حقائق24- متابعة
رشيد بيجديكن لهيسبريس
غير بعيد عن وسط مدينة إنزكان، المدينة ذات الصيت التجاري بمناطق سوس والمغرب، يقع حي “النور ترّاست” الذي لم تنعكس تسميته الدالة على الضياء والصفاء على هذا التجمع السكاني.
ويظل التهميش في مختلف مناحي الحياة اليومية حليف الأسر التي قُدّر لها أن تستقرّ بالحي المذكور، فضاعف إقصاؤهم من الماء والكهرباء والصرف الصحي معاناتهم مع العوز والفقر وقلة ذات اليد.
كلثومة أمنتاك، الأرملة التي تبلغ من العمر عُتيا والتي تنخر الأمراض جسدها النحيف، تمكنت، بالكادِّ وبعد سنوات من العمل الشاق، من إحاطة بقعة أرضية صغيرة ببعض الأجورات وتحويلها إلى بيت علّه يقيها من البرد شتاء والحر صيفا، بعد أن أثقلت المصاريف اليومية والكراء كاهلها؛ غير أن معاناتها أضحت مستمرة واصطدمت أحلام الاستقرار والتمتع بما تبقى لها من عمرها بواقع مرير، مُتجليا في رفض المسؤولين ربط منزلها بشبكة الماء والكهرباء، على الرغم من استفادة جيرانها من هذه الخدمات، وفقا لتعبيرها.
بحرقة بادية على مُحيّاها، تحكي كلثومة، الأم لثمانية أبناء، وهي تطلعنا على شكايات وملفات طبية ووصفات دواء كثيرة، عن ما نعتته بالتماطل في تمكينها من رخصة للربط بالشبكة الكهربائية، موردة أنها قصدت غير ما مرّة مصالح الجماعة الترابية لإنزكان دون أن يكون لها معرفة السبب في رفض طلبها، ووصفت ذلك بـ”الحكرة” التي أخرجت الآلاف في المغرب ضد ما وقع في مدينة الحسيمة، وفق تعبيرها.
وقالت السيدة المتضررة في تصريح لهسبريس: “تانعسو مع التاسعة وتانفيقو مع التاسعة كيدجاج، في الوقت اللي الناس تيتفرجو في التلفزات، حنا تانعسو، حيت محرومين من الضو”، مسترسلة أن السجن أهون من ظروف العيش التي فُرضت على هذه الأسر قسرا. كما لمّحت المتحدثة، وهي ما زالت تُعاني تبعات تدخلات علاجية من مرض سرطان الدم، واستئصال لإحدى كليتيها، إلى أن استمرار تجاهل المسؤولين الجماعيين لطلب الربط الكهربائي يكرس بجلاء معاكسة الخطاب الملكي الأخير حول اختلالات الإدارة.
وتساءلت كلثومة، التي ما زالت تُعيل أحد أبنائها من ذوي الاحتياجات الخاصة، عن نصيب حيها من التنمية والتهيئة، فلا ماء ولا كهرباء ولا صرف صحي، وعلى بعد أمتار قليلة عن وسط المدينة، تعيش حياة بدائية وسط مدينة مُفعمة بالحياة، حيث تضطر كلثومة إلى الاستعانة بجسمها النحيف والمريض في استقدام مياه الشرب باستعمال الدواب من بعض السقايات العمومية، كما حاولت الاستعانة بلوحة شمسية لتوليد الطاقة، غير أن ذلك لم يفِ بالغرض، بتعبيرها. أما الصرف الصحي، فعندما تمتلئ المطمورة، فإن البيت ومحيطه يتحول إلى مكان يستحيل تحمّل التواجد به، كما تستقبل أنواعا غريبة من الحشرات والحيوانات،؛ وهو ما يعني “أننا فعلا نعيش بدائيين”، تستطرد المتحدثة ذاتها.
كلثومة ليست الوحيدة ممن يعاني الوضع المزري ذاته؛ بل هناك من قضى نحو 35 سنة تحت وطأة ظروف صعبة، ناجمة عن غياب البُنى التحية الأساسية، أبرزها الكهرباء والماء.
إبراهيم بادوز، الأب لثمانية أبناء، يتقاسم مع السيدة الآلام الاجتماعية نفسها، حيث حكى لهسبريس “أنني أقطن هنا منذ ما يزيد عن 30 سنة، كلها مرارة، حيث تنعدم أبسط شروط العيش؛ وهو ما أثّر على أبنائنا وعلى تمدرسهم وعلى صحتهم، ولم تجد صرخاتنا إلى المسؤولين أية آذان صاغية، فبقيت العزلة القاهرة تلاحقنا إلى اليوم”.
لم يكن عزيز أولكحسو هو الآخر أحسن حالا من جيرانه المقصيّين من هذه الخدمات، “أنا ساكن فحي النور منذ سنة 2011، ما كاين لا ضو لا ماء لا زيكو”، مردفا أن طلبات وشكايات وجّهوها إلى المسؤولين؛ لكن دون جدوى، متذرعين بدخول المنطقة ضمن الأملاك المخزنية، على حد تعبيره، مضيفا أن بعضا من الساكنة سبق أن حصلوا على تراخيص البناء، حيث شرعوا في تشييد منازلهم، قبل أن تمنعهم السلطات من ذلك، وطالب المتحدث بفك عزلتهم بشكل استعجالي.
وعادت الأرملة كلثومة لتنتزع الحديث من جيرانها، قائلة “تحركنا في الدنيا، وإلى ما عطاونا حقنا غاندي وليداتي لحدا البلدية ونحرق راسي، حيث هاد الناس حكرونا بزاف”، مردفة أن أولادها يُعانون في ظل غياب النظافة والكهرباء، “وهادشي ليبقا فيا، إلى كاين الماتش خصني نعطيهوم الفلوس، إلى غادين لحمام خصني نعطيهم، فاش غادي نلكا ليهم هاد الفلوس، وعندي معاق عمره 26 سنة في حاجة إلى رعاية خاصة”، وأضافت أنها لا تستجدي أحدا لمساعدتها في أمور الحياة، بل “كنطلب فقط غير الضو والماء”.
وأمام حجم هذه المعاناة التي رصدتها هسبريس، أرسلنا نسخة من شكاية كلثومة أمنتاك، والمرفوعة إلى السلطات القضائية حول الموضوع ذاته، إلى رئيس المجلس الجماعي لإنزكان، عبر الوسائط الاجتماعية ورسالة نصية قصيرة، من أجل أخذ رأيه؛ غير أنه لم يرد على طلبنا، لتبقى صرخة كلثومة تدوي في سماء مدينة إنزكان، إلى حين تفعيل تدخل من المصالح المختصة، بعد استعطاف المتضررين للملك والمسؤولين المركزيين، لإخراج ساكنة “النور” تراست من العزلة القاهرة المضروبة عليهم.