ليس دفاعا عن مزوار ولكن … لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب

عبداللطيف وهبي
غريب أمر السياسة وغريب أمر بعض السياسيين في هذا البلد، ينظرون إلى الأمور كيفما يريدون لا كما هي عن حسن نية أو عن انحراف مقصود، فحينما انسحب حزب الاستقلال من الحكومة، قيل أن الأصالة والمعاصرة هو الذي أخرج حزب حميد شباط منها، وحين هاجم هذا الأخير حزب الأصالة والمعاصرة لم يقل أحد أن بنكيران هو من حرضه، وحين صعد إدريس لشكر إلى قيادة حزبه حزب الاتحاد الاشتراكي، قيل أن “البام” هو الذي أوصله، وحين تكلم صلاح الدين مزوار رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار بعد طول صمت قيل أن “البام” هو الذي طلب منه أن يتكلم.
يبدو بناء على هذه المزاعيم أن حتى الحوثيين حينما احتلوا اليمن كان “البام” هو الذي حرضهم، ولم يعد سوى القول بأن “البام” هو الذي منع المطر، في جميع الأحوال أصبح حزب الأصالة والمعاصرة هو الوسيلة الفضلى لتبرير أي تصرفات سياسية لم يرضى عليها الآخرون.
غير أننا لم نقل وكذلك لم يقولوا أنه حينما صعدت العدل والإحسان ضد الجميع، أن بنكيران هو من كان وراء ذلك، وحينما تدخل السلفيون في الصغيرة والكبيرة وفي تفاصيل الدين وفتاوى الجنس، لم يقل أحد أن بنكيران هو الذي حرضهم على ذلك، وحينما يسكت بنكيران وتتحدث حركة التوحيد والإصلاح لم يقل أحد أنها الذراع الدعوي لبنكيران غير أنها تخدمه في السياسة، وحينما تحامل الشيوعيون عفوا التقدم والاشتراكية على “البام” لم يقل أحد أن بنكيران حول كارل ماركس إلى السيد قطب بعد سقوط حائط برلين، وطبعا حزب الأصالة والمعاصرة هو الذي أسقط هذا الحائط لذلك يحاربه ما تبقى من الشيوعيين عفوا “الشيوإسلامويين”، وحينما انتقلت “داعش” من سوريا إلى ليبيا لم يقل أحد أن بنكيران تدخل لدى المدير العام للخطوط الملكية المغربية لوضع الطائرات رهن إشارة “داعش” أو حتى القول بحجز كرسي درجة رجال الأعمال للزعيم البغدادي ولذلك أقيل السيد المدير العام من مهامه. و طبعا إذا سرنا على هذا المنوال أخذلنا القارئ أو حتى شتمنا ذكاء المغاربة، فلا يمكن مطلقا أن نصف الآخرين بالدمى أو الكراكيز حتى نتهم الآخر.
فالسيد بنكيران له الحق أن يقول ما يريد، غير أنه على الجميع الصمت، فالآخرين إذا تكلموا كان حزب الأصالة والمعاصرة وراءهم، فحتى الذي يكتب مقالا صحافيا حول هذا الموضوع يعيش مرض (سكيزوفرنيا) السياسية اتجاه البام، إذ يتخيل وجوده في كل مكان، و إذا لم يجده أوجده، فعلى الجميع أن يصمت حتى يتكلم بنكيران وحده، ليتهم الآخرين بالتحكم.
غريبة ممارسة السياسة في هذا البلد، كأن الذي يجمع الكلمات هما هاذين الحزبين الصديقين اللذوذين، والسؤال من يريد أن ينفرد بالآخر؟.
مشكلة الآخرين هو أنهم يريدون أن يمارسوا السياسية بمنطق الشيخ والمريد، يتبعون بدون طرح السؤال، ويقبلون أجوبته حتى بدون طرح السؤال عنها، فمن لا ولاء له للأمين العام لديهم فالشيطان وليه، ومن ينتقد ذلك الحزب فلسانه استعاره من غيره، كأن الناس لا حق لهم في التفكير، وكأن حزب الأصالة والمعاصرة لا هم له سوى بناء خطاب لإقراضه للآخرين، في حين أن هموم حزب الأصالة والمعاصرة أكبر من أي حزب آخر، فهي هموم الأصالة وحداثتها، هموم الوطن ومستقبله.
وحينما كان يفكر رئيس الحكومة في حديقة الحيوانات من خلال التماسيح وفي أوهام الجن باعتبارها عفاريت، كان لحزب الأصالة والمعاصرة هم آخر، هم المواطن وحسن وجوده، وهم الوطن واستقراره وتطوره، لكون المواطن المغربي همه بسيط وجميل ورائع يكمن في الحفاظ على وطنه وتقوية ديمقراطيته، بحوار وطني صريح واضح وموضوعي، تكون الأفكار موضوعها ومستقبل الوطن همها.
فقط أتمنى أن لا يكون حزب الأصالة والمعاصرة في رأي الآخرين هو من أرسل النيزك إلى الأرض أو فجر البراكين في “إيسلاندا”، رغم أنه فعلا فجر أفكارا عقيمة في رأي الغير.
إن ما لا يفهمه الآخرون هو أن الهجوم على حزب الأصالة والمعاصرة في حد ذاته مادام لم يقسم ظهره فهو يقويه، لخطابه الصريح والموضوعي، الواقعي بدون أوهام ولا حقد، دعونا نقول للآخرين حتى لا ينفعلوا ضد غيرهم ما قاله الشاعر الحطيئة (لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب *** ولا ينال العلى من طبعه الغضب).
*محام ونائب رئيس مجلس النواب باسم الأصالة والمعاصرة