أزمة قطاع النقل باكادير… اختلالات جوهرية و انسداد أفق الإصلاح

حقائق24- — مجلة حقائق مغربية

يعيش قطاع النقل الحضري و شبه الحضري بمنطقة اكادير الكبير, التي تضم كلا من جماعات اكادير و انزكان و ايت ملول بشكل خاص,يعيش وضعية خطيرة اقل من ما يمكن ان يقال عنها انها وضعية موسومة بالعديد من الاختلالات الكبرى في ظل عدم وجود إرادة حقيقية و واضحة من اجل تدارك الاختلالات المسجلة و إصلاح هذا الوضع المتردي.

نحاول في هذا التحقيق أن نرصد أهم الأمراض الهيكلية  التي تؤثث جسم هذا القطاع,و الوقوف على ابرز مكامن الخلل,مستحضرين في الآن ذاته الغياب اللافت لأية إرادة حقيقية من قبل المعنيين لإصلاح هذا الوضع.و كان الروبورطاج التالي

الباطوار….البؤرة السوداء

VLUU L200  / Samsung L200

تعتبر محطة ” الباطوار ” المتواجدة بالحي الصناعي لمدينة اكادير من اهم النقط السوداء التي وصمت جبين قطاع النقل بهذه المدينة.فوضى عارمة,لا تنظيم,انعدام الأمن,متشردون و لصوص و أطفال الشوارع. مومسات من الدرجة الأخيرة, ازدحام,تلوث…انها الوضعية المزرية التي ترزخ تحت وطأتها هذه المحطة.فكل شيء موجود بها عدا ما يجعل مرتديها يشعرون بالأمن و الطمأنينة.

فقبل أن تطأ قدماك أرضية هذه المحطة تكاد السيارة, التي تكون قد اقلتك بالكاد تستطيع أن تجد لها مكانا للوقوف أمام هذا الجيش العرمرم من السيارات المزركشة.تارة بيضاء و تارة حمراء  وتارة خضراء.مساحة ضيقة لا تكاد تكفي لإيواء كل هذا الأسطول. وبعد إن تكون قد خلصت نفسك من سيارة الأجرة,تبدأ سلسلة أخرى من معاناة قد تخرج منها سالما و قد لا يحدث ذلك في اغلب الأحيان.ففي استقبالك ستجد موكبا لم تكن تعلم انه في انتظارك.فتيات و نساء لا يربط بهن إلا تلك العلامات التجارية المرسومة على وجههن على ما يبدو بالسواطير و السكاكين و شفرات الحلاقة,موكب من الأعين التي لا تكل من الغمز علها تحضي بإيماءة منك قصد إيتاء ما يؤتى عادة مع هذه الفئة.في زاوية أخرى ,أعين أخرى, لا تكل بدوها تراقب فتحات سترتك او سروالك علها تستطيع إن تتمكن من الانقضاض على ما يوجد به جيبك خلسة.و بين هذين الطرفين يتجول موكب أخر من الكائنات البشرية التي لم تتمكن الا من ارتداء أسمال بالية تفوح منها روائح لو علمت بها المنظمة العالمية للطاقة الذرية لاعتبرتها سلاحا للدمار الشامل, يستجدونك درأهما و على أفواههم و أنوفهم قطع ثوب مبللة بماء الدوليون و السيليسيون.

و في خضم هذا البحر المتلاطم من المشاكل ينتفض مهنيو قطاع النقل ليطلقوا صفارة الإنذار,حول مشاكل مهنية تكاد تعصف بهم و بهذا القطاع,فلا تامين و لا ضمان اجتماعي و بالعكس هناك قرارات عامليه و إدارية مجحفة.

طريقة جديدة لنشل الركاب بالباطوار

تبقى ظاهرة نشل الركاب الوافدين على منطقة الباطوار من الظواهر الأكثر تفشيا هنا, فالناشلون يشتغلون في إطار منظم و من خلال عصابات تتوزع على طول المحطة و بطريقة جد محكمة و تتفنن في اختراع وسائل و تقنيات جديدة للنشل كلما سنحت لها الفرصة بذلك, و الضحايا كثر و الإيقاع بهم يتوقف على مدى دهاء و حسن تخطيط النشال و من معه. و غالبا فان ما يتم التحصل عليه من غنائم من قبيل النقود و الهواتف المحمولة والحلي الذهبية يتم وفق تقسيم مضبوط.

الوثائق الشخصية التي يتم نشلها مع الأشياء القديمة لا يتمكن المواطن من استرجاعها و يضطر في غالب الأحيان إلى سلم إجراءات الحصول على بديل عنها ما يفرض عليه مصاريف زائدة و هو أصلا في غنى عنها,و من التقنيات الشائعة التي يستخدمونها للإيقاع بالمواطنين و سلب إغراضهم تتخلص في استغلال الاكتظاظ و الازدحام الحاصل في بعض الخطوط خلال ساعات الضغط, حيث يتسللون وسط المواطنين و يستغلون تهافت المواطنين من اجل سلب ما يقدرون عليه من جيوب المواطنين و حقائب النساء ثم يختفون من مكان ارتكابهم لعملية النشل حيث يعوضهم زميل لهم لإتمام عملية النشل, و من التقنيات أيضا تمزيق جيوب المواطنين بواسطة الآلة القاطعة حيث يتساقط ما بحوزة المواطن على الأرض و يلتقطه الناشلون بطريقة سريعة.

إلى جانب تواجد فئات تمارس أنشطة غير مشروعة بالباطوار, هناك فئة أخرى تعيش حالة من الإقصاء و التهميش إلا وهي فئة ” أطفال الشوارع ” الذين يعيشون على صدقات المتواجدين بالساحة أو العابرين بها.

يمتهنون التسول لكسب بعض الدراهم لاقتناء ارخص أنواع المخدرات ” السيليسيون ” و السجائر, و هم يعيشون أمواتا في عالم الأحياء تجدهم بالعشرات يصارعون في رحلة البقاء او الاندثار,يتخدرن من الإسفلت فراشا و من الشارع بيتا و من فضلات الناس قوتا وزادا.

يتعرضون للضرب و الاهانة و الاستغلال الجنسي من طرف عدد من الأشخاص في المحطة.بعضهم حاول امتهان حرف هامشية كمسح الأحذية و بيع السجائر بالتقسيط و مسح زجاج السيارات,و البعض الاخر يبيع جسده للسياح الشواذ لكي يعيش,لذا فانه ليس بمطاردتهم او اعتقالهم لساعات ثم الإفراج عنهم سنتمكن من حل معضلة تنامي أطفال الشوارع هنا,و لكن من خلال توفير مكان قار يحتويهم و يقيهم شرور الشارع و عبث العابثين بأجسادهم الصغيرة و اهانة بعضهم الذين تناسوا أنهم و أبنائهم قد يكونون ذات يوم مكان أولئك الأطفال الأبرياء الذين جارت عليهم الظروف بدون سابق إنذار.

محطة انزكان…و اسطورة اهل الكهف

hqdefault (2)

الازدحام و الضوضاء يستقبلانك بمحطة انزكان أيضا. فهذه المحطة هي المحطة الأولى بمنطقة اكادير الكبير. و هي الآن المحطة الوحيدة التي تربط بشكل رئيسي منطقة اكادير الكبير بشمال و جنوب المغرب. غير ان وظيفتها الهامة هذه, لم تشفع لها عند المسئولين في أمر تأهيلها و انتشالها من ذلك الواقع المزري الذي تعيش على إيقاعه على مدار الساعة. أسطول ضخم و متنوع, حافلات النقل ألطرقي و حافلات النقل الحضري و سيارات الأجرة الكبيرة داخل المنطقة و خارجها و سيارات الأجرة الصغيرة و حافلات النقل المزدوج, أسطول كبير يجثم على هذه المحطة المتواضعة و على مساحة ضيقة و في غياب الشروط الضرورية. مرتادو هذه المحطة يشكون يوميا من تكرار ظاهرة السرقة و النصب و الاحتيال و التهديد و السلاح الأبيض, فاللصوص منتشرون في كل مكان حتى لا تكاد تستطيع ان تميز بينهم و بين جحافل ” الشمكارة ” و المتشردين , و المختلين عقليا. فالفوضى تعم المكان, حتى يتخيل اليك انك في مدينة بدون مؤسسات مكلفة بالسهر على امن و سلامة المواطنين دافعي الضرائب.

و بين المتشردين و اللصوص يبدو واقع هذه المحطة الطرفية منذرا بالكثير من التشاؤم و التذمر,فالمتسولون ينتشرون في كل زوايا المحطة كالفطر,مما يعرقل السير العادي لهذا المرفق العام اذا اضفنا إليهم باعة السجائر و المواد الغذائية في ظروف غير صحية.و قريبا من هذه النقطة فان الجانب الصحي بهذه المحطة يكاد محكوما عليه الاختناق,فالمراحيض في حالة مزرية و الازبال و الروائح الكريهة تنبعث من كل مكان.إنها محطة منكوبة بكل امتياز.

ايت ملول…مدينة بدون محطة

aitmelloul55

تعتبر مدينة ايت ملول ثاني أهم المدن بعمالة انزكان ايت ملول, و احد الأقطاب الصناعية الكبرى لجهة سوس ماسة إلى جانب المنطقة الصناعية لتاسيلا.و تأوي هذه المدينة كثافة سكانية كبيرة بحكم اعتبارها أولا مركزا حضريا و سكنيا, و ثانيا لكونها منطقة صناعية تشغل يدا عاملة كثيرة سواء في المصانع أو الضيعات الفلاحية.

غير أن خصوصية هذه المدينة لم تشفع لها على ما يبدو لدى من تولوا زمام أمور شانها المحلي,و بالخص فيما يتعلق بتحسين البنية التحتية ذات الصلة بقطاع النقل.

فالغريب في أمر هذه المدينة, و رغم طابعها الاقتصادي و المداخل التي تذرها على خزائن مؤسساتها, لا تتوفر على محطة طرقية في مستوى إمكانياتها المادية, حيث لا تكاد ترى إلا ما يمكن أن تسميه نقطا طرقية أشبه إلى نقط البيع.فسيارات الأجرة مشتتة على الرقعة الترابية لهذه المدينة الغارقة في جو من الفوضى الهيكلية.

محطة المسيرة…من يتحمل المسؤولية ؟

932013-57767

و إن كنت لا تعرف خبايا الأمور بمدينة اكادير, و ان كنت كذلك بعيدا كل البعد عن معرفة كواليس تدبير الشأن المحلي بهذه المدينة,فانك و لا شك سترثي حالها ما أن تطأ قدماك محطتها الطرقية بحي المسيرة. فمن الخارج ستعتقد للوهلة الأولى انك أمام موقف عمومي ” كايحمر الوجه ” لكن الأمور ستنقلب بك رأسا على عقب حين تعلم ان هذه المحطة إنما بنيت على أنقاض واد كبير قد يعصف بها و بجزء كبير من المدينة حين لا تقوى الطبيعة على تحمل المزيد من خروقات المسؤولين, فهذه المحطة و بجانبها أحياء كبرى كمولاي رشيد و الفضية و المسيرة و امسرنات و شارع الحمراء و سيدي يوسف و غيرها…مبنية على انقاض واد الحوار الذي لا شك انه سيعود يوما ما الى مجراه الطبيعي بعد ان غيبته عنه الظروف المناخية التي مرت بها جهة سوس ماسة, و المتسمة كما يعرف الجميع بتوالي سنوات الجفاف.

و لو ألقيت رؤية من الداخل, فتلك قصة أخرى, فهل يا تراك داخل محطة طرقية ام داخل عمارة ؟ فالأكيد إن لا شيء ينقص هذه المحطة لتتحول إلى ” عمارة طرقية ” سوى السلالم الكهربائية. و الغريب إن من صمم هذا المرفق العام لم يجعل في حسبانه انه مخصص ليس فقط للأصحاء, بل للمرضى و العجزة و ذوي الاحتياجات الخاصة أيضا. فكيف تستطيع هذه الفئة إذن استعمال هذا المرفق و سلالمها  و أدراجه تكاد لا تنتهي ؟ و حتى تزداد الصورة قتامة, فان هذه المحطة تفتقد إلى ادني المرافق الضرورية, مما يعني إن ميزانية هامة ثم تبذيرها فيما ائل للزوال لا محالة.

تنبيه يمنع منعا كليا نسخ هذا المقال أو تحريفه

أترك تعليقا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *