مجتمعوطنية

التدينُ “الرمضاني” في المغرب .. عودةٌ إلى الله أمْ نفاق اجتماعي؟

“عبدة الحريرة” توصيفٌ دارجٌ في الثقافة الشعبية بالمغرب لإقبال عددٍ من الناس على الصلاة في المساجد، ومباشرة العبادة مع بدايَة رمضان، بعد قطيعة في الأشهر الأحد عشر المنصرمة من السنة، كثيرًا ما يجرِي استئنافها مع اليوم الأوَّل من شوال.

التحوُّل المفاجئُ الذِي يطرأ لدى كثير من المغاربة خلال رمضان، فيمهدُون لهُ بالانقطاع عن الكحُول قبلَ أربعين يومًا من بداية الشهر، باعتبارها مهلةً كافيَة، في اعتقادهم لتخليص الدم من بقايا الكحُول، زيادةً على تدثر البعض بألبسة تقليديَّة أطول، سيما بالنسبة إلى النساء، وإرجاء عددٍ من لأمور التي يرونها حرامًا، إلى ما بعد رمضان مع نية العودة إليها، يسائلُ ما إذا كان التحول الحاصل، متصلًا بتوبة يفتحُ بها التائب صفحةً جديدة في حياته، أمْ أنها استراحة صائم فقط” تنساقُ مع مجتمعٍ تتغيرُ عاداته خلال الصيام.

“السيمُو”، البالغ من العمر 26 عامًا، وهو أحد من باشرُوا الصلاة في اليوم الأوَّل من رمضان، بعد انقطاعهِ لنحو 11 شهرًا، يقولُ في حديثٍ للجريدة إنَّه لا يرى نفاقا اجتماعيا، ولا ما يبعثُ على الاستغراب في صلاته خلال رمضان دون باقي الأشهر الأخرى “المرءُ يمضِي السنة كاملة في إتيان أمور غير مقبولة شرعًا، فما الذِي يضيرُ في أنْ يخصص شهرًا واحدًا..نحنُ مقصرُون، ونعِي ذلك، ولا بأس من أنْ يحاول المرء العودة بين حينٍ وآخر، ثمَّ إنَّ الصيام غير مقبول ما لمْ ترافقه صلاةٌ، ويكون أليق بالصائم ألَّا يدعَ طعامه”.

من منظور الشرع، يقول الأستاذ والباحث في الفكر الإسلامِي، أحمد البوكيلي، إنَّ لا موسم واحدًا للعبادة في الإسلام، لأنَّ الأصل هو الارتباط فيها بالله في كلِّ الأوقات، قصد أداء الوظيفة الروحيَّة والأخلاقيَّة والعمرانيَّة المحددة في القرآن الكرِيم “وما خلقتُ الجن والإنس إلَّا ليعبدُون”، وبالتالِي يجبُ أنْ تفهم العبادة وفقَ الأصول والمقاصد، لا في نطاق التغيير الذي يطرأ على المجتمع بين شهر وآخر.

البوكيلِي يعزُو في حديثٍ للجريدة إقبال عددٍ كبير من الناس على المساجد في رمضان، دون سواه، إلى طفو ظاهرة اجتماعيَّة، ترجعُ بدورها إلى ضعف التأطير التربوِي والمقاصدي الذي يمكنُ له أنْ يبين للناس الغايات المرجوَّة من العبادة “المغاربة شعبٌ متدين بالفطرة، لكنَّ ما صارَ يلحظُ، إفراغٌ للعبادة من محتواها”، ينذرُ بأزمة في الثقافة المغربية، لأنَّ أمورًا كثيرة تحسبُ على الدين في حين لا تعدُو كونها مظاهر اجتماعيَّة صرفة.

والإشكالُ أعم، حسب البوكيلي، في تدين البعض، لأنَّ من الناس منْ يختزلُ أمور الدين في الشعائر من صلاةٍ وصوم، دون استحضار البعد الإنسانِي للدين “أليس من الأنانيَّة أنْ يحقق المسلمُ لذَّة ذاتيَّة في العبادة، بذهابه إلى العمرة عشرات المرات، دون الالتفات إلى من حوله لمساعدة الضعفاء منهم..نعم العمرة عبادة، لكن يجب أنْ ننظر إليها في شمولية، وفي ذلك تبرزُ مشكلة الصورة التي يتبوأها الدين في المنظور الثقافي لدى الناس”، يخلصُ البوكيلي في قراءته.

حقائق 24

جريدة إلكترونية مغربية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى