حقائق 24 _ هيئة التحرير
يؤكد الناشط الأمازيغي والصحفي بجريدة الأحداث المغربية، لحسن أوسي موح، أن الحركة الأمازيغية مدعوة إلى التمسك باستقلاليتها في ظل محاولات الأحزاب السياسية الرامية لاحتوائها. مشددا في ذات الوقت على ملحاحية خضوعها لنقد ذاتي يمكنها من إعادة رسم أفق استراتيجي واضح وبأهداف جديدة. لكن إلى أي حد تغيرت علاقة الأحزاب بالأمازيغية؟ وهل بوسعها احتواء النشطاء الأمازيغ فعلا؟ أم أن انتظام هؤلاء النشطاء داخل حزب أمازيغي هو البديل الفعلي؟ هذه الإشكالات وأخرى نقلتها “حقائق 24” إلى مؤلف كتاب “حوارات حول المسألة الأمازيغية” ضمن الحوار التالي:
_ أصدرت سنة 2004 كتابا ضمنته سلسلة حوارات سبق لك إنجازها سنة 2003 مع أمناء الأحزاب السياسية آنذاك حول مواقفهم من الأمازيغية. بصفتكم صحفيا وباحثا متخصصا في الموضوع، وبعد مرور 15 سنة على تلك “المواقف” هل يمكننا اليوم الحديث عن تطور فعلي في تعامل الأحزاب السياسية مع القضية الأمازيغية؟
بداية لا بد من تقديم الشكر لمنبركم الإعلامي. بالفعل أصدرت كتابا للأسف حمل عنوان “حوارات في المسألة الأمازيغية”. وهو العنوان الذي لم أختره للكتاب، بل من اختيار مسؤول بالمؤسسة التي أشتغل بها، لأن الكتاب هو عبارة عن عدد من الحوارات نشرت بيومية الأحداث المغربية، أجريت مع زعماء وقادة سياسيين وأكاديميين وباحثين وفاعلين ونشطاء الحركة الأمازيغية دون تمييز ومهما كانت توجهاتهم. إنه وثيقة تاريخية تبرز مواقف التنظيمات السياسية وأيضا الفاعلين في مجال الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية.
في تلك الفترة كانت هناك مواقف متذبذبة وغامضة لدى الفاعلين السياسيين، وهو ما تؤكده مواقفهم حينها. بل حتى مواقف كثير من الأحزاب باستثناء قليل منها كانت لها مواقف متقدمة، خاصة التقدم والإشتراكية وأيضا الحركة الشعبية. أما البقية فإنها رغم إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وخطاب أجدير فإن خطابها السياسي ظل بعيدا عن انتظارات المغاربة، خاصة نشطاء الحركة الأمازيغية وطيفا من الحركة الحقوقية.
بعد دستور 2011 تم ترسيم اللغة الأمازيغية كلغة رسمية كمقترح لم يقدمه أي من الأحزاب السياسية، وهناك من عارضه، ولولا التدخل الملكي لتم حذفه من الوثيقة الدستورية كما هو الحال بالنسبة لحرية المعتقد. وأظن أنه بعد سنوات من الدستور الجديد هناك مفارقة بين خطاب الأحزاب السياسية والواقع. فرغم إشادتها بالدستور ومضامينه فإن الواقع يؤكد أنها لا تزال حبيسة النظرة الإقصائية. وما يدل على ذلك أن الأغلبية سواء في حكومة ابن كيران أو حتى العثماني لم تكن لها الجرأة في الذهاب بعيدا نحو إخراج قانون تنظيمي منصف للأمازيغية ويراعي مكتسباتها. إنها الهوة بين الخطاب والممارسة لدى الفاعلين. ذلك ما يدفع للقول أن المتغير الوحيد هو على مستوى الخطاب، لكن الممارسة ظلت حبيسة أيديولوجيات وعقليات اقصائية لا تنظر إلى الأمازيغية كصلب للهوية المغربية المتعددة والمتنوعة الأبعاد.
_ إرتباطا بذات الموضوع، تصاعدت مؤخرا بين نشطاء الحركة الأمازيغية حدة الجدل بشأن طبيعة العلاقة المفترضة بين الحركة والأحزاب السياسية، خصوصا بعد الإتهامات الموجهة لبعض الفاعلين الأمازيغ بمحاولة “تذويب” نشطاء الحركة في حزب التجمع الوطني للأحرار. في نظركم هل هناك فعلا محاولات حزبية لاحتواء الحركة؟ وما حدود العلاقة التي تتصورونها بين الطرفين؟
علاقة الأحزاب السياسية بالحركة الأمازيغية كانت دوما علاقة توتر، فالأحزاب تنظر إليها كمنافس حقيقي في المجال العام. خاصة أن مواقف الجمعيات والنشطاء الأمازيغيين تتجاوز خطاب هذه الأخيرة. هناك تواصل مستمر مع فاعلين في مختلف الأحزاب، وهناك جمعيات مقربة من تنظيمات سياسية، بل أخرى خلقتها أحزاب معلومة، لكن حضورها باهت في الساحة النضالية وغالبيتها فشلت لأنها مرتبطة بأجندة حزبية ضيقة.
أظن أنه مهما كانت محاولات الاحتواء، فإن استقلالية الجمعيات الأمازيغية ومعها النشطاء الأمازيغيين هو الوحيد الكفيل بالدفاع ليس فقط عن الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية، بل أيضا عن حقوق أخرى كالحق في الملكية والأرض والدفاع عن التفعيل الرسمي للأمازيغية. من حق الأحزاب السياسية الرهان على استقطاب فعاليات أمازيغية والتنسيق مع جمعيات وهيئات أمازيغية، سواء على المستوى الوطني أو المحلي، لكن من الأفيد في المرحلة الراهنة للأمازيغيين الحفاظ على الاستقلالية وعدم التفريط فيها، باعتبارها أحد أهم مصادر قوتهم للترافع والضغط من أجل تجسيد حقيقي للترسيم وأيضا تثمين المكتسبات.
_ إتسمت علاقة الحركة الأمازيغية تاريخيا بالفعل الحزبي في المغرب بنوع من التوتر والتنافر، لكن منذ سنة 2005 إلى حدود اليوم ونحن نتابع محاولات حثيثة لتأسيس حزب ذي مرجعية أمازيغية. في نظركم هل يحتاج الأمازيغ فعلا إلى إطار حزبي خاص أم أن الأجدر بهم هو اختراق المنظومة الحزبية الحالية؟
لا يمكن التسليم بفرضية واحدة، كلا الخيارين له أهميته. للأسف فشلت محاولات تأسيس حزب أمازيغي نضالي رغم وجود أحزاب سياسية تدعي بالأمس وحتى اليوم أنها تجعل من أولوياتها الدفاع عن الأمازيغية. وكان ممكنا أن يشكل إحداث حزب سياسي مهما في فترة ما، لكن الآن يصعب تأسيس حزب من حركة عمودية كالحركة الثقافية الأمازيغية، وهي حركة عابرة للمجتمع وللتنظيمات السياسية والحقوقية وحتى الدينية. أقول ذلك رغم التباين في المواقف بين الأمازيغيين أنفسهم وكل فئات المجتمع المغربي الأخرى، بل أيضا بين الأحزاب والجمعيات الأمازيغية والحقوقية وغيرها.
الأهم في هذه المرحلة هو ضرورة ممارسة الحركة الأمازيغية لنقد ذاتي وإعادة النظر في الأهداف المستقبلية، وهو الأمر الذي يجب أن تضطلع به النخبة المثقفة لإنتاج خطاب بديل قادر على التعبئة وعلى إحداث قفزة في التنظيمات الأمازيغية، أقصد بها الحركة الطلابية والجمعوية على مستوى الخطاب وأيضا توضيح الأفق الاستراتيجي.