تحقيقات

المسكوت عنه في ملف التفرغ النقابي بقطاع التعليم وكيف تحول من حق نقابي إلى ريع سياسي

حقائق 24

شكل ملف “التفرغات النقابية” في قطاع التربية الوطنية أحد المساحات السوداء والفارغة بين النقابات التعليمية والوزارة، في الوقت الذي حاول فيه الوزير الأسبق الاستقلالي محمد الوفا فتح هذا الملف ونشر لائحة المستفيدين من “كوطا التفرغات النقابية” لعقود من الزمن، انتفض في وجهه مقربون ونقابيون وسياسيون، ولم يتم نشر اللائحة المعتقلة في دهاليز مديرية الوارد البشرية بالقطاع.

وإذا كانت النقابة الموالية لحزب “العدالة والتنمية”، الجامعة الوطنية لموظفي التعليم (ا.و.ش.م)، هي النقابة الوحيدة التي نشرت عام 2013 لائحة بأسماء الموظفين بقطاع التعليم المتفرغين لديها والبالغ مجموعهم 52 حالة، فإن باقي النقابات، ومنها الأكثر تمثيلية لم تقو على نشر لوائح المستفيدين من هذا “الامتياز الاداري”، والذي يعتبره اليوم الكثير من نساء ورجال التعليم “ريعا نقابيا”.

ففي الوقت الذي تطالب فيه الوزارة عبر الأكاديميات والمديريات نشر لوائح الموظفين الذين يشتغلون في كل مرفق من مرافقها تماشيا مع مبدأ “الشفافية والحكامة الجيدة”، ترفض الوزارة ومعها النقابات نشر المتفرغين النقابيين، لكون ذلك سيكشف الكثير من الحقائق والأشخاص الذين باتوا متفرغين منذ ولوجهم الوظيفية العمومية بقطاع التعليم، ولا أحد يمكن أن يمسهم، أضافة إلى ذلك أنهم يترقون بطريقة سريعة، والمئات منهم غيروا الاطار من التدريس إلى المهام الادارية، وما يزالون موضوعين كل عام رهن إشارة نقاباتهم.

 

التفرغ النقابي.. مبررات قانونية واختلالات مبطنة

 

ينص الفصل 46 المكرر ثلاث مرات من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية على أن “يكون الموظف مستفيدا من التفرغ النقابي عندما يبقى تابعا لإطاره بإدارته الأصلية وشاغلا لمنصبه المالي بها ويزاول مهامه بإحدى النقابات الأكثر تمثيلا. ويظل الموظف المتفرغ لدى إحدى النقابات الأكثر تمثيلا متمتعا، في إدارته الأصلية، بجميع حقوقه في الأجرة والترقية و التقاعد”.

 

وتحدد كيفيات تطبيق أحكام هذا الفصل بموجب مرسوم.

 

والتفرع النقابي مبدأ معمول به في جميع البلدان، وتنص عليه المواثيق الدولية ذات العلاقة بالشغل والعمل النقابي، في إطار تمكين النقابات العمالية والهيئات المدنية من مزاولة مهامها على أحسن وجه، وتأطير المواطنين وتزويد الهيئات النقابية والمدنية بالأطر البشرية اللازمة لتسيير أعمالها، حيث يظل المتفرغ يستفيد من راتبه الذي يتلقاه من الدولة طيلة مدة التفرغ، باقتراح من الهيئة النقابية وفي ضوء احتياجاتها، على أن يتم ذلك خلال سنوات معدودة يعود المتفرغ بعدها إلى مهنته الأولى.

وكشف مصدر مطلع من وزارة التربية الوطنية أن الأخيرة تتلقى بداية كل شتنبر لائحة بإسم الأشخاص الذين تقترحهم النقابة للتفرغ النقابي بدءا من فاتح شتنبر إلى غاية 31 غشت من كل عام، منهم مساعدون تقنيون وأساتذة وأطر إدارية (غيروا الاطار ولم يمارسوا أي مهام إدارية قط) ومفتشون.

بعدها تصدر مديرية الموارد البشرية بالوزارة رسائل شخصية لكل متفرغ نقابي، يوضع رهن إشارة نقابته، توجه للمديريات التي يشتغلون بها على المستويات المركزية والجهوية والاقليمية، تدعو فيها “المتفرغ النقابي” للالتحاق بهيئة النقابية قصد توقيع محضر الالتحاق وإرساله لمديرية الموارد البشرية” لتسوية وضعية المعني بالأمر الادارية، فيما تكون المؤسسات والمديريات والأكاديميات التي يشتغلون بها في “دار غفلون”، فهي لا تتوصل بأي محضر لالتحاق المتفرغ ولا تقرير عن الفترة التي التحق فيها بنقابته، على الرغم من أنه يتقاضي راتبه من ميزانية القطاع، يشرح مصدر “حقائق 24” من داخل وزارة التربية الوطنية.

غير أن المثير في العملية أن من “المتفرغين النقابيين” من تفرغ لهاته المهمة لأكثر من 30 عاما، يتقاضى راتبه الشهري من ميزانية القطاع، ولا يؤدي أية خدمة لأبناء القطاع، بل الأدهى والأمر أنه يتفرغ داخل نقابته للقيام بمهام غير مهام التأطير النقابي بقطاع التعليم لنساءه ورجال في العديد من الجهات.

وروى مصدر  “لحقائق 24″، أن من المتفرغين النقابيين من غير محل سكناه ورحل إلى مدينة أخرى تبعد عن مقر عمله الأصلي بأكثر من 600 كيلومترا، لأنه “محمي” ولا يمكن أن يعود لممارسة مهنة التدريس في القرية أو المدينة، لأن موقعه وقربه من “النقابيين الكبار ومعرفته بأصحاب القرار” ستجعله “مطمئنا حتى تقاعده”، فيما ظل بعض “المغضوب” عليهم خارج دائرة “الكوطا النقابية”، وتم “حرمانهم” لسنوات في غياب أي تداول أو تناوب على ذلك أو مردودية يجري تقييمها، يؤكد ناشط نقابي لموقع “حقائق 24″.

يقول عن ذلك الباحث المغربي إدريس الكنبوري: التفرغ النقابي شابته العديد من الاختلالات والتلاعبات، التي جعلته مجرد واجهة لتغطية الريع الذي استشرى داخل العديد من الهيئات النقابية وغير النقابية، إذ لم يعد مرتبطا بجودة أداء المتفرغين أو الملحقين ومردودياتهم، ولم يعد يراعي حاجيات الهيئة النقابية، بل أصبح جزءا من البيروقراطية النقابية يتم توزيعه حسب الولاءات والحسابات الضيقة داخل الهيئات النقابية، وسيطرت عليه الزبونية والمحسوبية، وتحول التفرغ إلى وسيلة لنهب المال العام وقناع يحجب تفرغ المتفرغين لقضاء مصالحهم الشخصية ومتابعة مشاريعهم بالنسبة لمن كانت له مشاريع”.

واعتبر الكنبوري أن “التفرغ النقابي تحول إلى أداة لشراء ذمم القيادات النقابية ووسيلة من طرف الإدارة لرشوة النقابات. كما أصبح التفرغ النقابي أيضا أداة في يد القيادات النقابية لرشوة بعض أعضاء النقابات وكسبهم، مما أفقد العمل النقابي جوهره الحقيقي المتمثل في الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة ومحاربة الاستغلال والريع والزبونية، خاصة أن منح التفرغ لم يعد يرتكز على مبدأ الشفافية والوضوح والديمقراطية الداخلية. وهكذا تحول مبدأ التفرغ من وسيلة للرفع من أداء النقابات إلى وسيلة لإضعافها وضرب مصداقيتها”، وفق تعبيره.

ومن بين طرائف التفرغات النقابية أن “البعض” يمارس التجارة في مهن وحرف مختلفة ( بيع السيارات وشراء العقار وبيعه..)، بدل عن التأطير.

 

غياب معايير “التفرغ” والكوطا النقابية

وروى مصدر موقع “حقائق 24” أن الوزارة غير ما مرة لم تكن مقتنعة بمنح النقابات التفرغات النقابية كل عام”، وأقرت بأنها “تعزم” في شهر يونيو لمدة ثلاث سنوات متتالية وضع معايير قبل انطلاق كل دخول مدرسي، غير أنه سرعان ما يخفو ويخبو هذا المقترح الصامت، مع بداية كل موسم دراسي جديد.

علة ذلك، بحسب إفادات العارفين داخل قطاع التربية الوطنية في توضيحات لموقع “حقائق 24″، أن هذا الملف “المسكوت عنه بين الطرفين (الوزارة والنقابات) لم يكن أبدا على طاولة الحوار”، بل كان “الصفقة المعلنة الخفية” التي يجريها الطرفان للسكوت عن ملفات وتخفيف التوثر”، وهو ما ظهر خلال الدخول المدرسي الحالي 2017/2018، حيث سارعت وزارة حصاد لتجديد التفرغات النقابية للنقابات التعليمية مع مطلع شتنبر الجاري بشكل مفاجئ، يثير الكثير من التساؤلات الحارقة والملتهبة.

هذا الوضع، يجعل العديد من الملفات الآنية والمستعجلة لنساء ورجال التعليم “معطلة” لسنوات، يتم تأخيرها والمتضررون يشكون ويشتكون، حتى صارت تنسيقيات تتشكل وتتفاوض لعدم ثقتهم في الهيئات النقابية، يروي مصدر من “التنسيقية الوطنية للمتضررين من الحركة الانتقالية الوطنية”.

مصادر نقابية متفرقة من داخل القطاع، أسرت لموقع “حقائق 24” أن مجموع المتفرغين بالقطاع يناهز 260 موظفا، دون احتساب العشرات ممن هم في وضعية إلحاق أو وضع رهن الاشارة بقطاعات التعليم العالي والداخلية ووزارة الفلاحة والصيد البحري والصناعة التقليدية والتعاون الوطني والأوقاف والشؤون الاسلامية والأسرة والتضامن…) أو جمعيات نسائية أو الهلال الأحمر المغربي أو جمعيات مدنية قريبة من السلطة أو مؤسسات منتخبة أو مصالح بالبرلمان (الموارد البشرية..)، وحتى القصر الملكي.

 

تساؤلات حارقة وملتهبة

 

يطرح موضوع التفرغ النقابي ومعاييره وشفافيته الكثير من الأسئلة التي ستبقى معلقة من قبيل: ما هي المعايير لتوزيع التفرغات النقابية وما ماهية النقابات الأكثر تمثيلية وكيف يتم تحديدها في كل قطاع حكومي؟.

ولماذا تمنح التفرغات النقابية لأساتذة يدرسون بمؤسساتهم التعليمية في مواد ذات خصاص وقلة، وبعد انطلاق الدخول المدرسي بشهور وأسابيع، مما يحرم المئات من التلاميذ من حقهم في التمدرس الذي يزايد به نقابيون في بياناتهم؟.

ولماذا لم تكن الجرأة لدى الوزارة في “معيرة لتفرغات النقابية”، خاصة وأن فضيحة “تفرغ نقابي” فجر وزارة التربية الوطنية أيام مدير الموارد البشرية السابق، حينما زاره أحد المقترحين للتفرغ النقابي للسؤال عن مآل وثيقة تفرغه النقابي، مقابل تدخل “مفضوح” أثار غضب مسؤول آنذاك للمطالبة بوضع معايير، لكن سرعان ما تبخرت.

وتبقى الكوطا النقابية في التفرغات النقابية سؤالا حارقا لم تقو وزارة حصاد على الافصاح عنه، في انتظار أن تمتلك الجرأة على نشر لوائح المتفرغين النقابيين سنويا، بحسب كل هيئة نقابية، تفعيلا لمبدأ “الشفافية والحكامة الجديدة والمقاربة التشاركية” الذي “تتشارك” فيه النقابات والوزارة أما الرأي العام.

حقائق 24

جريدة إلكترونية مغربية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى