بورتريهات

تارودانت: شركة “وكه لإنتاج وتربية الدواجن” خمسون سنة من الكفاح لتحقيق الذات

عمر أعكيريش

الاحتفال باليوبيل الذهبي ل “شركة وكه” ليس احتفالا تقليديا لمؤسسة عادية، لكنه يشكل بالنسبة إلى كثير من الذين عايشوا ولادة هذا العملاق في انتاج وتربية الدواجن بجهة سوس ماسة، حالة من التأمل لمسيرة إنجاز كبير في المجال الاقتصادي، صنعه رجل عصامي تحلى بالحنكة والحكمة والصبر والنظر الثاقب.. “شركة وكه لانتاج وتربية الدواجن” شكلت منذ وضع أولى لبناتها سنة 1972، رافدا إنتاحيا هاما، ورافعة تنموية أثتت المشهد الاقتصادي داخل المغرب وخارجه.

من عدد محدود من الكتاكيت ، لا يتعدى ال 400، لتكون كبداية مشروع صغير راهن عليه محمد وكه إلى شركة إنتاجية تشغل بين ضهرانيها ما يربو على 4000 عامل وعاملة، قصة كفاح ونضال طويلة، وسجل حافل لمستثمر كان يحلم بالمستقبل والتنمية لمنطقته أولا ولوطنه عامة، بل رأى ما هو أبعد من الأفق، وتمنى وهو يخطو أولى خطواته في مشروعه ” الحلم” أنه بعد الجهاد الأصغر ضد الاستعمار التقليدي الذي انتهى وولى دون رجعة، بدأ يستشرف ويتطلع نحو الجهاد الأكبر من أجل التنمية ودعم الاستقلال وإثبات الذات كمستثمر وطني غيور.

نصف قرن كامل من الأحلام والنجاحات والربح والخسارة، كانت ولا تزال ” شركة وكه” منارة اقتصادية أضاءت بنورها دروب الوطن من أقصاه إلى أقصاه..

ماذا يعني أن تجتاز شركة إنتاحية نصف قرن من عمرها ؟ وماذا يعني أن يكون هناك احتمال مرجح في ظل تولي تسير ڜؤونها الابن الكفؤ “عبد الحفيظ وكه” لاستمرارها طويلا في نصف قرن جديد؟ إنها من الظواهر التي تشكل لغزا في ظل تخبط العالم في عدة مشاكل اقتصادية لم يصمد في وجهها إلا الملحاح المتسلح بالصبر والعزيمة الفولاذية والثبات والإرادة الصلبة..

ولو شئنا أن نتفقد بداية الشركة، لتعين علينا أن نرجع إلى سنة 1972، فإذا كان هذا التاريخ هو بداية الخطوة الأولى في تربية الدواجن، فإن البادرة يقف وراءها زمن أبعد، تبلورت فيه الفكرة، وتم التتفيذ في نهاية المطاف، فالبداية كما رواها الحاج محمد وكه خلال الذكرى الخمسين لتأسيس الشركة ، كانت بفكرة تقدم بها صديق له، فاستحسنها محمد وكه، ليبدأ التطبيق بعد روية ودراسة، وذلك بأحد ” الأحواش” باولاد تايمة، كان هامش الربح – مبدئيا- بسيطا، لكنه كان مشجعا للمستثمر الشاب الذي آثر العمل والمثابرة على أن ينسحب من مشروع وضع فيه كل مذخراته المادية وجهده و تفكيره ، فكان الرهان صائبا، لأننا بإطلالة بسيطة وخاطفة من بعد هذه العقود الخمسة، يجعلنا نتيقن أن صدق النوايا يقود حتما إلى صحة الاختيار، فكانت البداية وكانت النبضة الأولى التي حركت الحياة في كيان هذه الشركة النموذج ، التي تعبر اليوم نصف قرن من عمرها وتعد بالمزيد..

*تمضي الأيام وتتوالى السنون*

كرولونوجيا الأحداث مرت بسرعة عبر شريط صور بالأبيض والأسود تم عرضه خلال الحفل، وكأنني أشاهد فيلما وثائقيا ومعرفيا ممتعا، يبرز كفاح رجل، هاجر مع أسرته من بلدته إلى مدينة فكيك، عاد بعدها ليتحمل أعباء أسرته بعد التحاق والده بالرفيق الأعلى، اشتغل باشتوكة ايت باها بإحدى الشركات، لينتقل بعدها كعامل بإحدى محطات البنزين باولاد تايمة، هناك، كانت البداية، وهناك اختمرت الفكرة، وثمة كان التتفيذ، ومن هناك كانت الخطوات الأولى نحو النجاح.

انتقل بنا الشريط إلى فترة ما بعد عصر الألوان، حيث ظهرت صورا تبرز تطور الشركة مع تطور الوقت ودخولها عصر المكننة، ليبدو بعدها الحاج محمد وكه يسرد مسيرة حياته، منذ نشأته حتى يومنا هذا، حالة من الحنين الجارف من لقطة إلى أخرى، تبرز إصرار الرجل وعزيمته وإرادته التي لا تلين.

هو اليوم يقف محتفلا، وعينه على أبناءه وأحفاده، ينظر إليهم وإلى ما تم إنجازه، يحتضن الماضي ويستشرف المستقبل.. خمسون سنة رحل خلالها أحباء، تفتت صداقات، وتوطدت أخرى، وأغلقت شركات كثيرة أبوابها معلنة الإفلاس، خمسون سنة، يكبر الإنسان، يشيب رأسه، تتجعد بشرته، تبهت ألوانه، وهذه الشركة تقف متألقة صامدة تزف نفسها متأنقة بثوب النجاح، هكذا إذن يبدو هذا الصرح الاقتصادي بعد نصف قرن، قادرة على الانطلاق إلى المستقبل بما حباها الله من عقول مستنيرة في شخص المؤسس ذو الخبرة الحاج محمد وكه، والمجدد المساير للتطور الابن عبد الحفيظ وكه، أثبت أصحابها، جميعا، فهمهم الكامل لإدارة الشركة نحو تحقيق الأفضل، ما يجعل منها أملا للمستقبل، وأداة من أدوات إنعاش الاقتصاد بالجهة..

حقائق 24

جريدة إلكترونية مغربية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى