حقائق24- متابعة
محمد الراجي
مع اقتراب موسم الحجّ طفا مجدّدا النقاش حول مشروعية استفادة أشخاص يشتغلون في مناصب مختلفة في الدولة من أداء مناسك الحجّ من المال العامّ، وانقسمت الآراء في مواقع التواصل الاجتماعي بين من ناقش الموضوع من زاويةٍ دينية، وبين من تناوله من زاوية حماية المال العام، لكنّ أغلب الآراء صبّت في اتجاه ضرورة القطع مع هذه “العادة”.
وصبّ عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي غضبهم على المسؤولين المستفيدين من أداء مناسك الحج من المال العام. يقول أبو نبيل تعليقا على الموضوع: “المنعَم عليهم ليسوا فقراء معدمين حتى يحصلوا على مثل هذه (الهبات) التي كان من الأجدر أن توجَّهَ أموالها لخدمة برنامج تنموي في إحدى المناطق الفقيرة أصلا وما أكثرها”.
محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحمالة المال العام، قال، في تصريح لهسبريس، إنّ تمكين المسؤولين العموميين من أداء فريضة الحجّ بأموال مستخرجة من خزينة الدولة “تبديد مقنّع للمال العام، وَوَجْه من أوجه الريع السياسي”، مضيفا أنّ على هؤلاء أن يؤدّوا مصاريف الحجّ من مالهم الخاص، ما دام أنّهم قادرون على ذلك، وليس من المال العام.
الباحث المغربي عبد الرحيم العلام دبّج تدوينة في صفحته على “فيسبوك” بعنوان “حج بيت الله الحرام من الأموال الحرام”، قال فيها إنّ على الذي يريد أن يحج إلى البيت الحرام أن يتحمل نفقات عبادته، وأن يرفض الريع الديني الذي دأبت (الدولة) على منحه لبعض (المنعم) عليهم”.
وأضاف العلام: “على الذي يتقدم بطلب الحج على نفقة وزارته أو إدارته أن يعلم بأن المال المخصص له هو مشترك بينه وبين عامل البناء والمياوم والفلاح والتاجر والحارس الليلي وطالْب معاشو.. وأنه إذا كانت الدولة تُمكّن بعض الموظفين من ريع ديني، فإن الملايين من المغاربة محرومون من نفس الحق”.
وبرزَ موضوعُ استفادة البرلمانيين من تأشيرات الحجّ بشكل أكبر هذه السنة، بعدَ ورودِ استفادة 40 نائبا من الفريق النيابي لحزب العدالة والتنمية، المتزعم للتحالف الحكومي، من هذه التأشيرات، وهو ما دفع بالفريق النيابي لحزب “المصباح” إلى إصدار بلاغ يوضّح فيه حيثيات الموضوع.
وجاء في البلاغ: “جرت العادة منذ سنوات أن يتم تمكين عدد من المؤسسات الرسمية بالمغرب، ومنها مجلس النواب، من تأشيرات الحج”، وأكّد الفريق النيابي في بيانه أنّه “يرفض كلّ أشكال الدعم المالي المقدم من المال العام لأداء هذه الفريضة، سواء من ميزانية مجلس النواب أو غيره، وأن الاستفادة مقصورة على التأشيرة فقط دون غيرها”.
لكنَّ عددا من “الفيسبوكيين” اعتبروا أنَّ حزب العدالة والتنمية، ذي “المرجعية الإسلامية”، يجب أن يكون قدوة، وأنْ يضع المسؤولون المنتمون إليه أنفسهم تحتَ سقْف المساواة مع باقي المغاربة، وأنْ يمتثل الجميع لقانون “القرعة”، التي تجريها مصالح وزارة الأوقاف.
تقول فتيحة: “حتى هذه التأشيرات لا يجب أن يتمكن منها لا حزبهم (العدالة والتنمية) ولا الأحزاب الأخرى في البرلمان، لأن هذا في حد ذاته ريع.. لننظر إلى شيوخ وعجزة هذا الوطن كم مرة يتقدمون بملفاتهم للقرعة؟ ثلاث وأربع مرات بل أكثر، ولا تنتقيهم قرعة الحج بحجة أن العدد محدود، لهذا فعلى هؤلاء كذلك الخضوع لقانون القرعة مثل كل المواطنين”.
في السياق نفسه، قال رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العامّ إنّ الحكامة تقتضي أنْ يخضعَ المسؤولون الذين يستفيدون من أداء مناسك الحجّ “بطرق رسمية”، للمساطر نفسها التي يخضع لها جميع المغاربة، بما في ذلك الاستفادة من التأشيرات، موضحا أنّ إعفاء البرلمانيين من الخضوع للقرعة وتمكينهم من تأشيرات الحج مباشرة “يعتبر نوعا من الامتياز غير المشروع، ويخرق قواعد الدستور الذي ينص على المساواة بين المواطنين”.
ويبقى السؤال المثير للجدل هو لماذا تقوم الدولة بالتكفّل بمصاريف مسؤولينَ شريحةٌ واسعة منهم تتمتع بوضعية اجتماعية معتبَرة تجعلها في غنى عن الاستفادة من “ريع الحجّ”؟ جوابا على هذا السؤال، يقول محمد الغلوسي إنّه على مرّ تاريخ المغرب، تتعامل الدولة مع النخب بنوع من “الإغراء والامتيازات غير الحصرية”.
وأضاف الغلوسي أن الهدف من هذه الممارسة “هو شراء صمت النخب، وإدماجها في مسلسل ضمان ولائها وسكوتها وقبولها بالواقع القائم، وألا تتولد لدينا ممارسة سياسية سليمة قائمة على التنافس والصراع، وعلى قواعد لعبة واضحة”.
عن هيسبريس