مجلس التربية والتكوين يقر بفشل تجربة الأكاديميات الجهوية للتربية ويراهن على جيل جديد

محمد شقور

في اطار المهام الموكلة للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بصفته مؤسسة دستورية ، أصدر هذا الأخير تقريرًا تحت عنوان “المدرسة الجديدة، تعاقد مجتمعي جديد من أجل التربية والتكوين: من الرؤية الاستراتيجية إلى الرهانات التربوية المستقبلية”، حيث اعترف بفشل هذه التجربة في تحقيق أهدافها الكبرى، داعيًا إلى إصلاح شامل ومستعجل لهذه البنيات الإدارية.

رغم إقرار المجلس بالدور الهام الذي لعبته الأكاديميات في تنفيذ السياسات التربوية على المستوى الجهوي والإقليمي، إلا أن التقرير اعتبر أن هذه التجربة لم ترقَ إلى مستوى الطموح الذي حدده الميثاق الوطني للتربية والتكوين سنة1999 خاصة الدعامة الخامسة عشر منه والرؤية الاستراتيجية 2015-2030 . فقد كان يُراد لهذه الأكاديميات أن تكون بمثابة “وزارات جهوية” للتربية والتكوين، إلا أنها ظلت مكبلة بقيود الإدارة المركزية، ما جعلها عاجزة عن تحقيق الاستقلالية الفعلية التي نص عليها القانون 07.00، والذي منحها صفة مؤسسات عمومية ذات شخصية معنوية واستقلال مالي.

شخّص التقرير أسباب تعثر تجربة الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين في ثلاث نقط رئيسية:

قانون محدود الصلاحيات

اعتبر التقرير أن القانون 07.00 لم يُترجم بشكل كافٍ التوصيات الطموحة للميثاق الوطني لسنة 1999، حيث ظل فضفاضًا، مما أتاح استمرار المقاربات المركزية التي تُقيّد عمل الأكاديميات وتحدّ من استقلاليتها. كما أن تنزيل هذا القانون شابته العجلة وغياب التخطيط المسبق، مع نقص في الموارد البشرية والمادية، مما جعل هذه البنية التنظيمية هشة منذ البداية.

بيروقراطية جديدة

رغم أن الهدف الأساسي من إحداث الأكاديميات كان ترسيخ اللامركزية واللاتمركز في التدبير التربوي، إلا أن التقرير أشار إلى أن ما حدث فعليًا هو نشوء بيروقراطية جهوية جديدة لم تكرّس استقلالية القرار التربوي، بل عمّقت التبعية للمركز. فقد ظل توزيع الصلاحيات بين الأكاديميات والمديريات الإقليمية والمؤسسات التعليمية غير واضح، ما أضعف قدرتها على اتخاذ قرارات محلية ناجعة.

إقصاء التكوين المهني قبل البكالوريا

سجّل التقرير أن استثناء الأكاديميات من مسؤولية التكوين المهني قبل البكالوريا أدى إلى تفكك منظومة التربية والتكوين، ما أعاق التنسيق بين التعليم العام والتكوين المهني، رغم أن هذا التوجه كان أحد المبادئ الأساسية التي نص عليها الميثاق الوطني.

أمام هذه الاختلالات، دعا المجلس الأعلى للتربية والتكوين إلى إحداث جيل جديد من الأكاديميات الجهوية، يتماشى مع مفهوم “المدرسة الجديدة”، ويرتكز على عدة إصلاحات هيكلية، أبرزها:

– تعزيز الاستقلالية الفعلية للأكاديميات ضمن إطار تعاقدي، مع وضع آليات واضحة للتتبع والتقييم وقياس الأداء بشكل دوري.

– نقل الصلاحيات اللازمة لتسيير مرافق التربية والتكوين، وتمكين الأكاديميات من الوسائل الضرورية لضمان تدبير فعال.

– إعادة هيكلة بنيات التدبير الجهوي والمحلي وفق مبادئ التفريع والتكامل والتناسق في المهام، مع ترشيد الموارد البشرية والمادية.

– توفير موارد بشرية ذات كفاءة عالية في التدبير الاستراتيجي، على غرار مديري المؤسسات الكبرى، لضمان قيادة فعالة للإصلاح.

تراهن الوثيقة التربوية على أن هذه الإصلاحات ستكون حاسمة في إعادة هيكلة منظومة التربية والتكوين بالمغرب، وربط المدرسة بمحيطها الجهوي والاقتصادي والاجتماعي. لكن يبقى نجاحها مرهونًا بمدى توفر الإرادة السياسية، وتفعيل آليات التنفيذ والتقييم المستمر، وتعبئة كافة الفاعلين لإنجاح التحول المنشود.

ويبقى السؤال مفتوحًا: هل سيحقق هذا الإصلاح نقلة نوعية في تدبير التعليم بالمغرب، أم سيبقى مجرد حلقة أخرى في مسلسل الإصلاحات غير المكتملة؟

أترك تعليقا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *