جهويات

تافراوت إقليم تيزنيت: وجهة مغربية لمحبي الهدوء والمناظر الطبيعية والأكلات الصحية

tafrawtll

إذا كانت نفسك تشتهي كأس شاي منعنع مع اللوز، أو خبز شعير بزيت الأركان،الوجهة حتما ستكون مدينة تافراوت المغربية. إذا كنت تبحث عن الطبيعةوالهدوء التام فإن قرى تافراوت كفيلة بتوفير ذلك. تقع تافراوت على أطراف جبال الأطلس الصغير، وحسب الباحثين فهذه المدينة الهادئة والوديعة، تعنيبالعربية، شعبة المياه التي تمرر الماء نحو الضفاف الأخرى أو المنخفض الذيتتجمع فيه المياه. تقع تافراوت على بعد 170 كيلومترا جنوب مدينة أكادير.ويعيش فيها عدد من القبائل الأمازيغية (البربرية)، أكبرها قبيلة أملنالموزعة بين 33 قرية وتاسريرت وأمانوز…

يقول الباحثون في التاريخ إن تافراوت وجدت قبل التاريخ وما زالت إلى الآن آثار الإنسان البدائي في منطقة تازكا المعروفة بنحوت صخرية أشهرها رسم الغزالة. وكانت آخر مدينة يدخلها الفرنسيون عام 1934 لسببين، أولهما مقاومة سكانها،ثم صعوبة مسالكها ووعورة الجبال المحيطة بها. للاستمتاع بتافراوت ونواحيها تقترح الجهات السياحية جولات عبر سيارات رباعية الدفع أو على متن الدراجات الهوائية، وهناك من السياح من يفضل ركوب الدواب ليعيشوا أجواء القرويين،ورغم أن المنطقة تعاني موجات الجفاف بين الفينة والأخرى، فإن واحة أيتمنصور التي تبعد نصف ساعة بالسيارة عن تافراوت تعتبر بمثابة معجزة إلهية،فخرير المياه وصدى الوديان لا ينقطعان طوال السنة، رغم أن مناطق أخرىبجوارها تعاني وطأة الجفاف.

لباس شبه موحد

ما إن تصل تافراوت حتىيلفت نظرك طريقة لباس السكان، واللغة التي يتحدثون بها. في تافراوت لاحديث إلا بالأمازيغية، ونادرا ما يتحدث الناس العربية، ويستغل الكثير منأبناء المنطقة العطلة الصيفية لاصطحاب أبنائهم لقرى تافراوت، لأنهميعتبرونها فرصة لا تعوض لتحسين اللغة الأمازيغية لدى أبنائهم.

اللباسفي تافراوت يكاد يكون موحدا، النساء تلزمهن التقاليد والأعراف على ارتداءما يسمى «تاملحافت» وهو لباس من قطعة واحدة طولها قرابة خمسة أمتار بلونأسود أو أزرق داكن بينما الأبيض ترتديه العروس أو بنات فرق رقصة «أحواش». «تاملحافت» تغطي بها النسوة سائر جسدهن ويتيح للمرأة إخراج رأسها ويديها منخلال فتحات، وتزينه المرأة بحلي من الفضة تسمى «تخلالت» و«اللوبان»، ويكونعلى المرأة دائما أن تخفي وجهها أمام الغرباء عبر وضعية ما يسمى «بأغنبور»، ولكي يميز الرجل الأمازيغي بين المتزوجة والعزباء جرت العادة أنتضع النساء المتزوجات قطعة ثوب أسود وأحمر على رؤوسهن تدعى «تماساست»أو«تاشدادت» علامة على أنهن في عصمة رجل، بينما العزباء ترتدي «تاملحافت» من دون وضع «تاشدادت». الأحذية في قرى تافراوت متنوعة ومتعددة الألوان والأشكال. جرت العادة أن الأصفر للرجال والأحمر للنساء. حذاء المرأة يسمى «تانشبالت» ترتديه المرأة والفتاة، بينما الـ«تاريحيت» ترتديها العروس أما «تاكنيديفت» في المناسبات والأعياد.

رجال تافراوت بدورهم يرتدون لباسا يطلق عليه «الفوقية» أو «تادراعت» وهي موجودة بمختلف الألوان، ويعتبر عدم ارتداء هذا اللباس بالنسبة للرجل خصوصا في قرى تافراوتنوعا من التكبر، وغالبا ما ينظر إلى من لا يرتدي «الفوقية» نظرة دونية. وينتعل الرجال أحذية تسمى «الرقاب» أو «أدوكو» وهو غالبا ما يكون باللونالأصفر، لكن أبناء المهاجرين من الجيل الثالث والرابع أصبحوا يفضلون ألوانا وأشكالا لم تكن في السابق.

عادات راسخة

تشهد تافراوت وقراها طوال فصل الصيف وأوائل الخريف تنظيم مواسم ومهرجانات منها ما هو ديني ومنهاما يدخل في إطار العادات والتقاليد، ويبلغ عدد أهم تلك المواسم أكثر من 18موسما، ناهيك عن المواسم الأخرى التي تنظم في كل قرية وقبيلة. لا يمر يوممن دون أن ينظم ما يسمى بـ«المعروف» أو «الموكار» أو«السلوكت» وهي كلهاأشكال من الاحتفالات تذبح فيها الذبائح ويتم إطعام فقراء المنطقة والزواروعابري سبيل.

التافراوتيون محافظون بالسليقة، لكنلا تزال عادات قديمة سائدة بين الشباب من بينها ما يسمى «بالسقير»، أوالمواعدة من أجل الزواج. جرت العادة أن يواعد الشباب التافراوتي شابات منالقرية أو القبيلة، ورغم أنه قد يبدو أن الآباء متساهلون في هذه المسألة،إلا أنهم وضعوا لها قيودا تؤطر هذه العلاقة، فمثلا في قرية «أيت داود» بقبيلة أمانوز يمكن للفتى أن يواعد فتاة من أجل التعرف عليها والزواج بها،لكن لا يمكن فعل ذلك في أي مكان من القرية، السكان خصصت منطقة تسمى «كر ورتان» ومعناها بين الحقول، حيث لا يمكن أن تواعد حبيبتك خارج هذهالمنطقة.

الأكلات الصحية

الطبخ الأمازيغي متنوع ويعتمد في عناصرهعلى مكونات صحية، ولا يمكن أن تجد هذا النوع من المطبخ في أي منطقة أخرىسوى في تافراوت، وأشهر هذه الوصفات «بركوكس» ويصنع من دقيق الشعير والسمنوعجينة «أملو». هناك أيضا «الكسكس بأوساي» وأوساي هو الجزء العلوي الأخضرمن اللفت يتم تقطيعه ويطبخ مع اللفت مع زيت الزيتون. و«البسيس»، يحمص دقيقالشعير ويضاف إليه القليل من الملح والسمن ويقدم مع الشاي وهو بمثابة الكعكيتم تقديمه للضيوف. و«أدخس» وهو حليب رائب يحلب من البقرة التي تلد لتوهاليتم غليه وتبريده ثم تضاف إليه بعض الأعشاب وزيت «الأركان». و«تاكولا» وهيعصيدة من الذرة أو الشعير. والطجين بلحم الماعز أو باللحم الغنمي المملح المقدد، غالبا ما يقدم للضيوف. و«ويل» أو بلح البحر تضاف إليه الطماطم وزيت الأركان يقدم في وجبة الغداء، «إدرنان» رغيف يصنع من دقيق القمح والزبدةوالملح يقدم في الإفطار وبعد الظهيرة، و«إقديرغا» تقدم في وجبة الإفطار وهيعبارة عن زبدة بالأعشاب ودقيق الشعير يضاف إليها البيض والماء. وتقدم معظمهذه الوجبات مع الخبز الأمازيغي ويسمى «بأغروم نتفارنوت» أو «تالخصاصت». ويمكنك أن تجد هذه الوجبات الشهية في بعض المطاعم الموجودة بتافراوت وبعضهايطبخ تحت الطلب.

بلاد أركان وشجر اللوز المزهر

تمتاز تافراوت ورغم جوها الحاروالجاف بغابات ونباتات تميزها عن باقي مناطق المغرب. في مناطق تافراوتيمكنك أن تشاهد أشجار النخيل تجاور حقول الشعير وأشجار الأركان واللوزوالخروب وشجرة الزيتون.

قليلون من سمعوا بشجرالأركان الذي تتميز به المنطقة، وهي شجرة صنفتها منظمة اليونيسكو سنة 1999تراثا طبيعيا عالميا، فشجرة الأركان يحترمها كثيرا الأمازيغ ويعتبرونهارأسمالهم الذي لا يعوض بأي ثمن، وحسب الخبراء فشجرة «الأركان» لا توجد إلافي المغرب وبالأخص في مناطقه الجنوبية، ومنذ أن علم الأوروبيون والأميركيونبفوائدها الصحية ارتفعت أسعار زيت «الأركان».

تقولتبا ييجو وهي عجوز تبيع «الأركان» في سوق تافراوت، إن «هذا الزيت يستحقأكثر»، وتضيف «نشقى كثيرا لإعداد لتر واحد من (الأركان)، فمسيرة تحضيرهتنطلق من قطف ثماره القليلة التي تنتجها كل شجرة في السنة، ومن عادةالأمازيغ أن النساء هن اللواتي يخرجن للغابات بعد أذان الفجر لجني ثمارالأركان، والعودة قبل الظهيرة لاتقاء حرارة جبال الأطلس التي تتجاوز 45درجة». وتضيف تبا ييجو «عند جني الثمار يجب أن نكون حذرات من عضات العقاربوالحشرات السامة الأخرى المنتشرة بين أغصان الأشجار، بعد ذلك نفرغ أزكا (سلة خاصة بالنساء مصنوعة من القش تستعملها المرأة في جني الثمار أو حتى للتبضع في السوق) ثم نقوم بوضع ثمار (الأركان) تحت الشمس في منازلنا حتىتجف قشوره، وتجتمع النسوة لكسر قشرته الداخلية الصلبة، ثم يحمص في الفرن التقليدي، ويطحن في الرحى أو ما يسمى بـ(أزرك) بعدها يعصر وتتم تصفيتهووضعه في إناء خاص بعد يوم كامل من التعب والإجهاد». زيت «الأركان» يستعملهالأمازيغ كزيت للمائدة لأن له فوائد غذائية كبيرة، يطبخون به وجباتهم،ويتناولونه مع الخبز والشاي وأيضا لزينة المرأة، أما الغربيون فيستعملونه كزيت تجميل لاحتوائه على فيتامين ألف وأيضا في تجميل البشرة والشعر، ومعروفعنه أنه مضاد لتساقط الشعر وجفاف البشرة.

إذا ذكرت اللوز في تافراوت فهذا يعني أنك تريده لأمرين اثنين لا ثالث لهما، إمالتناوله مقليا مع كأس الشاي في «أوزوييت» أي في الوجبات الخفيفة، أو أنكتريده لتجعل منه عجينة «أملو» الشهيرة.

مدينة محاطة بالجبال

تافراوت هيأجمل منطقة طبيعية في المغرب، فهي توجد على علو 1200 متر تقريبا وسط منطقةتتكون من أحجار الغرانيت الوردي وهي تشكل بذلك أروع المناظر الطبيعية وخصوصا منظر غروب الشمس.

تحيط بالمدينة سلسة منالجبال ذات لون وردي وتشرف عليها الجبال من جميع جهاتها الأربع، والتيتكونت بفعل عوامل التعرية، أشكالها تظل غريبة وعجيبة، وتمتاز تافراوتبسياحتها الجبلية، إذ يأتي إليها عشرات السياح حيث يتسلقون جبالها المتنوعة.

الجبال التي تحيط بها من كل جوانبهاتمنع عنها رياح المحيط الأطلسي الناعمة، وهو ما يجعل صيفها لا يطاق بدرجة حرارة تتجاوز 45 درجة وشتاء قارس يصل أحيانا 10 درجات تحت الصفر وخصوصا فيمنطقة تاسريرت. تمتاز جبال تافراوت بأطرافها الحادة المنحوتة بعواملالتعرية التي تعطيها أشكالا خلابة وغريبة، كما هو الحال لجبل “قبعة نابوليون”، الذي يطل على دوار اكرض اوضاض وجبل “رأس الأسد” المطل على وادي أملن…

الصخور العملاقة لمنطقة أومركت كانت المكان المفضل للفنان والرسام البلجيكي جونفيرام الذي فضل عام 1984 أن يقوم بصباغة تلك الصخور العملاقة بألوان زادت المنطقة جمالية، وبادر إلى تلوين هذه الصخور هدية لشريكة حياته، وهي تعتبرمن الوجهات السياحية التي تستقطب آلاف السياح سنويا، رغم أن بعض السياحقالوا إنهم يفضلون تلك الصخور العملاقة على طبيعتها وبألوانها الأصلية الوردية. بلاد شجر اللوز المزهر هكذا يسمي الفرنسيون مدينة تافراوت وهيهكذا قولا وفعلا.

عن http://www.aawsat.com

حقائق 24

جريدة إلكترونية مغربية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى