بقلم معاد كنينس
قبل أن يتحول إلى أيقونة ثورة وإلى “بوستر” على الحيطان، قام إرنستو غيفارا دي لا سيرنا الشهير باسم «تشي جيفارا» أو «التشي»، بزيارة إلى المغرب سنة 1959، ولم يكن صاحب الدعوة شخصا آخر سوى رئيس الحكومة ساعتئذ عبد الله إبراهيم.
قبل أن يضع قدميه على أرض المغرب، خلقت هذه الدعوة الرسمية حزازات بين عبد الله إبراهيم وحزب الاستقلال الذي كان يتزعمه علال الفاسي، كما أن ولي العهد آنذاك مولاي الحسن، لم يكن ينظر بعين الرضى إلى هذه الزيارة.
يحكي عبد الله إبراهيم في مذكراته عن تفاجئه بقدوم أحد الاستقلالين بأن غيفارا وصل فعلا إلى المغرب، تحت حراسة أمنية مشددة ، بتعليمات من محمد الغزاوي، المدير العام للأمن الوطني آنذاك”. تفاجأ عبد الله إبراهيم من هذا الاستقبال الغريب لأيقونة الثورة اللاتينية، ولما استفسر الأمر، وقف على أن أن كل ما حصل ما هو إلا تنفيذ لتعليمات “سميت سيدي” ولي العهد آنذاك مولاي الحسن.
في هذا الوقت، كان غيفارا رفقة أعضاء وفد كوبي رفيع المستوى شبه “محتجزين” بفندق باليما الشهير بالرباط، الذي اقام فيه غيفارا ليومين.
«لم أغادر الفندق حتى أنجزت التدابير الخاصة بالإفراج عن غيفارا ورفاقه الأربعة من كبار موظفي الدولة الكوبية الوليدة، وكانوا يبدون بقاماتهم الفارغة ولحاهم الكثة ولباسهم الكاكي الخالي من الرتب العسكرية، كانوا يبدون بأجسام قوية حديثة العهد بحرب العصابات»، يحكي عبد الله إبراهيم في مذكراته.
بعد هذه الانفراجة، بدأت الزيارة كما خطط لها، بمباحثات رسمية في غشت 1959 في إحدى فيلات السويسي بالرباط، توجت باتفاقات غير مسبوقة بين حكوميتن وليدتين، تقضي بالاستفادة من السكر الكوبي الذي يستهلكه المغاربة بكثرة في إعداد الشاي، مقابل حصول هافانا على الفوسفاط المغربي، ذو الجودة المعروفة.
غداة هذا الاجتماع، حل غيفارا بالدار البيضاء بمقر عمالتها، لكن هذا المرة كانت صبغة اللقاء سياسية، تدخل في صلب سياسة غيفارا لتوحيد بلدان عدم الانحياز في المنطقة العربية، كمصر والجزائر.
وانتهت زيارة غيفارا للمغرب بالمرور عبر مراكش، حيث تم إصلاح أخطاء اليوم الأول، وتم الاحتفاء بضيف المغرب الكبير عبر بسط الزرابي والموسيقى الأندلسية، ويبدو أن الثائر الكوبي وقع في سحر مراكش، التي رفض أن يبرحها إلا بعد قضاء 18 يوم بين أحيائها الشعبية.