (المشار إليها في العقد ب:»المجموعة الحضرية»)، و الجماعة الحضرية لأصيلة، و الجماعات القروية بوخالف، البحراويين، الخلوة،أقواس، ابرييش و العوامة (المشار إليهم في العقد ب:»الجماعات»)، الممثلة من طرف رؤساء مجالسها و الذين يتصرفون بناء على مداولات مجالس المجموعة الحضرية و الجماعات السالفة الذكر و المعبر عنها فيما بعد ب»السلطة المفوضة» من جهة.
2 . ومن جهة أخرى نجد شركة المياه و الكهرباء للشمال، شركة مساهمة خاضعة للقانون الخاص المغربي، رأسمالها ثماني مائة مليون درهم(800 مليون درهم)،مقيدة بالسجل التجاري بالدار البيضاء تحت عدد110.379 مقرها الاجتماعي 23 زنقة كارنو بطنجة هدفها هو توزيع الماء و الكهرباء و استغلال قطاع التطهير السائل، و الممثلة من طرف مديرها العام السيد أوليفيي ديتش و المشار إليها في العقد ب»المفوض له» و المساهمون في رأسمالها هم:
* شركة فيفاندي إينيفرسال: شركة مساهمة خاضعة للقانون الفرنسي مقيدة بسجل التجارة و الشركات بباريس تحت عدد: 343.134.763 المشار إليها في العقد ب فيفاندي، و شركة S.G.A DES EAUX الخاضعة كذلك للقانون الفرنسي المشار إليها ب مجموعة فيفاندي.
* شركة هيدرو كبك الدولية I.N.C شركة خاضعة لقانون كبك المشار إليها HKI..
* شركة أونا: شركة خاضعة للقانون المغربي المشار إليها ب أونا.
* شركة صوميد: شركة خاضعة للقانون المغربي المشار إليها ب: صوميد.
كل هؤلاء يعتبرون المساهمين المؤسسين.
و عليه و بناء على الظهير الشريف بمثابة قانون رقم:1.76.583 الصادر بتاريخ 30 شتنبر1976 المتعلقة بالتنظيم الجماعي.
و بناءعلى الفصل 8 من الظهير الشريف 1.97.84 الصادر بتاريخ 2 أبريل 1997 المتعلق بالمصادقة على قانون رقم 96-47 المتعلق بتنظيم الجهة، و عليه:
تم الاتفاق:
1- بين السلطة المفوضة و المفوض له على الأهداف الأساسية و المشتركة للتدبير المفوض لمرافق توزيع الماء و الكهرباء و التطهير السائل:
* الحصول على أقل أسعار ممكنة للماء الشروب و الطاقة الكهربائية و مرفق التطهير السائل.
* التمويل الذاتي و التوازن الاقتصادي و المالي للمرافق المفوضة.
* الزيادة التدريجية في نسبة الربط لمستعملي الماء الشروب و الطاقة الكهربائية و الإيصال بشبكة التطهير في مجموع مدار التفويض.
* الجودة التقنية للخدمات و تسييرها الإداري و التجاري الجيد.
* الجودة التقنية و الاحتفاظ بالتجهيزات و المنشآت المخصصة للمرافق المفوضة في حالة جيدة.
* التسيير الجيد و المتناسق للموارد البشرية.
2 . على أن السلطة المفوضة و المفوضة له يذكران بأن تحقيق الأهداف المعلن عنها في النقطة الأولى أعلاه، يجب أن يتم احترام المفوض له لأهداف الإنجازات المبينة في العقد، خصوصا فيما يتعلق بزيادة تغطية الخدمات و جودة الخدمة،
على كل من المفوض و من المفوض له أن يحترما التوجهات المحددة في العقد و خصوصا مخطط الاستثمار التعاقدي التوقعي طيلة مدة التدبير المفوض، من أجل تجديد و توسيع و تنمية الممتلكات الموضوعة رهن إشارة المفوض له.
3 . على أن السلطة المفوضة و المفوضة له يذكران، بالإضافة إلى ذلك بأن اتفاقية التدبير المفوض يجب أن يتم احترام تنفيذها طبقا لمجموع المقتضيات التشريعية و التنظيمية و المعايير الجاري بها العمل، و كذا المعايير المحددة أو التي تم التفصيل فيها بدفتر تحملات المرافق المفوضة.
كما أنه لتنفيذ هذه الاتفاقية، يقبل المفوض له بالخضوع للمراقبة التقنية و الاقتصادية و المالية للسلطة المفوضة، و التي حددت كيفياتها بموجب مقتضيات:
-أ- العقد المبرم بينهما.
-ب- القوانين و التنظيمات الجاري بها العمل في المغرب.
و للإشارة, فإن العقد المبرم بينهما يتضمن 91 فصلا مقسمة على أحد عشرة بابا، و للإحاطة أكثر بهذا الموضوع سنعمل على تقسيمه إلى:
أولا : النظام العام للعقد.
ثانيا: التزامات و حقوق و كذا صلاحيات المفوض له.
أولا : النظام العام للعقد.
يتألف عقد التدبير المفوض من الاتفاقية المبرمة بين السلطة المفوضة و المفوض له و من الملحقات، و لهما نفس القيمة القانونية، و في حالة الاختلاف حول التأويل , تأويل كل منهما لنقطة معينة- ترجح الاتفاقية على باقي الوثائق الأخرى.
و للوقوف بشكل مفصل على مكونات النظام العام للعقد سنعمل على تقسيمه حسب الشكل التالي:
– تعريف و مدة و موضوع المرفق المفوض من خلال الاتفاقية.
– ممتلكات التدبير المفوض.
– تعريف، مدة و موضوع المرفق المفوض.
1 – تعريف التدبير المفوض.
لقد عمل طرفا العقد من خلال الاتفاقية المبرمة على تعريف التدبير المفوض، و ذلك لسد الفراغ القانوني الحاصل على مستوى وجود قانون يعمل على تنظيم مثل هذه العقود، حيث ورد في الفصل الثالث من الاتفاقية انه « تعهد السلطة المفوضة للمفوض له داخل كل المجال المجال الترابي المحدد في مدار التفويض بالتدبير المفوض لمرافق توزيع الماء الشروب و توزيع الكهرباء و التطهير السائل.
و يقبل المفوض له من خلال العقد أن يأخذ على عاتقه تدبير المرافق المفوضة، و ذلك تحت مراقبة السلطة المفوضة ضمن الشروط و حسب الكيفيات المحددة في عقد التدبير المفوض و ضمن احترام المقتضيات التشريعية و التنظيمية الجاري بها العمل.»
فإذا كان الجزء الأول من التعريف عمل على تقييد المفوض له، فإن الجزء الثاني منح هذا الأخير مجموعة من الحقوق نسرد منها مثلا: أن المفوض له وحده دون غيره له الحق في استخدام و صيانة و إنجاز كل المنشآت و القنوات اللازمة للمرافق المفوضة.
وذلك حسب الشكليات و الشروط المنصوص عليها في العقد داخل مدارات عقد التدبير، كما اعتبر العقد أن: « المفوض له هو المسؤول عن سير و استغلال المرافق المفوضة، يسيرها بما يمليه عليه رب تصرف الأسرة العاقل، كما يتحمل في ذلك الأخطار و المخاطر المحتملة من عملية التسيير للمرفق، و للمفوض له حق تحصيل لدى المستعملين الإتاوات برسم الخدمات المفوضة و كذا تكاليف مختلف الخدمات المطابقة للالتزامات الناتجة عن التدبير.»
– مدة عقد التدبير المفوض.
تم إبرام العقد لمدة خمسة و عشرين سنة (25 سنة) ابتداء من تاريخ دخوله حيز التنفيذ، و يعد تاريخ انتهاء هذه المدة هو تاريخ انقضاء هذا العقد بصفة عادية ، غير أن الاتفاقية و من خلال فصولها 63-64-70-72 تطرقت لأسباب انقضاء بكيفية مسبقة للعقد:
حيث تطرق الفصل 63 لكيفيات سقوط العقد بسب إخلال المفوض له ,أي بسبب ارتكابه لخطأ ذي جسامة خاصة و تتجلى:
-أ-: رفض المفوض له و بدون مبرر تقديم مشاريع التنفيذ أو لم يتمم و يشغل المشاريع المسجلة في برنامج الاستثمار.
-ب-: تهديد الصحة و السلامة العمومية لفترة طويلة بسبب فقدان المياه للجودة و لأسباب تعود مباشرة للمفوض.
-ج-: انقطاع كلي و لفترة مطولة و هامة لأكثر من 24 ساعة بالنسبة للماء الشروب و 12 ساعة بالنسبة للكهرباء يطال أكثر من نصف المشتركين لأكثر تعود مباشرة للمفوض.
-د-: في حالة امتناعه عن تقديم الوثائق المقررة في العقد بعد إنذار من
طرف السلطة المفوضة يبقى دون رد لمدة 15 يوما.
-ي-: صعوبة إجراء السلطة المفوضة للمراقبة بسبب عرقلة من المفوض له.
كما أن الفصل 63 في شطره الثاني تطرق للفسخ بسبب إخلال السلطة المفوضة- أي بسب ارتكابه لخطأ ذي جسامة خاصة و تتجلى في:
-أ- اتخاذ السلطة المفوضة التدابير اللازمة الداخلة في نطاق اختصاصاتها، من أجل التنفيذ الجيد للتسيير المفوض ضمن الشروط المقررة في العقد.
-ب-: اتخاذ السلطة المفوضة قرار انفرادي يمس بشكل فادح بالسير الجيد للتدابير المفوض، ضمن شروط العقد.
كما أن الاتفاقية لم تغفل مسألة انقضاء عقد التدبير المفوض عن طريق استرداد المرفق عن طريق الشراء (ف 72)، أو بسبب التعديلات الناتجة عن الظروف الاقتصادية (ف 70).
غير أن تاريخ دخول التدبير المفوض حيز التنفيذ يتم من خلال تبليغ من طرف السلطة المفوضة بعد تحقيق الشروط التالية: (ف 5)
*انصرام المدة اليومية الكافية للتحضير، المحدد باتفاق الطرفين عند تاريخ توقيع العقد.
* التصديق على التعريفات التعاقدية و شروط مراجعتها و تعديلها كما هو محدد بالعقد.
* تقديم المفوض له الكفالة (المحصورة في مبلغ 20 مليون درهم حسب الفصل 49).
*المصادقة على العقد من طرف وزارة الداخلية / السلطة الوصية.
* تحرير الثلث (3/1) من رأسمال الشركة المفوض لها.
إلا أنه إذا لم يتم التبليغ بتاريخ دخول العقد حيز التنفيذ في أجل أقصاه 6 أشهر ابتداء من تاريخ التوقيع من طرف السلطة المفوضة و المفوض له، سيجتمع الطرفان للبحث و التحديد باتفاقهما المشترك للكيفيات التي سيتم من خلالها احتساب دخول العقد حيز التنفيذ أو يتم إلغاؤه بطلب من أحد الطرفين, حيث يوجه للطرف الآخر برسالة مضمونة مع الإشعار بالاستلام، وذلك دون أن يعطي قرار الإلغاء المحتمل الحق في التعويض بالنسبة لأي واحد من الطرفين.
– ممتلكات التدبير المفوض.
تتكون ممتلكات القطاع المفوض حسب الفصل الثامن من الاتفاقية، من الممتلكات «المستعادة» و الممتلكات «المأخوذة».
1 – الممتلكات المستعادة
الممتلكات المستعادة هي تلك الممتلكات التي تعاد لزوما للسلطة المفوضة عند انقضاء مدة التدبير المفوض، و هذه الممتلكات هي ملك السلطة المفوضة لا يجوز التصرف فيها و لا يمكن أن يكون موضوع أي تفويت أو ضمانات أو بيع أو إيجار من طرف المفوض له أو السلطة المفوضة طيلة مدة التدبير المفوض. و تشمل خصوصا، المنشآت و القنوات و الأجهزة و الأراضي و المباني.
هذا و قد أشار الفصل التاسع من الاتفاقية، أن المفوض يضع رهن إشارة المفوض له الممتلكات مجانا عند تاريخ دخول العقد حيز التطبيق على أن تعاد للسلطة المفوضة تلك الممتلكات حسب المقتضيات المنصوص عليها في الاتفاقية.
و تتضمن أو تدخل في عداد الممتلكات المستعادة كل ما يلي:
-أ- الممتلكات التي وضعها رهن إشارة المفوض له من طرف السلطة المفوضة عند تاريخ دخول الاتفاقية حيز التنفيذ.
-ب- الممتلكات الجديدة، المخصصة حسب طبيعتها للمرافق المفوضة، و التي كونها و مولها بواسطة حساب الأشغال.
-ج- الممتلكات الجديدة المدمجة في الممتلكات المستعادة الموجودة و المكونة و الممولة من طرف المفوض له من خلال إنجاز أشغال جديدة، أو حسب مفهوم العقد و دفتر التحملات ممتلكات مستعادة بالتبعية.
-ه- الممتلكات الجديدة المكونة من طرف المفوض له و الممولة من طرف الغير خلال إنجاز أشغال التوسيع أو التقوية.
-و- الممتلكات التي جرى دمجها في عداد الملك العمومي و تم وضعها رهن إشارة المفوض له من طرف السلطة المفوضة، بعد دخول العقد حيز التنفيذ.
وعليه فإن الممتلكات المستعادة، هي تلك الممتلكات الواقعة داخل مدار التفويض, سواء منها تلك التي كانت موجودة عند إبرام العقد أو تلك التي عمل أو سيعمل المفوض له على تشييدها أو إدماجها في إطار الملك العام، هذا و تحتفظ السلطة المفوضة بالحق في القيام بالجرد للممتلكات متى شاءت.
2 – الممتلكات المأخوذة
الممتلكات المنقولة هي تلك الممتلكات التي تم شراؤها أو تكوينها من طرف المفوض له لغرض استغلال المرفق المفوض وحده، و تشمل على الخصوص، العناصر المنقولة المخصصة من طرف المفوض أو التي اشتراها المفوض له، أي تلك الممتلكات التي هي في ملك المفوض له طيلة مدة التدبير المفوض، تصبح من حق السلطة المفوضة.
و تتكون هذه الممتلكات من السيارات و الآليات و المعدات و الأدوات و أثاث المكاتب و المعدات المعلوماتية و المحروقات، و بصفة عامة كل الممتلكات المنقولة المستخدمة في إطار استغلال المرفق المفوض غير تلك التي تكون مستعادة.
ثانيا: التزامات وكذا حقوق و صلاحيات المفوض له
يمكن القول أن دراسة من قبيل هذا الموضوع لا يمكن أن تمر دون القيام بالبحث على مستوى التزامات و حقوق طرفي العقد.
– التزامات المفوض له.
– حقوق و صلاحيات المفوض له.
– التزامات المفوض له.
عملا بالأحكام و المبادئ العامة للاستغلال، المحددة في الاتفاقية و دفتر التحملات، يجب على المفوض له احترام التوازن الاقتصادي و المالي للمرافق المفوضة أن:
-أ- يؤمن بصفة دائمة و مستمرة و منتظمة سير المرافق المفوضة.
-ب- يكيف المرافق المفوضة مع المتطلبات الجديدة للصالح العام كلما اقتضى الأمر ذلك و في آجال معقولة تقنيا.
-ج- يضمن لمستعملي المرافق المفوضة المساواة في الحصول على الخدمات و في المعاملة و يوفر لهم بأقل كلفة خدمات مطابقة للاتفاقية.
وعليه يكون للمفوض له التزام عام بأن ينجز، بمبادرة منه و ضمن الشروط المالية المنصوص عليها في العقد، الأشغال اللازمة للاستغلال الجيد و لتكييف المرافق المفوضة، كيفما كانت طبيعة الأشغال التي يجب إنجازها و كيفما كانت الممتلكات التي تنطبق عليها هذه الأشغال. و هذا الالتزام العام للمفوض له هو نتيجة مباشرة لالتزامه المتعلق بالسير الدائم و المستمر و المنتظم للمرافق المفوضة.
و في ظل هذا, فالمفوض له و فيما يتعلق بالممتلكات المستعادة الالتزام الدائم بالصيانة في أكمل حال و الالتزام بتجديد هذه الممتلكات، أما فيما يتعلق بالممتلكات المأخوذة فهو ملزم بالصيانة الكافية و بالاستبدال المحتمل لهذه الممتلكات و ذلك لتمكين السلطة المفوضة من الممارسة الفعلية لحقها في الأخذ عند انقضاء العقد، و للتنفيذ الجيد للعقد و مراقبته، فإن الأشغال المنجزة من طرف المفوض له تدخل إجباريا ضمن إحدى الفئات الأربعة المحددة في هذه الاتفاقية و في دفتر التحملات وهي:
-أ- أشغال التجهيزات الأساسية.
-ب- أشغال الصيانة.
-ج- أشغال التجديد و الإصلاحات الكبرى.
-د- أشغال التوسيع و التقوية.
أما بالنسبة للأعضاء المؤسسين المذكورين, يتوفرون باستمرار على الأقل على نسبة 51 % من الأسهم, و هذه المساهمة لا يمكن تعديلها إلا بعد الموافقة المسبقة للسلطة المفوضة و مصادقة سلطة الوصاية،، كما يلتزم المساهمون المؤسسون بالحفاظ على نسبة مساهمة الأشخاص الذاتيين و المعنويين المغاربة في حدود على الأقل 31% من رأسمال المفوض له, و كل تعديل مهم يقع على توزيع رأسمال الشركة يمكن أن يكون نتيجته جعل التحكم في الشركة لأحد الأطراف يجب أن يعرض على الموافقة المسبقة للسلطة الوصية و السلطة المفوضة، كما يمكن لهذه الأخيرة الحق في تعيين ملاحظ لحضور أشغال اجتماعات مجلس إدارة الشركة المفوضة لها طيلة مدة التدبير المفوض و في الحصول على نسخة من الوثائق المقدمة للمتصرفين أثناء مزاولتهم لمهامهم،على أن لا يشارك في عملية التصويت داخل أشغال المجلس.
ويلتزم المفوض له كذلك و طيلة مدة العقد بالتشريع و التنظيم الجاري به العمل و كل المعايير و المقتضيات الجديدة التي سيتم سنها في المستقبل، و خصوصا القواعد المحاسبية و الجبائية الجاري تطبيقها، و احترام كل المقتضيات المتعلقة بإنتاج و نقل و توزيع الماء الشروب و الطاقة الكهربائية و تسيير مرفق التطهير السائل و كذلك احترام مقتضيات الملك العمومي.
وبما أن المفوض له يعتبر الوحيد المسؤول على السير العام للمرفق، فإنه في الجهة المقابلة يتحمل جميع الأخطار و المخاطر الناجمة عن عملية التسيير، و عليه فهو ملزم بتغطية مسؤوليته المدنية عن جميع ما يمكن أن يحصل من خلال ممارسة نشاطه, و لذلك و لتفادي كل ما يمكن أن يحصل, يجب عليه باكتتاب عقود تأمين بإحدى شركات التأمين المرخص لها بالمغرب المخصص للتأمينات، كما أنه ملزم بأن يكتتب كل التأمينات المفيدة و الموجودة في السوق لكي يغطي ممتلكات التدبير المفوض ضد الأخطار في حالة القوة القاهرة و على الخصوص متعلقة بالزلزال و الحريق و الإنفجارات و الأخطار الكهربائية و تكسر الآلات، بما في ذلك ما يحدث بفعل الظواهر الطبيعية، و يمكن للسلطة المفوضة، كلما اعتبرت ذلك ضروريا، أن توصي المفوض له بأن يقوم بتوسيع مجال أو طبيعة تأمين معين، حتى تؤمن تغطية جزء أكبر أو مجموعة الأخطار التي يتعرض لها.
كما أن المفوض له يأخذ على عاتقه كل الالتزامات المتعاقدة بشأنها من طرف المفوض تجاه الغير، و التي أبرمت بشروط عادية طبقا للتنظيم الجاري به العمل، هذا من جهة, أما من جهة أخرى فكل الالتزامات/العقود المختلفة المتعلقة بالدراسات و الأشغال و الخدمات و كل عقد آخر يرتبط بتدبير المرافق المفوضة يبرمه المفوض له مع الغير و يكون ضروريا للمرفق المفوض، يجب أن يتضمن شرطا يحفظ بشكل صريح للسلطة المفوضة إمكانية حلولها محل المفوض له في حالة الاسترجاع عن طريق الشراء أو السقوط أو الفسخ أو عند انتهاء/انقضاء مدة التدبير المفوض.
– حقوق و صلاحيات المفوض له.
إن حفظ الحق للمفوض له وحده دون غيره في استغلال المرافق المفوضة من أهم الحقوق التي يتمتع بها، وتبعا لذلك تلتزم السلطة المفوضة بعدم منح أي ترخيص إداري أو غيره من شأنه أن يحد أو يمنع ممارسة المفوض له لحقه في أن يستغل المرافق المفوضة وحده دون غيره، و عليه فهو يتمتع بجميع الصلاحيات في إنجاز كل ما من شأنه أن يساعد على الاستمرار الجيد للمرفق حتى منها نزع الملكية لجل المنفعة العامة, غير أنه وجب الإشارة إلى أن هذه الاختصاصات لا تمارس إلا في الحالات الوحيدة التي تكون فيها ضرورية لإنجاز الأشغال التي ينفذها برسم العقد و كذا لاستغلال التجهيزات و المنشآت المترتبة عن هذه الأشغال، كما أنه لا يمكنه ممارسة هذا الحق إلا في إطار احترام المقتضيات التشريعية و التنظيمية و كذا القواعد المسطرية المطبقة في هذا المجال و التي تصدرها السلطة المفوضة بصفة خصوصية بمناسبة إنجاز تجهيزات أو منشآت خاصة.
من خلال كل ما سبق، ومن خلال التتبع/ قراءتنا لتجربة التدبير المفوض لقطاع الماء و الكهرباء و التطهير السائل بطنجة، يمكن القول أنه قبل الإقدام على إبرام مثل هذه العقود يجب على الجهة المانحة لعقد التدبير أن تقوم بإعداد دراسة شاملة للمرفق موضوع عقد التدبير، تهم هذه الدراسة جميع الجوانب الاجتماعية،الاقتصادية،المالية، و القانونية حتى تتمكن من وضع برنامج تقييمي للمرفق المزمع تفويته و حتى نستطيع انتقاء العرض الأفضل للتدبير.
و يجب كذلك أن تكون المراقبة مستمرة و مواكبة لتطبيق عقد التدبير المفوض و ذلك عبر الوسائل التالية:
* تفعيل حضور ممثل الدولة أو الجماعات المحلية في اجتماعات المجالس الإدارية أو التسييرية للشركة المفوض لها.
* توفر الدولة على سلطة التدخل في أي وقت و في أي مكان للوقوف على حسن سير العمل و تطبيق العقد الخاص بالمرفق موضوع عقد التدبير المفوض.
* تفعيل دور المراقبة و ذلك من خلال خلق هيئة تضم كل الفاعلين و المتدخلين في مجال التدبير المفوض من قانونيين، اقتصاديين، و إداريين بدون إغفال المواطن لأنه المعني الأول بخدمات المرفق العام.
* ضمان حق المواطن في المساواة بين المرتفقين، و توفير الخدمة في جودة عالية و بأقل تكلفة و في أحسن الظروف.
* اتخاذ كل ما من شأنه الحفاظ على البيئة.
*سهيل البعمري: طالب باحث – كلية الحقوق طنجة
المراجع المعتمدة:
EL YAGOUBI.M LA gestion des services publics locaux sur le Maroc REMALD n?19 (p 149)
A.M. ECHARFI( LA Gestion déléguée au Maroc) p 53
الوجيز في قانون المرافق العامة الكبرى،منشورات عكاظ 2001.(ص )152.
EL BAKKALI . la pratique de la gestion déléguée au Maroc, la réflexion sur la porte de la convention conclue entre la communauté urbaine de Casablanca et la Lyonnaise des eaux (p111)
1 أحمد بوعشيق ، المرافق العامة الكبرى الطبعة السابعة دار النشر المغربية 2002 (ص 195)
1 المغرب الإداري الدكتور محمد يحيا- الطبعة 2006
اتفاقية التدبير المفوض لمصالح التطهير السائل و توزيع الماء الصالح للشرب و الكهرباء لولاية طنجة ص 7
الكل يذكر أنه عند اتخاذ قرار التفويض كان العمدة و من يسير في ركبه يصر على أن المرور إلى هذه الخطوة قدر لا يمكن تفاديه و ضرورة ليس في الإمكان أبدع منها , لأن تفويت تدبير هذا القطاع سيحل مشاكل المدينة بكاملها ، مشاكلها مع نظافة أحيائها و نفاياتها المتراكمة ، و كذلك مشاكلها في قطاعات أخرى لأن التفويت سيسمح للمجلس الجماعي بالتركيز بشكل أكبر و أدق على الملفات التنموية و الأوراش الحاسمة للمدينة .
كان الجزولي حينها يصد منتقديه الذين تعالت أصواتهم بقوة محذرين من عواقب الإقدام على هذه الخطوة بتأكيده الجازم أن التفويض هو الحل السحري الذي سيجعل من مراكش جنة حقيقية على وجه الأرض ، بنظافة لا تضاهى . لأن التوسع العمراني السريع للمدينة و تطورها الديمغرافي جعل الجماعة عاجزة عن مواكبة حجم الحاجيات المتنامية في هذا المجال. و في الوقت الذي كانت فيه الأصوات ترتفع منبهة بأن التفويض قد يتحول إلى ثغرة أخرى للزيادة في النزيف المالي للجماعة التي أنهكت أصلا بالصفقات الفاسدة و عمليات النهب المسترسل التي كانت مصدرا كريما للاغتناء غير المشروع لعدد من المستشارين ، كان الجزولي يتجاهل كل ذلك مصرا على أن في دفتر التحملات الملزم للشركة المفوض لها تدبير القطاع ما يكفي من الضمانات لتأمين مصالح السكان .
فوض القطاع لشركتين اثنتين واحدة فرنسية و أخرى إسبانية . و انبرى المجلس الجماعي بعمدته السابق على تلميع ما أقدم عليه بحملة إعلامية مكثفة و عمليات دعائية . و منذ بداية العمل ظهرت اختلالات كبيرة في قطاع النظافة و تأكد أن تدبيره من قبل القطاع الخاص لن يكون أحسن من السابق عندما كانت البلدية تتعهد هذه الخدمة . شيء واحد كان يخلق الفارق حينها هو كون الجهة التي من المفروض فيها أن تراقب احترام دفتر التحملات من قبل الشركتين ، كانت تتغاضى عن الاختلالات المرصودة و تتفادى إثارتها .
أجريت انتخابات 2009 الجماعية التي عصفت بالجزولي و أزاحته من موقعه بعد أن انفض من حوله أنصاره الذين غيروا ولاءهم بسرعة ، و ولت محله فاطمة الزهراء المنصوري التي لم تجد بدا من التحصن بنفس وجوه الأغلبية السابقة مع القليل من التنقيح و الزيادة . و منذ الشهور الأولى لتجربة المجلس الجديد ظهر بجلاء أن العمدة السابق خلف تركة ثقيلة في مقدمتها تضخم الدين الجماعي الذي ناهز 95 مليار و ملف تفويت تدبير نظافة مراكش للقطاع الخاص الذي يستنزف مالية الجماعة دون إشباع في المردودية ناهيك عن الكوارث التي ارتكبت في مجال التعمير و حملت ضررا مستمرا يمتد في المستقبل و يمس حقوق الأجيال المقبلة .
تفاقم المشكل بقوة و أصبح هما يوميا لساكنة المدينة و خاصة بمقاطعتي جليز و المنارة بعدما تحولت الشوارع و الطرقات و الأزقة التي كان الجزولي يعد أنها ستصير أنظف بعد أن يتعهد القطاع الخاص خدمة النظافة وجمع النفايات ، إلى مطارح مفتوحة للنفايات تتكدس فيها مئات الكيلوغرامات يوميا من الأزبال تخترق الأحياء السكنية و تنتشر بين المنازل و البيوت و قبالة المدارس و المطاعم و تلتهم أجزاء مهمة من ارصفة الراجلين و الشوارع على حد سواء .
و في سنة 2010 تضخم المشكل أكثر فأضحى تدبير قطاع النظافة و جمع النفايات معضلة صحية و بيئية مخيفة لساكنة مجموعة من الأحياء بجليز و المنارة . إذ بلغ الأمر حدا لم يعد يطاق بعدما تراكمت الأزبال بشكل كبير بسبب انعدام الحاويات ، و حتى إن وجدت تكون في وضعية تزيد هذا الأزمة تعقيد . و طرح عدم تنظيفها مشكلا كبيرا يمس جودة الحياة بهذه الأحياء . حيث تتسرب الروائح الكريهة التي تصدّرها هذه الحاويات إلى قلب البيوت ، وبعدها أصبحت تصدّر الديدان التي هاجمت المساكن و المتاجر . و كذلك الأمر بالنسبة لحالة الشاحنات المستعملة في الجمع التي تتحول بدورها إلى عامل ملوث عوض أن تكون وسيلة للتنظيف . و هي ترجمة مباشرة لحصيلة التدبير المفوض لقطاع النظافة و جمع الأزبال بمراكش .
فأصبحت ساكنة المدينة تعيش تكذيبا ويوميا و على مدار الساعة لوعود الجزولي و هو يهم بتوريط مراكش و قاطنيها في هذه الصفقة . فتبين أن العقد المبرم مع الشركة من قبل الجماعة لم يضمن تحسين الشروط البشرية و اللوجيستيكية للتغلب على مشكل نظافة المدينة ، مثلما لم يجعل من التدبير المفوض قيمة مضافة .
وبلغ السيل الزبى فأعلن المجلس الجماعي رسميا تذمره من أداء الشركة المفوض لها تدبير هذا الملف بمقاطعتي المنارة و جليز . و ابتداء من سنة 2010 أضحى هذا المشكل عنوانا بارزا لصراع بين المجلس و الشركة المذكورة وصفه رئيس مجلس مقاطعة المنارة بالصراع المرير لكونها لم تقدم خدمات في مستوى تظلعات السكان .
رسميا يتهم المجلس الشركة بعدم احترامها للالتزامات المنصوص عليها في دفتر التحملات . و يغرمها مبلغ مائة مليون سنتيما . بعد أن طالبها بتجويد خدماتها التي تكلف مالية الجماعة ملايين الدراهم سنويا .
و قدمت تقارير تقنية تصف النقص اللوجيستيكي الكبير في وسائل جمع الأزبال و النفايات ( عدد الحاويات و الشاحنات) بالنظر إلى ماهو منصوص عليه في العقد . وصار التدبير المفوض في هذا القطاع علامة خيبة كبيرة و فشل ذريع مازال يمارس مفعوله إلى اليوم في حياة السكان و يخلق ما يكفي من مبررات الغضب و المرارة و التذمر .
و الأخطر من كل هذا هو ما قام به أحد نواب عمدة المدينة خلال شهر غشت الماضي عندما كافأ الشركة المذكورة بالملايير من ميزانية الجماعة دفعة واحدة و في وقت وجيز في لحظة يسود فيها استياء قوي من أدائها و خدماتها . بل و الأكثر من ذلك قام بمراجعة الأثمنة مع الشركة الفرنسية المكلفة بتدبير نظافة المدينة العتيقة و سيدي يوسف بن علي حيث رفعها من مبلغ 348 درهما للطن الواحد إلى 358.51 درهما للطن أي بزيادة 3.5 بالمائة دون أن يعود إلى المجلس الجماعي و مصادقته بعد تقييم كافة الجوانب المتعلقة بالخدمات التي تقدمها الشركة المذكورة . و هو الملف الذي توصل القضاء في شأنه بشكاية من قبل الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب .
لم يزد التدبير المفوض لقطاع النظافة بمراكش حياة الساكنة سوى تعقيدا و عمق تدهور شروط عيشهم و فاقم إحساسهم بالغبن و « الحكرة « ، بعدما أثبت التعامل معه أن الأجهزة المنتخبة عاجزة عن صد إخلالات الشركات الخاصة الموكول لها تعهد هذه الخدمة . إذ أظهرت تجربة مراكش أن المجلس الجماعي بحكم تركيبته و الارتباطات المصلحية لبعض أعضائه يغدو أكثر هشاشة و ضعفا في تأمين حقوق الساكنة مقابل نفوذ الشركات الخاصة التي تجد بطرقها الخاصة سبلا لاختراق جدار يقظة المجلس و احتوائه لصالحها . و ذلك بالضبط ما وقع في غشت الماضي و الفضيحة المذوية التي أهدرت فيها حصة لا يستهان بها من أموال الشعب .