تحقيقات

بين البنية الثقافية والبعد الإجتماعي والمقاربة الأمنية مسارات الشذوذ الجنسي بأكادير

حقائق24

تحقيق 

لا يمكن للباحث في مسارات ظاهرة الشذوذ الجنسي بأكادير إلا أن يسطر بخط عريض على نجاعة المقاربة الأمنية لهذه الظاهرة على مستواها الظاهر والمنظم على الأقل، إلا أن ثمة مناطق مظلمة أخرى لا شك أنها ما تزال تحتاج إلى إنارة قوية تكشف الغطاء عن المستور.

حقائق مغربية تحاول أن تتبع مسارات هذه الظاهرة، من خلال بنيتها الثقافية وبعدها الاجتماعي مرورا بطبيعة الحال على المقاربة الأامنية لهذه الظاهرة.

 

 

الشذوذ والمثلية واللواط

 

إذا ما تصفحنا القاموس العربي بحثا عن مفهوم كلمة “شذوذ جنسي” لغة أو اصطلاحا فإننا لن نجد ما يطفئ ظمأنا في هذا الموضوع، وحسب لسان العرب، فكلمة “شذوذ” تعني شَذَّ عنه يَشِذُّ ويَشُذُّ شذوذاً: أي انفرد عن الجمهور وندر، فهو شاذ وشَذَّ الشَّيءُ يَشِذُّ شَذّاً وشُذوذاً: ندر عن جمهوره؛ وفي حديث قتادة: ..ثم أَتبع شُذَّانَ القوم صَخْراً مَنْضُوداً أَي من شذ منهم وخرج عن جماعته.

ومن المعروف أن ما هو شاذ يعني كل ما هو استثنائي، إذ يجوز القول مثلا: “حالة شاذة” أي أنها حالة استثنائية، والشاذ هو كل ما خرج عن المألوف والمتداول بين الناس، وهو كل ما خالف المعمول به مما اتفق عليه جموع القوم. وإذا ما بحثنا عن مفهوم كلمة “المثلية” أو “المثلي” بين شروحات المعجم العربي فلا نكاد نجد البتة مفهوما لهذه الكلمة، ربما لأنها وليدة العصر ولأنه مصطلح لم يكن ليعرف قبل الوقت القريب، بيد أنه لصيق بظاهرة المثلية التي أصبح يفصح عنها في الوقت الحالي لتخرج من زاوية المسكوت عنه، وعليه، فمن الطبيعي ألا نجد شرحا واضحا أو مفهوما لكلمتي “شاذ” و”مثلي” في القاموس العربي أو معجم اللغة أو لسان العرب أو غيرها من الكتب الخاصة بشرح وتفسير مصطلحات لغة الضاد.

ويبدو أن قوم لوط هم أول خلق كانوا يقومون بالشذوذ الجنسي ولم يسبقهم أحد إلى فعل ذلك من قبل مصداقا لقوله تعالى:” ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين . إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون”، وعلى هذا الأساس تمت تسمية الشواذ باللواطيين.

تجربة من قلب ساحة الأمل

 

تعتبر ساحة الامل المكان المفضل للشواذ، ربما لرحابتها أو ربما لأشياء أخرى، هناك التقينا حكيم، الذي اتخذ له اسم ” حكيمة”، وهو شاب أسمر اللون نحيف الجسم ومتوسط القد، من مواليد الدار البيضاء المقيم حاليا بمدينة أكادير، حيث يحكي عن تجربته الشخصية في صراحة جادة وأنوثة مفرطة تكاد الأنثى نفسها لا تتمتع بها ولا يمكن القول عليها إلا أنها أنوثة مقززة وتدعو للاشمئزاز: “لن أقول أنني تعرضت لاغتصاب أو ما شابه في الطفولة، إلا أنني أول ما فتحت عيناي ووعيت على الدنيا وجدت نفسي شاذا، وأنا لا أحب كلمة شاذ هذه، بل أفضل أن أقول أنني أمارس حقي الطبيعي كإنسان له احتياجاته الخاصة وتستدعي الضرورة أن ألبيها، وللإشارة فأنا أستطيع أن أقدم للرجل اللذة التي ينشدها أكثر مما تستطيع المرأة أن تقدمه له، فأنا أعلم جيدا نقاط الضعف في جسم الرجل وكيف أتعامل معها.. ، لا يهمني ما يقوله الآخرون عني، كل ما يهمني هو أن أكون نفسي ماديا ومعنويا وأن أعيش باقي عمري في أوروبا، كما أنني لا أحبذ فكرة جنس الرصيف أو الجنس الرخيص، لأنني ملتزم بعلاقة مع حبيبي الذي أتمنى أن يجمعنا سقف واحد أنا وهو ذات يوم” !

 

كم من فقيه….

سبق للعلامة والفقيه والفيلسوف الشهير ابن رشد أن اعترف في أحد مؤلفاته أنه ” كم من فقيه كان الفقه سببا في قلة ورعه”، والسبب في تذكرنا في هذا المقام لهذا المقال، ما نلاحظه من تطابق بين ما قاله ابن رشد وبين بعض الممارسات التي ما تزال تعشش بين ظهرانينا وفي أماكن لها حرمتها كالمساجد والمدارس العتيقة التي تزخر بها منطقة سوس.

حيث يعتبر أمر شيوع الشذوذ الجنسي ببعض المدارس العتيقة بسوس من بين المسلمات التي أضحت معلومة لدى العادي والبادي، على اعتبار النظام الداخلي لهذه المؤسسات، وهو نظام يرتكز أساسا على فرض حصار شديد على طلبة العلم الذين يكونون من الذكور حصرا، بل منحدرين من مناطق مختلفة. وهي عوامل أدت إلى تفريغ ذلك الكبت الجنسي المعتمل بدواخلهم بين بعضهم البعض تارة، وتارة أخرى لإرضاء بعض المسؤولين على تلك المدارس أو الطلبة القدماء.

 

 

شواذ أوربا بمحاكم أكادير

أدت الحملات الأمنية المتتالية إلى إدراج أسماء العشرات من الأجانب الأوربيين الذين تورطوا، داخل الدائرة الترابية لاستئنافية أكادير في جرائم مختلفة تتعلق جلها بالاغتصاب وهتك أعراض القاصرين، ونشر أو امتلاك صور خليعة للفتيات والنساء والأطفال القاصرين.

حيث تم ضبط هؤلاء في حالة تلبس، إما داخل الشقق المفروشة أو المقطورات السياحية (كارافان) أو بالفنادق السياحية، منهم من تمت إدانته أو تبرئته، بل منهم من تم طرده من المغرب أو السماح له بمغادرة التراب الوطني رغم تورطه. واتسمت السنوات الأخيرة بتزايد ملفات الشذوذ الجنسي الذي كان أبطاله من الأجانب بشكل لم يسبق له مثيل.

وفي هذا الإطار، تمت محاكمة عشرات من السياح الأجانب المجرمين بمحاكم أكادير رفقة ضحايا أطفال مغاربة، كان أبرز أبطالها الصحافي البلجيكي «فيليب السرفاتي» و«كروفست كريستوف جون» ذو الجنسية الأيرلنديةو«مينيك رولف» و«هانس بتير نييس» و«هينين فريدهيلم» ذوو الجنسية الألمانية و«اطسون كنيت»بريطاني الجنسية.

 

لغة شواذ أكادير

من بين الملاحظات التي لا شك ستثير انتباه المار بجوار مجمع للشواذ بشارع الحسن الثاني باكادير أو على الكورنيش، استعمال هؤلاء الشواذ للغة مشفرة لا يفهمها غيرهم، كاستعمال مصطلحات من قبيل “الحلالة” و” الحتيتة و”اللوبية” “، وبما أن العلاقة الشاذة بين الذكرين هي فاعل ومفعول به فإن الحلالة تعني المفعول به عامة والحتيتة تعني أيضا المفعول بهالوسيم أما اللوبية فتعني المفعول به الجميل جدا الذي يتقن التغنج والدلال والرقص والميوعة مما قد لا تتقنه الأنثى الطبيعية.

أما “الفدري” عادة هو الفاعل والذي بمرور الوقت وبكثرة الممارسات الجنسية يتحول تدريجيا إلى مفعول به، وإذا كان في مراحله الأولى من الممارسة فإنه يدعى ب “الحرش”.

أما مصطلح “جراهام”: فهو كلمة مشفرة تقال عندما يلتقي أحد الشواذ بشاذ مثله بينهما علاقة جنسية ويحضر اللقاء غريب عنهما، أي إنسان طبيعي، فيقوم الشاذ بإلقاء التحية على عشيقه بقوله “جراهام” أي انه ليس بينه وبين  الغريب أية علاقة جنسية حتى لا يعتقد عشيق الشاذ أنه يخونه.

فيما يستعمل الرقم 489 ككود متداول بينهم على أساس أن المشرع المغربي أورد الفصل المتعلق بتجريم الشذوذ في باب انتهاك الآداب في الفرع السادس من القانون الجنائي في مادته 489 ومضمونه “يعاقب من ستة أشهر إلى ثلاثة سنوات وغرامة من 200 إلى 1000درهم مغربي من ارتكب فعلا من أفعال الشذوذ الجنسي مع شخص من جنسه…”.

وعليه فإن هذا الرقم يساعد على تعارفهم مع بعضهم البعض، كأن يقول أحدهم لآخر لا يعرفه:” مرحبا…489 ” فإذا رد الآخر بنفس الكود يعني انه شاذ مثله، وإذا لم يفهم دلالة الرقم فهو ليس شاذا.

 

الشذوذ في القانون المغربي

يجرم القانون الجنائي المغربي ظاهرة الشذوذ الجنسي، ويعرفها بأنها كل ممارسة جنسية بين شخصيتين من جنس واحد، بمعنى بين رجل ورجل” اللواط” أو بين امرأة وامرأة ” السحاق”.

حيث ينص الفصل 489 من القانون الجنائي المغربي على العقاب “بالحبس من ستة أشهر الى ثلاث سنوات وغرامة مالية من 200 الى 1000 درهم (من 24 الى 122 دولارا) لمن ارتكب فعلا من افعال الشذوذ الجنسي مع شخص من جنسه ما لم يكن فعله جريمة أشد.”

وبالتالي فإن جريمة الشذوذ الجنسي حسب المشرع المغربي فيها طرفان وكلاهما يعاقبان باعتبارهما مجرمين سواء الفاعل أو المفعول به بالنسبة للواط أو المتفاعلتان بالنسبة للسحاق.

 

مقاربة سيكولوجية

 

يعتبر العديد من الأخصائيين النفسانيين مسالة الشذوذ الجنسي مسألة تستوجب الوقاية قبل العلاج، شأنها في ذلك شأن بقية الاضطرابات والأمراض النفسية والعقلية والانحرافات. ومن أولى خطوات الوقاية الوعي بمسألة الشذوذ الجنسي وإشاعة الثقافة الجنسية السليمة بما يوافق مرحلة النمو للطفل داخل البيت وفي المدرسة وفي وسائل الإعلام المعتنية بأمور تربية النشء.

أما العلاج النفسي فيقتضي السعي لاستكشاف مواطن الخلل في النمو النفسي والوجداني، وتفريغ الشحنات الانفعالية المكبوتة المترتبة عن الصدمات أو الخبرات الوجدانية والجنسية التي عانى منها الفرد في صباه، وتصحيح الاتجاهات أو المواقف السلبية التي ترسبت في أعماقه قبل أن يتلمس الطريق نحو عادات وجدانية سليمة وخبرات جنسية جديدة.

حقائق 24

جريدة إلكترونية مغربية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى