الرأي

“أشتوكن والمشترك”

– حكيم بواسلي

إن البحث في المشترك سؤال انثربولوجي عميق جدا،ويكتسي من الاهمية العلمية مايكفي للمعنيين بحل مشاكل تنموية كبرى ،وسأحاول أن أبني تصورات حول مايجمع قبيلة أشتوكن في العناصر التالية:اللغة،الدين،النشاط الاقتصادي،”المجال ”

اللغة باشتوكة ليست موحدة بشكل عام،فهناك حالات استثنائية وذالك لاستقرار قبائل عربية بالمنطقة،لاأستطيع أن اجزم أن لغة تلك الجماعات منسجمة مع لغة أغلب الاشتوكيين،لكن هذا لم يمنع إندماج هؤلاء داخل القبيلة “الأم”اشتوكن،وأضيف في هذا الصدد أن بنية اللغة عندهم هي الأمازيغة رغم أن الكلمات هي عربية،وهي ظاهرة لسانية بكل قبأئل المغرب،ففي بن كمود جماعة سيدي بيبي مثلا تمزج كلمة”داح”ب ثاني”

الدين: مرت من هنا ديانات أبرهامية ، من اليهودية الى المسيحية الى الاسلام،ولكن في الاصل الوثنية متجدرة بقوة،،فهناك شجرات تعلق عليها ملابس النساء من اجل الزواج، و يستعمل الملح من أجل طرد الارواح، فالشتوكيون يقدسون الملح (اقتطفت الجملة من أحد كبار نساء المنطقة حيث تقول فيها : Tisnt d ismawn nrbi بمعنى الملح وأسماء الله) إن قدسية الملح في الاعراس والتجارة وبناء بيت جديد سلوك مازال مستمر بالقبيلة الكبرى أشتوكن، الوثنية سلوك ديني لدى الاشتوكيين كما عند أغلب الامازيغ ، فالمولود مازال يعلق بعنقه حجاب يحميه من “takmist”تاكميست في مخيلة الاشتوكيين لو إقترب منها الرضيع فإنه يمرض ويعالج عند إمرأة تلقب ب “موتكميست”رغم أن المرض يصير مرحلة عمرية بحياة الرضيع إلا أن الديانة الوثنية تلعب دورها في الثقافة المحلية.
اليوم ، الاسلام هو شعبي له خصوصيات محلية، فلكي لا أخرج عن نطاق المشترك ف”لالاتاعلات”(إمرأة شريفة لدى الشتوكيين)، إنه احتفال ديني يقام كل سنة، وهو عبارة عن”موسم أو الموقار” يقام بجبل اشتوكن، و أعتبر هذا الاخير دليل قاطع على ان الاسلام الشعبي بالمنطقة يجمع الناس أكثر من الاسلام الشرقي الذي دخل الى المنطقة مؤخرا بفعل وسائل الاعلام، فتاعلات وسيدي وساي بؤرة اجتماع الشتوكيين، إضافة الى هذا ، و كباحث في جلت أغلب دواوير المنطقة ،فقد لاحظت بأن المسجد يبنى بالوسط او مركز الدوار،تحديدا منطقة تسمى عندهم”asrir” اسرير هذا؛هو مكان لقاء الجماعت ومكان تقام فيه حفلات الدوار، فانتقل المقدس الى مقدس آخر<المسجد> الذي يشيد بالوسط ولاتجده خارج الدوار.

النشاط الاقتصادي كان معاشيا ولم يكن من اجل التسوق و التسويق،إذ لعبت العصبية دورا كبير في هذا الامر، فكل إخص كان يمارس “تويزي”في الفلاحة والرعي ،وتنتقل هذه التويزي الى الدفاع عن النفس، والاحتفال بعرس ما…. اليوم تويزي تنقرض شيئا فشيئا (وهي مشتقة من كلمة “awsyi” وتعني ساعدني، والفلاحون هنا يسمون تطهير الغلة من الاعشاب المضرة ب “awsay “) ولكن لعلم اللذين لايعلمون أن نجاح النسيج الجمعوي الاشتوكي على الصعيد الوطني واعتبار اشتوكة نموذج للعمل الجمعوي الناجح ناتج عن رواسب تقافية تستحق الاهتمام،اليوم اشتوكة مازالت الاسواق الكبرى تجمع بين ساكنتها،و”أعراب”وأهواري”….ألقاب تطلق على غير الشتوكي، وهو تعبير لاشعوري على المشترك، وحتى عند عمال الضيعات فصاحب الضيعة ان كان من أبناء المنطقة فينادى عليه بإسمه،وإن كان خارج المنطقة فقد يكون”أرومي”أو “اعراب”او حسب منطقته الاصلية وهنا ساناقش مسألة المجال.

إن الخوض في نقاش المجال صعب جدا على الباحثين الكبار فما بالنا بمبتدئ،ستكون محاولة أولى لتصور بسيط حول مجال “أشتوكن”أول ملاحظة لي هي أن أشتوكن مقسمة الى السهل والى اشتوكن الجبل، لكل خصوصياته ولكن هناك مشترك،فما المشترك بينهما؟

ستكون أية محاولة للاجابة، فاشلة بالنسبة لي، فالسؤال أكبر من إمكانياتي المعرفية وآلياتي المنهجية في الانثربولوجيا، إلا انني سأغامر في التحليل وابدأ:
إن الجبل لايتوفر على بحر ولذالك فالشواطئ بالصيف تجمع ساكنة الجبل بالسهل و مياه بحر سيدي وساي خاصة، ولعلني فطنت الى المسألة بشكل تلقائي، فكلما إلتقيت بأحد ساكنة الجبل الا ونتذكر معا شاطئ”سيدي وساي” ،إنها مسألة تحدث لاشعوريا فشواطئ أكادير أو تزنيت متاحة لهؤلاء ولكن من الذي يأتي بسكان الجبل الى شاطئ سيدي وساي؟
إنها قدسية المجال،فشاطئ سيدي وساي ليس للإستجمام والهروب من حرارة الصيف فقط،إنه تنزه روحي يجمع الشتوكيين دون استثناء.

ساكنة السهل معروفون بفلاحتهم وساكنة الجبل معروفون بتجارتهم، المسألة بسيطة جدا ولا أسند المسألة الى الطبيعة الجيولوجية، فما الذي يمنع ساكنة الجبل بالاستثمار في الفلاحة بالسهل؟ لكن “إكودار”توجد بالجبل ولن تجد لها أثرا بالسهل، اكادير مؤسسة عريقة بالحس الجمعي لدى ساكنة الجبل،فتقسيط الاجداد لحاجات العام، اليوم رواسبها تجدها راسخة عند أحفادهم ، وفي تجارة التقسيط بكل مناطق المغرب. والشتوكي السهلي شخص مسرف عكس الجبلي ، فهو رجل عقلاني له روح التجارة والاستثمار…..

أثرت في،كتابات الانثربولوجي “موريس غودولييه”ومحاضراته وهو يوصي بالاعتماد على دراسة المشترك في المجتمعات الانسانية،وحاولت أن أوظف نظرياته لكن صراحة العمل بها صعب جدا خاصة في القبائل التي لاتجد بها كتابات كثيرة في التاريخ الاجتماعي،فمثلا اشتوكة تعيش نوعا من الانحطاط والفقر في المادة التاريخية، رغم غناها الاقتصادي وإمكانيتها المادية القوية مع الأسف.

 

 

 

حقائق 24

جريدة إلكترونية مغربية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى