أضحت خطرا لتأثيرها على بعض الملفات المعروضة على العدالة سواء في حوادث السير أو القضايا الجنحيةأضحت صدقية الشهادات الطبية المسلمة من أطباء تابعين للقطاع الخاص، تستنفر في الآونة الأخيرة المهتمين بالشأن الصحي والقضائي، من أجل حماية المتقاضين والضحايا من زيف مضامين ما تتضمنه هاته الشهادات.
وأصبحت هذه الوضعية ترخي بظلالها وتبعاتها في كل يوم من خلال بعض القضايا المعروضة على العدالة، على مستوى حوادث السير، أو القضايا الجنحية، إذ تشكل موضوعا مثيرا للاهتمام خلال الآونة الأخيرة، بعد تورط ومتابعة أطباء منحوا وسلموا شهادات طبية تتضمن مدة العجز مثيرة للجدل.
رغم تنبيه هيأة أطباء بجهة البيضاء سطات، التي عملت في وقت سابق على حث الأطباء التابعين لها على التقيد بمجموعة من الضوابط، من خلال تسليم الشهادات الطبية لمن يستحقها، وتحريرها والحرص على أن تحمل هذه الشهادة طابع وتوقيع الطبيب وهوية المريض، بعد فحصه، بتضمين الشهادة رقم بطاقة التعريف الوطنية الخاصة بطالبها وصورته الشمسية، وأن تتضمن توقيع المحرر وتاريخ التحرير، فإن بعض الأطباء لم يلتزموا بالقرارات سالفة الذكر.
وركزت هيأة الأطباء على ضرورة تحرير الشهادة بطريقة سليمة ومفهومة، تساعد العدالة على ترتيب الآثار القانونية للمعطيات المتضمنة بها.
ونبهت هيأة الأطباء بجهة البيضاء سطات عدم تسليم أي شهادة إلا بعد فحص طالبها، مع ضرورة تناسب مدة العجز المسلمة مع طبيعة الإصابة أو المرض، ومنع تسليمها على سبيل المجاملة أو المحاباة، وفقا لمقتضيات المادة 8 من مدونة أخلاقيات الطب.
ورغم تنبيهات هيأة الأطباء لعدد من الأطباء التابعين لها بالجديدة، وكذا تنبيهات ومراسلات النيابة العامة المختصة، مازال بعض الأطباء يتمادون في تسليم شهادات طبية مشكوكا في صحتها، من أجل تسلم مقابل ذلك مبالغ مالية أو للمجاملة، رغم احتجاجات عدد من المحامين والطعن في زوريتها أمام محاكم الجديدة.
اعتقال طبيب
سبق لوكيل الملك بابتدائية الجديدة أن أمر عناصر المصلحة الإقليمية للشرطة القضائية بوضع طبيب متخصص في أمراض العظام والمفاصل تحت تدابير الحراسة النظرية، على خلفية منحه شهادة طبية مزورة لشابة ادعت أنها كانت من ضحايا حادثة سير وقعت بين حافلة للنقل الحضري وسيارة خفيفة، بطريق سيدي بوزيد.
وجاء قرارالنيابة العامة المختصة بوضع الطبيب تحت تدابير الحراسة النظرية، بعدما سبق لها أن أمرت بإيداع الشابة التي تسلمت شهادة طبية مزورة بعد متابعتها في حالة اعتقال بجنح المشاركة في إصدار شهادة طبية تتضمن بيانات كاذبة ومحاولة النصب وإهانة الضابطة القضائية، عن طريق التبليغ بوقوع جريمة تعلم بعدم حدوثها بتقديم أدلة زائفة.
شهادات طبية للمحاباة
قرر وكيل الملك متابعة طبيب يعمل بالقطاع الخاص في حالة سراح، بعد أدائه كفالة مالية قيمتها 10 ملايين سنتيم، ومتابعته بجنحة صنع شهادة طبية تتضمن بيانات كاذبة قصد المحاباة لشابة ادعت أنها كانت من ضحايا حادثة سير، حيث تم الاستماع إليها في محضر قانوني، وأكدت أنها كانت على متن حافلة النقل الحضري ساعة وقوع الحادثة وكانت تجلس بالمقاعد الأمامية وأصيبت إثرها بضرر بدني، وانتقلت على متن سيارة الإسعاف إلى المستشفى الإقليمي وغادرته في اليوم نفسه، ومن هناك توجهت إلى العيادة الخاصة للطبيب المعتقل وحصلت على شهادة طبية مدة العجز المؤقت بها 24 يوما سلمتها إلى الضابط محرر المحضر، بعدما أصرت على المتابعة.
وبعد مواجهتها بالمعطيات المتوفرة، اعترفت من خلالها أنها تسلمت شهادة طبية مزورة من الطبيب المتابع في حالة سراح مقابل مبلغ مالي، وأنها لم تكن مصابة بأي إصابة ولم تكن ضمن ضحايا حادثة سير، وأن رغبتها كانت فقط الاستفادة من تعويضات التأمينات.
إدانة الطبيب
بعد مناقشة القضية من قبل غرفة الجنح التلبسية، ومتابعة الطبيب في حالة سراح، من أجل تسليمه شهادة طبية مزورة، ونظرا لسوابقه القضائية في تسليم الشهادات الطبية، قررت هيأة الحكم إدانته بسنة حبسا نافذا.
تصحيح الوضع
قال رشيد وهابي، محام بهيأة الجديدة، إنه بمقتضى المادة 44 من القانون رقم 1436، المتعلق بمزاولة الطب، فإن منح الشهادات الطبية وتحديد مدة العجز بها، هي كذلك من واجبات واختصاصات الطبيب المعاين.
وأوضح وهابي في تصريح ل”الصباح”، أن مشكل بعض الأطباء مع الشهادات الطبية أنها تخرج إلى دائرة الاتهام بالمجاملة، خصوصا تلك المتعلقة بالاعتداءات، بعد أن ترسخ لدى العامة بأن الشهادة الطبية التي تفوق مدتها 20 يوما، ستؤدي بالمعتدي إلى الاعتقال، وهو اعتقاد خاطئ، لأن الشهادة الطبية لا تثبت فعل الاعتداء، بل تثبت فقط حالة المصاب الذي ولج عيادة الطبيب، ويضمن فيها الطبيب هل الأمر يتعلق باعتداء أو حادث سير أو شغل بناء على تصريح الضحية فقط، كما أن سلطة الملاءمة الممنوحة للنيابة العامة، يمكنها أن تحفظ ملفا به شهادة مصاب بها أكثر من يوم لغياب وسائل الإثبات أو تتابع المشتبه فيها في حالة سراح ، كما يمكنها أن تتابع مشتبها فيه إذا كانت الشهادة الطبية المضمنة في ملفه أقل من 21 يوما، في حالة اعتقال.
وأورد المتحدث نفسه، أنه قد يطرح سؤال عريض بالنسبة للطبيب، الذي منح عجزا قدره 25 يوما، ولكن حين تم تقديم الضحية والمشتبه فيه أمام النيابة العامة، وتبين أن المدة مبالغ فيها، هل يجب فتح ملف بحث في مواجهة الطبيب الذي منح هذه الشهادة، أم يتم الاكتفاء بإجراء خبرة مضادة على الضحية؟، موضحا “في نظري فإن التوجه الذي عودنا عليه حكماء النيابة العامة، هو عدم تحريك المتابعات في مواجهة الأطباء بسبب الشهادات المحررة من طرفهم، بالنسبة لمدة العجز إلا إذا كانت تتضمن معطيات كاذبة، مثل التنصيص على أن الضحية تعرض مثلا لكسر، رغم أن الخبرة المنجزة عليه أثبتت عكس ذلك”.
وحسب المحامي بهيأة الجديدة، فإن التجربة أثبتت مثلا أن متابعة أطباء بالجديدة، بمنح شهادات طبية تتعلق بمصابين بحوادث سير، ثبت بعد البحث العميق معهم عدم تعرضهم لحادثة سير، وهو ما جعل الكثير منهم يمتنعون عن تسليم الشهادات الطبية الأولية، وهذا ما زاد من معاناة الضحايا والمصابين، ومتابعة الطبيب الذي منح الشهادة الطبية وضمن فيها فقط ما صرح به المصاب، غير عادل بالمرة، لأن الطبيب ليست له أية مكنة قانونية أو مؤسساتية للتأكد من أن طالب الشهادة الطبية يكذب عليه، مضيفا “فلو كان لهذا الطبيب هذا التعاطف، وتأكد مثلا أن المصاب تعرض لحادثة سير، وكتب غير ذلك ، هنا يكون قد أجرم، ويمكن للنيابة العامة أن تحرك البحث في مواجهته وتتابعه”.
وفي نظر المحامي فإن أن معالجة ما سمي شهادات المحاباة يمكن الحد منها بوسائل أخرى، مثل الأمر بخبرات مضادة، لا بمتابعة الأطباء عن منح عجز مؤقت، يمكن أن يختلف بين طبيب وآخر، فتحريك المتابعات ضد الأطباء بسبب الشهادات سيخيف الأطباء ويجعلهم يتهربون من واجب منحها للضحايا والمصابين.
https://www.traditionrolex.com/43
يجب حماية مهنة الطب
تفاعل العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع خبر اعتقال طبيب مثير للجدل بالجديدة، اشتهر منذ سنوات بتسليمه شهادات طبية قصد المحاباة والمجاملة، وكانت تعليقات رواد الفضاء الأزرق تطالب بمعاقبته بأقصى العقوبات، نظير تسليمه شهادات طبية مزورة، مؤكدين في تدوينات مختلفة أن مهنة الطب النبيلة يجب حمايتها من مثل هذه الشبهات، وهؤلاء الأطباء الذين يسيئون لهاته المهنة، معتبرين أن الشهادة الطبية تثبت وقائع ذات طابع طبي ويجب أن تحرر بموضوعية وبنزاهة تامة.
وأكد رواد مواقع التواصل الاجتماعي تزامنا مع النطق بحكم إدانة الطبيب بالحبس النافذ، أن المسؤولية القانونية للطبيب في حال تحرير شهادة مخالفة للحقيقة أن يتم إبداعه أو منعه من مزاولة هذه المهنة.
وأثارت حادثة تسليم شهادة مزورة لشابة بالجديدة الجدل في تدوينات مختلفة، منهم من اعتبرها مجازفة ومخاطرة من الطبيب المدان، ومتسائلين عن سبب صمت هيآت الأطباء الخاضع لها، وعدم اتخاذ أي إجراء تأديبي في حقه.
وذهبت تعليقات العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، إلى ضرورة التصدي لمثل هذه الظاهرة، التي تسيئ لمهنة الطب، التي من المفروض أن تقدم رسالات قوية على اعتبار أن مهنة الطب مهنة نبيلة.
وطالبت مجموعات “فيسبوكية” في تدوينات مختلفة النيابة العامة المختصة بالتصدي لبعض الأطباء المعروفين بمنحهم شهادات طبية مزورة تحمل وقائع غير صحيحة، من أجل المجاملة أو المحاباة، الغرض منها الاستفادة من تعويضات مالية، بسبب حوادث سير وهمية، أو الزج بأبرياء وراء القضبان.