الكتابة عن السياسة – أحداثها ونوازلها – أصبحت في جلبابها التقريري التقليدي أشبه ما تكون عند المتلقي/المواطن، أقرب ما تكون، إلى أكلة عسيرة على الهضم عند شخص أخذ منه الجوع مأخذه. فالناس كما يرى البعض قد أنهكتهم قرارات الساسة واختياراتهم المجحفة، ليأتي الكتاب ليضيفوا إلى ذلك الإنهاك إنهاكا آخر عبر تصويرهم التقريري لتلك المعاناة في قوالب سردية جافة. من هنا كان بعض الشعراء ملاذا تحتمي الشعوب من معاناتها بقصائدهم الشعرية التي أصبحت متنفسا لها، خصوصاً تلك الفئة من الشعراء الذين امتطوا صهوة التهكم والسخرية منهاجا لهم في قرظ قصائدهم.
البشير الفونتي، أستاذ اللغة الإسبانية بالمعبر الحدودي “بني أنصار” المتاخم للثغر المحتل مليلية، يمكن اعتباره أحد الأقلام الشعرية السائرة في هذا النهج من الكتابة الشعرية المدثرة بلبوس من السخرية والتهكم. كيف لا وهو المتشبع بتقاليد الشعر الإسباني عبر مجاورته شبه اليومية لقصائد كبار شعراء شبه الجزيرة الإيبيرية أمثال “خوان رامون خيمينيث” و”فيديريكو غارثيا لوركا” و”خيراردو دييغو” مرورا بشاعر التهكم “رافاييل ألبرتي” و”فيثِنْتي ألكسندري” وصولا إلى “لويس ثرنودا” و”ميغيل ارنانديث”، علاوة على ولعه الشديد بقريظ شعراء عرب آخرين أمثال “مظفر النواب” و”نزار قباني” و”أحمد مطر”.
“بيان تحالف” و”بكائيات على هيكل كرسي” و”شيميكولور” هي عناوين لقصائد ثلاثة من بين قصائد أخرى لهذا الشاعر الريفي الرافض لمظاهر البؤس والعقم والمسخ التي ما انفكت تفترس ما تبقى من مساحيق التجميل الموضوعة بشكل هاو على الوجه البشع لمشهدنا السياسي المغربي.
قصيدة (بيان تحالف)
-هات يدك!
– أقسمت أن لا أصافحك!
– ذاك عهد قد مضى…
تغير الوضع و اشتبك…
لم تعد أنت شيطانا…
وما أنا الآن ملك!
– خذ إذن أصابعي…
و حضر البيان المشترك!!!
*********************
قصيدة (بكائيات على هيكل كرسي)
صدقوني!
رجاء صدقوا دمع عيوني!
بيني وبين هذا الكرسي
قصة عشق وجنون!
فبالله عليكم فوقه دعوني!
ومن “جحيمه” لا تحرموني!
***********************
قصيدة (شيميكولور)
صبغوا بألوان الورد أحلامنا
وبالأسود الفاقع طريقنا
وقبل ذلك كانوا قد ذروا
عمى ألوانهم في عيوننا،
وقبله صبغوا وجوههم
بمساحيق جلود حربائية
و زيوت ريوش الببغاوات…
ولما احتججنا ضد الوهم…
وشموا بخزيهم جلودنا
و بالأحمر القاني ظهورنا!