حوارات

ولد حرمة: على العرب أن يستعدوا لقمة قادمة في إحدى عواصمهم الحزينة !

الدكتور عبد السلام ولد حرمة، قيادي بارز من القيادات السياسية الحالية بجمهورية موريتانيا الشقيقة. حين يتحدث الرجل فأعلم، علم اليقين، أنه لا يطلق الكلام على عواهنه. إصرار على الإلمام بأدق المعطيات بما فيها الجزئيات، تحليل عقلاني للواقع، استشراف متبصر للمستقبل وتؤدة واتزان في صياغة الأفكار وبلورة المواقف، ذلكم هو رئيس حزب الصواب الموريتاني.

جريدة “حقائـــق 24“، واستمرارا لمواكبتها الإعلامية لحدث القمة العربية السابعة والعشرين بالعاصمة الموريتانية انواكشوط، اتصلت بالقيادي السياسي الموريتاني وأجرت معه الحوار التالي:

 

أجرى الحوار: عبد الله الفرياضي

 

طبع الجفاء العلاقات بين المغرب وموريتانيا لما يزيد عن الخمس سنوات، كيف تنظرون إلى مستقبل هذه العلاقات على ضوء قمة نواكشوط العربية؟

 

فعلا هناك حديث متزايد عن خشونة في العلاقات بين المغرب وموريتانيا منذ سنوات، والجهات التي تتحدث عن هذه الخشونة تعتمد على مجموعة من القرائن من اهمها تجنب الرئيس الموريتاني زيارة المملكة المغربية التي تقررت أكثر من مرة، ووضعت ترتيباتها الأخيرة، لكنها الغيت في النهاية، رغم أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز قام بزيارات متكررة ـ تجاوزت أحيانا أربع مرات ـ لجيران موريتانيا المباشرين (الجزائر، السنغال، مالي…).

يضاف إلى هذا إحجام الحكومة الموريتانية عن تعيين سفير في الرباط منذ مدة طويلة. يقابل هذا في الجانب المغربي احتضان ورعاية نشاط سياسي وإعلامي كثيف ومتواتر وإقامة معلنة لشخصيات معارضة بقوة لنظام ولد عبد العزيز. بل أصدرت موريتانيا في حق بعضها مذكرات اعتقال، إلى جانب الشائعات القوية التي ترافق هذا النوع من الأزمات وتعطيه حجما غالبا ما يفوق حجمه الصحيح، خصوصا أن الأجهزة الرسمية في البلدين قد تعودت على عدم اعتبار رأيها العام في القضايا الكبيرة التي تهمه وهذه واحدة منها. لكن الجميع يدرك أن أي نظام في البلدين لن يكون بمقدوره التأثير الفعلي على العلاقات الطبيعية بين شعبين شقيقين، كل منهما تشكل أرضه وفضاءه السكاني والاجتماعي أهم منفذ للآخر إلى العالم، ولا يوجد ما تصدق عليه مقولة (شعب واحد في بلدين) أكثر من وضعية المغرب وموريتانيا. ولا دليل أكبر على ذلك من أن العلاقات الثنائية على مستوى المبادلات والحركة التجارية والتعاون الثقافي وحتى الأمني تسير بشكل طبيعي بين البلدين اليوم، كما يبرهن حجم الوفود والزيارات المتبادلة.

 أما انعقاد القمة العربية بانواكشوط وإن كان من الجائز أن يدرج ملف العلاقات الثنائية بين الأقطار على جدولها، فأظن أن هذا الملف غير ذي بال بالنسبة لأغلب المشاركين مقارنة مع ملفات أخرى (الملف السوري، اليمني، العراقي، الليبي، الإرهاب، التطرف الديني والمذهبي…)، وينبغي أن يبقى ثنائيا وإن كان حله لا يحتمل التأخير.

 

قضية الصحراء تعتبر دوما سبب توتر هذه العلاقات، هل تعتقدون أن ثمة إمكانية لبناء علاقات إيجابية دون إثارة هذا المشكل؟

 

قضية الصحراء قضية محورية داخل الفضاء المغاربي وكل ما له به علاقة من الفضاءات العربية والإفريقية، وهي سبب الحرب العسكرية والدبلوماسية والنفسية المستمرة في شمال إفريقيا منذ أكثر من أربعة عقود، بين الجزائر والمغرب، وأدت إلى انفراط عقد الاتحاد المغاربي، وإغلاق الحدود والتأشيرات والتحرش المتبادل الذي استنزف جهود البلدين وحرمهما من استثمارها في التنمية والديمقراطية ليكونا قاطرة تقود بقية الكيان المغاربي في هذا الاتجاه. وظلت إسفينا يدق في العلاقات الثنائية بين أقطاره الخمس، ورغم ذلك لم يسبق أن طرحت بجدية على جدول أعمال أية قمة عربية.

وعكس ما يشاع، لم نر جديدا بالنسبة للنظام الرسمي الموريتاني في قضية النزاع في الصحراء، موقفه منها أعلنه منذ عام 1979، والتزم فيه الحياد قولا وفعلا بعد الإطاحة بنظام ولد هيدالة سنة 1984. فكل ما يصدر من موريتانيا يتم فيه التنصيص على الحياد. وأظن أن المغرب والجزائر ظلتا تتفهمان بقوة هذا الموقف الرسمي إلى الآن، رغم صعوبة الحياد في مجال لا يوجد فيه شكلا ولا مضمونا ما يفيد المغايرة ويتطابق من ناحية المجال والأشكال الذهنية والنفسية والوجدانية ونمط العيش وعمود النسب والسلاسل القرابية. لكن مع ذلك تأكد لكل الأنظمة الموريتانية المتعاقبة أن ملف الصحراء يعتبر الحياد فيه هو وحده الموقف الممكن والمتاح.

 

ما هي قراءتكم لدعوة محمد ولد مولود رئيس حزب اتحاد قوى التقدم الزعماء العرب لإدراج قضية الصحراء ضمن أجندة قمة انواكشوط، وهو المعروف بدعمه لأطروحة الاستقلال التي تدافع عنها البوليساريو؟

 

مضمون هذا التصريح ليس بجديد، فمن المعروف أن الساحة الموريتانية ـ شأنها في ذلك شأن كل الساحات المغاربية والعربية ـ تتداخل فيها المواقف وتتناقض حول موضوع الصحراء، وأن هناك اتجاها يدعم البوليزاريو في أطروحاتهم، ويعتبر قضية الصحراء ضمن ملف تصفية الاستعمار!! لكن هناك موقف آخر لدى تيار عريض من الموريتانيين يرفض بقوة مزيدا من التشرذم وإقامة الكيانات التي لن تضيف للمنطقة إلا مزيدا من العجز والتفكك، ويدعوا إلى اندماج مغاربي يتجاوز الحدود الحالية بدلا من إضافة حدود جديدة لها، خصوصا بعد إعلان المغرب لمشروع الحكم الذاتي الموسع في السنوات الأخيرة. وإن كان هذا المقترح قد سار تنفيذه بخطى ضعيفة أفقدته البريق الذي حصل له في أعين الكثيرين في موريتانيا وخارجه.

 

هل أنتم متفائلون بشأن المخرجات المرتقبة لهذه القمة، إذا ما علمنا أن المغرب قد اعتذر عن استضافتها سابقا بدعوى أنها غير ذات جدوى وأنها فرصة لاجترار نفس الخطابات الفارغة وفق بلاغ صادر عن وزارة الخارجية المغربية؟

 

من المعروف أن النظام الرسمي العربي يعيش وضعا كارثيا منذ قمة القاهرة سنة 1990، وازداد قتامة ليعكس وضع الأقطار العربية في الآونة الأخيرة. ومن المعروف أيضا أن القمم العربية السابقة كانت في جوانب منها كثيرة ذات بعد شكلي، ولا يوجد دليل أكثر وضوحا من أن ملفات العرب الكبيرة الداخلية القديمة المستعصية كقضية الصحراء، ونزاعات الحدود الوهمية (المفروضة والمرفوضة)، والمشاكل الشخصية بين أنظمة الحكم… لم تناقش على نحو جدي داخلها في السابق.

لكن هذا لا يعني أن انعقادها لم تكن له فوائد أخرى…، فإن كان المغرب قد ارتأى – وهو محق تماما في ذلك – أن ظروف الدول العربية الحالية لا ينتظر منها عقد قمة تواجه حجم التحديات المطروحة على العرب، وفضل الاعتذار عن استضافتها، فذلك لا يعني أن توقف انعقاد الاجتماعات الدورية للجامعة لا يشكل بدوره خسارة قومية كبيرة ولن يساهم إلا بإضافة تعقيدات جديدة أقلها انفراط عقد الجانب النفسي والوجداني الذي كان يجسده انعقاد القمم بشكل دوري. وهذا الموقف من بين أمور وحسابات أخرى ربما دفع الحكومة الموريتانية إلى قبول الاستضافة، والتحضير لها في ظرف زمني قياسي، منطلقا من افتراض وجيه: إن أضافت هذه القمة جديدا سيكون الأمر أشبه بمعجزة، وإن أخفقت في الاستجابة للحد الأدنى من مطالب العرب ـ لا قدر الله ـ فستضاف إلى ما سبقها من قمم وهو كثير، وعلى العرب أن يستعدوا لقمة قادمة في إحدى عواصمهم الحزينة.

 

حقائق 24

جريدة إلكترونية مغربية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى