الرأي

مغربية الصحراء أو الأنانية الأمازيغية

حقائق24

احتدم الصراع وتفاقم حول الصحراء المغربية. يقوم خصوم المغرب في هذه الأيام بتجنيد كافة طاقاتهم للنيل من الوحدة الترابية المغربية، وضرب تماسك المغاربة وإجماعهم حولها. كل محاولاتهم في هذا الاتجاه، منذ منتصف سبعينات القرن الماضي إلى اليوم، باءت بالفشل الذريع. إجماع المغاربة حول تمسكهم بصحرائهم، باعتبارها جزءا من أرضهم التاريخية، شكًّل الصخرة التي تحطمت فوقها جميع المناورات التي حيكت من طرف الدولة الجزائرية. هذا الإجماع الحاصل حول مغربية الصحراء يتعين النظر إليه من طرف المغاربة كمكسب وطني لا ينبغي التفريط فيه، أو التشويش عليه، بأي شكل من الأشكال.

غير أن بعض النشطاء الأمازيغ الذين يدعون إلى التركيز على البعد الأمازيغي في الدفاع عن قضية الصحراء، واعتماده خطابا للتأكيد على مغربيتها، يمارسون من حيث لا يشعرون، نوعا من التشكيك في هذا الإجماع الحاصل حولها. إنهم يقولون، بطريقة من الطرق، إن في عدم الإشارة إلى أمازيغية الصحراء، ما يفيد أنها ليست مغربية، فما دام المغرب، من وجهة نظرهم، أمازيغيا، فإن الخطاب الذي يجب أن يسود في الحديث عن الصحراء هو أنها أرض أمازيغية، وكل قول، بالنسبة لهم، غير ذلك، لا يحقق المراد الذي هو الدفاع الجيد عن مغربية الصحراء ويؤكدها.

إذا كان هذا الطرح موجها للمغاربة أصلا فإنه لن يجد التجاوب المطلوب من طرفهم في أغلبيتهم المطلقة، فهوية الشعب المغربي كما حددها دستور 2011، وتوافق عليها المغاربة هي هوية: ((عربية – إسلامية، وأمازيغية، وصحراوية حسانية، وغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية((. فهذا هو المغرب، ولا يمكنه التصرف، في أي خطوة يُقدم عليها، إلا في سياق هويته كما هي محددة دستوريا.

الدفاع عن أي شبر من أرض المغرب يعتمده المغاربة انطلاقا من كونهم مغاربة، والأرض التي يدافعون عنها مغربية. خيمة الوطن، كما نسجها وشيدها المغاربة عبر التاريخ، وحددها دستورهم، هي التي تُؤويهم وتجمعهم، بعيدا عن أي انتماء عرقي ضيق، وتحت كنفها يخوضون نضالهم الوطني، دفاعا عن مغربية الصحراء، ولاسترجاع ما تبقى من الأراضي التي لا تزال مستعمرة. فلا يمكن للمغاربة التقلب والتحول في هويتهم الوطنية والتفريط فيها بحجة الدفاع عن مغربية الصحراء. هوية البلد لا تتغير لاعتبارات تكتيكية، الهوية محل فخر واعتزاز، ويتم التشبث بها بإصرار، ومن المستحيل استبدالها تحت ظرف طارئ، مهما كانت نوعية هذا الظرف وإكراهاته وضغوطاته.

القول إن الصحراء أمازيغية، وليست مغربية، سينتهي بنا حتما إلى مربع أن الدفاع عنها سيصبح ماركة مسجلة باسم الأمازيغ لوحدهم، في حين أن المواطنين المنحدرين من مكونات أخرى للهوية المغربية، لن يكون لهم نفس الحظ في الدفاع عن مغربية الصحراء، لأنها ستصبح وقتها في مجال بعيد عنهم. قد يصيرون، بحكم التسمية والفعل، غير مشمولين بمهمة اعتبارها قضيتهم الأولى، لأنها سُحبت منهم وأضحت قضية أمازيغية صرفة، وبذلك سيتم ضرب الإجماع المتحقق حولها، فلن تبقى قضية مقدسة بالنسبة لكل المغاربة، ستصبح كذلك بالنسبة للأمازيغ لا غير.

الضباط والجنود الذين استشهدوا على أرض الصحراء، وأفراد قوى الأمن والقوات المساعدة الذين يواصلون عملهم بالليل والنهار من أجل استتباب الأمن في تلك الأقاليم، والمواطنون المغاربة الذين يؤدون الضرائب، ويقدمون التضحيات المالية الباهظة في شكل ضرائب من أجل تنمية الصحراء، والذين يخرجون في المسيرات المليونية هاتفين برفضهم التخلي عن أقاليمنا الصحراوية، هؤلاء ليسوا أمازيغ فقط، إنهم منحدرون من عدة أصول مغربية غير أمازيغية، إنهم هم أيضا مغاربة اللهم إلا إذا كان لدى النشطاء الأمازيغ رأي آخر.

هؤلاء المغاربة، غير الأمازيغ، كيف يليق بنا أن نسحب منهم الاعتراف بما يقدموه من تضحيات للحفاظ على مغربية الصحراء، بأن نجعلها قضية أمازيغية صرفة؟ أليس في هذا التصرف تجن على قطاع واسع من المواطنين المغاربة لم يبخلوا يوما بأي شيء للدفاع عن مغربية صحرائهم؟ أليس في ذلك جحود كبير وتنكر مطلق، من طرف النشطاء الأمازيغ الذين يدعون إلى ترويج خطاب أمازيغية الصحراء، حيال أشقائهم من مختلف مكونات الهوية الوطنية الذين استشهدوا وضحوا دفاعا عن أرض وطنهم الممتدة من طنجة إلى الكويرة؟؟ ألن نكون إزاء أنانية أمازيغية لا أنانية بعدها؟؟

سكان الأقاليم الصحراوية متمسكون بمغربيتهم، ويفخرون بها ويدافعون عنها في المحافل الدولية، لقد قاوموا كل الإغراءات التي قدمت لهم من طرف خصوم وحدتنا الترابية، لكي يتخلوا عن مغربيتهم، وتشبثوا بها بكل إصرار، فكيف يجوز أن نقول لهم اليوم، يا إخواننا الصحراويين، أنتم لستم مغاربة، إنكم أمازيغ، والصحراء ليست مغربية، ولكنها أمازيغية، أي أن حظكم فيها سيكون أقل من حظ الأمازيغ، كيف سيقبلون منا ذلك؟ ألا نكون قد ضربناهم في صميم مشاعرهم وانقلبنا عليهم بنسبة 180 درجة؟ ألا يمكن أن يؤدي ذلك إلى تقديمهم هدية لخصومنا؟؟؟ ألا نكون كأولئك الذين يخربون بيوتهم بأيديهم؟

يتصور بعض النشطاء الأمازيغ أنه يكفي المغاربة التنكر لهويتهم التاريخية، وأن يصرحوا للأمريكان وللإنجليز وللفرنسيين وللصهاينة إنهم أمازيغ، وستحل كافة مشاكل المغاربة التي لديهم مع الغرب، وعلى رأسها قضية الصحراء، وأنهم سيحصدون تعاطفا دوليا، واعترافا فوريا بمغربية الصحراء، وستنهمر علينا المساعدات من كل حدب وصوب، وسنخرج من الضائقة المالية التي تخنقنا، وسنحقق إقلاعنا التنموي، وسنصبح بين عشية وضحاها في صف الدول الصاعدة، ونمرا من النمور الآسيوية. تصوُّر من هذا القبيل ليس فقط، تصورا تبسيطيا، وسطحيا، وساذجا، إنه أكثر من ذلك، لا يرقى إلى مستوى أن يكون حتى مجالا للمناقشة.

حقائق 24

جريدة إلكترونية مغربية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى