موقع تركي يهين القصر ويسرد كيف تم التخلص من بنكيران حتى لا يتحول إلى أردوغان المغرب

بعْد تعجيز ممنهج دام 5 أشهر صارت فيه كل الأحزاب المغربية راغبة في الحكم وراغبة عن المعارضة، تمت استراتيجية عرقلة بنكيران من تشكيل حكومته ودفعه إلى حافة الهاوية.

وإثر إعفائه من طرف الملك، شدد حزب “العدالة والتنمية” على براءته من تعسير مهمة تشكيلها، وعُدّ ما وقع نتيجة “اشتراطات متلاحقة من قبل أطراف حزبية أخرى” حسب بيان الحزب.

أثبت وحَل الوقائع أنه كلما رغب الرجل في الاتفاق مع حزب إلا وعرض معه حزبًا آخر، على طريقة كتاب “البخلاء” للجاحظ في حديثه عن المتطفلين و”باب ومن دُعي إلى وليمة فدعا إليها غيره”.

ووقع التسويق إلى ترشيح العثماني باعتباره أمن لجناح تساوقا مع نظيره و”الحمائم مقابل الصقور” بالتعبير الأمريكي الكلاسيكي في تقسيم أجنحة الأحزاب.

حقيقة ما جري بينت أن الإشكال كان شخصيا لا غير، فلم يكن مسموحا للرّجل ملأ الدنيا وشغل الناس، أن يتجاوز سقفا محددا من شعبية بلغت النضج والأوج، إذ يتسمّر فيها 6 ملايين مشاهد أمام القناة الأولى لمتابعة برنامج “لقاء الخاص” الشهري الذي يشرح خلاله برنامج الحكومة وما تعتزم فعله في قادم الأيام في شفافية لم تعرف لها السياسة المغربية مثيلا.

واجه الرجل “التماسيح والعفاريت” أي الحيتان الكبرى للدولة، والذين يختبئون في ظلام يدبرون خطط السطو من حكومات ظلّ وجيوب مقاومة وأباطرة الفساد القديم والعتيد الذي يريد الإطاحة بالربيع المغربي الديمقراطي الناعم الذي ابتدع لنفسه نهجا ديمقراطيا فريدا.

ورغم الشروط والضّغوط كان بنكيران طويل الأناة صبورا. ولكن الخطة المرسومة كانت لإنهاك الرجل الذي نافس شعبية الملك وصار أيقونة قد تحرج التاريخ وتفرض المقارنة يعكسها عدم نزول اسهمه في بورصة السمعة والسياسة في عالم صار يشترط نزاهة المترشح قبل عرض البرامج كما يقع في الانتخابات الفرنسية التي يستعر فيه سؤال النزاهة ويخفق في اختباره الكثير رشوة ومحسوبية ووصولية وتسريّا.

قاد بنكيران 4 انتصارات انتخابية بلدية وبرلمانية سنوات 2009، و2011، و2015، و2016 متحدثا عن شرعية الشعب مقابل شرعية السلطة، في رؤية طارئة عن تقاليد السياسة العربية الآسنة.

كان رأس بنكيران هو المطلوب ترتيبا لإنهاء الربيع العربي يؤكده تصريح نبيلة منيب، الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد اليساري بقولها “الأطراف التي أفشلت عبد الإله بن كيران هي نفسها التي تساعد سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المعيّن في تشكيل الأغلبية”.

مضيفة أن: “الدولة بصدد إغلاق القوس الذي فتح مع الربيع الديمقراطي ومع حركة 20 فبراير”.

 

وحقيقة ما واجهه بنكيران هي الطبيعة الثقافية والتركيبة البنوية للنظام المغربي التي لا تسمح بتعدد مراكز إنتاج القوة، ولا بد أن يظل في عرفها الطارئ من السياسيين حاشية على متن الملكية والمخزن والسلطة الحاكمة والمتحكمة.

 

صلابة الرجل وبلاغته واستعداده لوضع ما حيك بالليل على طاولة النهار دون مواربة وأسلوب “الحيلة في ترك الحيل” ظلت قاعدة فقهية أصولية لا تستجيب لواقع سياسة، لم تعده يوما بالإكرام، عمّرت طويلا بالحيلة وأقامت سرادق عزها بالمخاتلة والمفارقة بين القول والفعل تسويفا.

بالمنطق العملي الديمقراطي وليس بالخطابات السياسية التي أشغلت الناس عن العمل والإنتاج الفعلي على الأرض خاطب بنكيران الناس بأن “شعار الحقوق الجذاب” الذي يغازل به البعض الجماهير والذي يفترض فكرة الحقّ قبل الواجب كما قال المفكر الجزائري “مالك بن نبي” نتيجته السّعي خلف السّراب والخراب، فلا بد “للواجب” أن يتفوق على “الحق” في كل تطوّر صاعد ومرحلة بناء تنموي.

بدا بن كيران بالضعفاء من الشّرائح الاجتماعية الشّعبية المغربية التي اشتد بها وقْر الفقر كالأرامل والعاطلين والمرضى. فرفع دخل التقاعد لـ10.500 أسرة من 140 درهم مغربي إلى 1000.

ودخل في معركة طاحنة مع لُوبي الأدوية وخفّض سعر 1500 دواء ونسب الفضل لوزير الصحة الشجاع “حسين الوردي” في الاقتراح، بعد أن استكشف أن أسعار بعض الأدوية الحقيقي لا تتجاوز 200 درهم ولكنها تباع بـ4000، ووضع منحة لفئة الأرامل المسحوقة التي يبلغ عددها 100.000، فأسندت منحة لـ16.000 أسرة، وربط الأجر الشهري بعدد الأطفال ليحصل كل طفل في كفالة أرملة على 350 درهم، وطال الإجراء اليوميين وشبه العاطلين الذي عمَدهم المرض، لتنكبّ الدولة على مشروع إصلاح التقاعد قبل أن تحل به كارثة الإفلاس بحلول سنة 2025.

واستطاع المغرب في عهده التقدم بـ7 نقاط في مؤشر (Doing Business) الذي أصدره البنك الدولي في تقريره السنوي الصادر في أمريكا حول ممارسة الأعمال 2017 ومنه التقدم بـ29 درجة منذ 2012، وأحرز المرتبة 68 عالميا من بين 190، حيث تصدر دول شمال إفريقيا، وحاز المرتبة الثالثة على الصعيد الأفريقي والرابعة عربيا.

ولكن لم يكن يشفي أحزابا وقوى سياسية ويبرئ سقمها إلاّ تقليم أظافر الإسلاميين وإيقاف الربيع الديمقراطي المحرج للجوار الإقليمي والغربي ومنعا للتجربة من الترشح وأن تمتلك نسقا ناعما في ربيع عربي عاصف انتهى بخطط التقسيم والإنهاك المستمر للدولة والكيانات السياسية التي اندلعت فيها الثورات.

فقد ورد على الصفحة الرسمية لحزب التقدم والاشتراكية الشّيوعي المغربي “هل باتت نهاية بنكيران وشيكة؟”. وكان السؤال الحقيق بالطرح: هل من صلاحية حزب أن يفرض على رئيس حكومة مكلّف من الملك بتشكيل الحكومة أن يدعو إلى فرض أحزاب وطرْد أخرى؟ وأي امتياز سيبقى لرئيس الحكومة إذا كان كل حزب يختار الأحزاب التي تشاركه في الحكم؟.

فما ثبت أن لحظة انسحاب الرجل لم تكن بفضيحة مالية أو أخلاقية، بل كانت بقرار واستراتيجية رُسمت للانهاك أوّلا والإنهاء ثانيا، فوُضعت العراقيل في حذاء سيره وتخلصت منه الدولة العميقة التي صدَع بوجهها بكلمة “لا” ألف مرّة حين بدت له المضرّة. ويكفيه شرفا أن لحظة خروجه كانت مدخلا إلى الحل وليس للمشكل كما وصف ذلك رئيس تحرير صحيفة “الأيام” الأسبوعية المغربية واصفا الرجل بالرهيب والاستثناء في تاريخ الحكومات في المغرب معنونا مقاله بـ”شكرا سي عبد الإله”.

وحتى لا ينتقل الرجل من مساءلة الفساد في الداخل إلى مساءلة النظام الدولي الغربي وإحراج الجوار الأوربي كما فعل أردوغان في معركة جدلية الحق والقوة، تم تجنب إعادة الانتخابات التشريعية التي توقعت الاستخبارات الأمريكية حصول “العدالة والتنمية” فيها على 160 صوتا بدل 125، ثم التخلص منه منعا لبروز أنموذج ثان في المنطقة العربية التي كشف التاريخ زيف رموز سياسية قيادية تبين قدرها الحقيقي في ميزان التاريخ بشهادات معاصريها. سيتجول العثماني في أروقة الحكم، ليدرك أن الرجل كان خبيرا بالرجال كما قال عمرالفاروق يوما حين تولى الحكم بعد الصدّيق “رحم الله أبا بكر فقد كان أعلم مني بالرجال”.

* المصدر: موقع “ترك برس”

** صحفي تونسي متخصص في الشأن التركي

أترك تعليقا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *