وكالات

النظام الجزائري .. لغز العلاقات غير الطبيعية مع الشعب الأزوادي

أبوهاجر مقدي الكيدالي

إن المتتبع للعلاقات التي تربط النظام الجزائري بمحيطه الإقليمي سينتابه نوع من الاستغراب الممزوج بالحسرة للشعب الجزائري على أهمية الموقع الاستراتيجي الغير مستغل بشكل صحيح الذي تحظى به الدولة الجزائرية في حوض البحر الأبيض المتوسط من جهة ومن جهة أخرى بمنطقة الساحل والصحراء إلا أن الدارس لتاريخ الثورة الجزائرية يعلم أن الثورة الجزائرية استطاعت فرنسا أن تسيطر فيها على مقاليد الأمور منذ وقت مبكر رغم كل المحاولات التي قام بها الجزائريون بهدف تصحيح المسار إلا أن العقلية والأيديولوجية الفرنسية استطاعت المرور وإعادة التموضع وبقوة في الجزائر من خلال الضباط الجزائريين الذين كانوا يعملون في الجيش الفرنسي إبان الإستعمار ومن خلال طلبة الكليات العسكرية الذين تم إبتعاثهم للدراسة في فرنسا بهدف تأطير كوادر موالية لها يمكن السيطرة من خلالهم على مستقبل الدولة الجزائرية وبالفعل تمكنت هذه المجموعات بفعل التخصص من الوصول إلى مفاصل جيش التحرير الوطني والسيطرة عليه بل وصل الأمر في النهاية إلى تحييد العديد من القيادات الوطنية للثورة الجزائرية ممن لم يتقبل الإندماج في العقيدة الجديدة لجيش التحرير الوطني الذي أصبح سيد الموقف بعد القضاء على كثيرين من خصومه السياسيين من أمثال القيادي عبان رمضان وغيره وقد كانت آخر فصول هذه المباريات التي شهدتها الساحة الجزائرية خلال الصراع الذي حصل بين كل من جبهة التحرير الوطني والحركة الوطنية الجزائرية بقيادة مصالي الحاج، وقد كان لهذا الصراع تأثيره الكبير على مستقبل الجزائر المستقلة، لأن إبعاد أنصار مصالي ومقتل العديد من إطارات حركته قد أفقد الجزائر العديد من الكفاءات السياسية التي تمرست في النضال داخل حزب الشعب الجزائري ثم الحركة من أجل الإنتصار للحريات الديمقراطية لمدة طويلة، وكذلك مما أضعف الدولة الوطنية إستشهاد العديد من القادة الأوائل للثورة وكما أسلفنا القول في تصفية البعض منهم بفعل الصراعات وطموحات جماعة العسكر، بالإضافة إلى إبعاد العديد من القادة الكبار والإطارات الذين وقفوا ضد تحالف بن بللة-بومدين أثناء أزمة صيف 1962، ويعتقد باحثون أن هذه التصفيات والإقصاءات كانت اهم الأسباب في فشل عملية بناء الجزائر بعد ما يعرف بعمليات إسترجاع الإستقلال الذي كان صوريا في حقيقته، وهكذا وصلت إلى سدة الحكم في الجزائر مجموعة من العسكر المؤدلجين والمؤطرين من قبل فرنسا والموالين لها والمتنكرين لمحيطهم الإجتماعي والإقليمي الذي كان يتطلع إلى بناء علاقات وطيدة وطبيعية مع الجزائر الوليدة ولكن تلك التطلعات لم يكتب لها النجاح فلم يمض زمن طويل حتى دخل النظام الجزائري في خلافات مع الجيران انتهت إلى تصنيف النظام لمصر كدولة غير صديقة، وهي التي وقف زعيمها جمال عبد الناصر مع الثورة الجزائرية بشكل منقطع النظير وأمدها بالسلاح وكانت أكبر شحنة للسلاح تأتي للثوار الجزائريين كانت قادمة من مصر، وقد صرح وزير خارجية فرنسا حينها ذات مرة أنه لو تم إقاف الدعم من مصر لانتهى أمر الثورة في الجزائر، وقد فتح عبد الناصر أبواب بلاده للثوار الجزائريين للتدريب و العلاج والعمل لصالح الثورة الجزائرية، وكان ذلك سبب انضمام فرنسا للحرب ضد مصر فيما يعرف بحرب العدوان الثلاثي عليها سنة 1956م من قبل إسرائيل وإنجلترا وفرنسا،
هذا وقد نالت أيضا الثورة الجزائرية من المملكة المغربية حكومة وشعبا دعما غير محدود في عهد الملك محمد الخامس الذي حشد كل إمكاناته لدعم الثوار الجزائريين، فنظم لقيادات الثورة اللقاءات في المغرب وجعل يخطب علنا في الشعب المغربي دعما للقضية الجزائرية، واشتغلت الصحف ووسائل الإعلام المغربية لدعم القضية الجزائرية، وفي إحدى المرات أرسل سفينة محملة بالأسلحة إلى الثورة الجزائرية ونشطت المؤسسات من اتحادات طلبة ومنظمات المرأة المغربية في دعم الثورة الجزائرية، كما أتاحت المملكة لقيادات الثورة الجزائرية التواصل مع العالم من خلال المغرب بل وأرسلت المملكة المغربية مقاتلين لدعم إخوانهم الجزائريين في جهادهم ضد المستعمر،

كل تلك الجهود تمت مكافأتها لاحقا من قبل نظام حكم العسكر في الجزائر بدعم البليزاريو للإنفصال عن المغرب وتمت الإساءة للعلاقات الأخوية والتاريخية بين الشعبين الشقيقين بشكل غريب إلى يومنا هذا !
وكان للمملكة الليبية أيضا دورها الفعال في دعم الثورة الجزائرية رغم مخاوف الملك إدريس آن ذاك في أن يؤثر ذلك سلبا على ملف ليبيا كونها حديثة الإستقلال لكنها أبت إلا أن تكون في الموعد لدعم الثورة الجزائرية وعمل الملك إدريس السنوسي نفسه على هذه القضية وسخر جهده لذلك وفتح ليبيا جوا وبرا لنقل السلاح عبرها للثوار من مصر إلى الجزائر، وخصص مطار مدينة نالوت ومطارا في فزان لنزول الطائرات المصرية المحملة بالسلاح القادم من الزعيم عبد الناصر لدعم الثوار في الجزائر، كما عقد الملك العديد من اللقاءات مع قيادات الثورة الجزائرية واتاح لهم الإقامة والتنقل في ليبيا بكل حرية وبدون رقابة،  وقد ساعدت الكثير من القبائل الليبية خاصة التوارق في المناطق الحدودية بالجنوب الليبي في نقل الأسلحة عبر جانت وإليزي قدوما من غدامس وسبها وشاركوا المجاهدين الجزائريين في بعض المعارك ضد المستعمر الفرنسي، كما حدث في معركة إسين القريبة من غات الحدودية سنة 1957م والتي لا تزال أثارها شاهدة على الجهاد المشترك بين شعبي البلدين الشقيقين كما شاركوا في معارك أخرى في جانت وغيرها،
ولكن أثناء الأزمة الليبية خلال سنوات الحرب الأهلية الأخيرة في ليبيا والتي بدأت أحداثها منذ ثورة 17 من فبراير سنة 2011م التي أطاحت بمعمر القذافي كان موقف حكم العسكر بالجزائر موقفا سلبيا تجاه الشعب الليبي فقد اغلقوا كل المنافذ البرية بين الجزائر وليبيا ولم يقبلوا حتى دخول الجرحى والمرضى للعلاج في الجزائر ناهيك عن إدخال السلع التموينية والوقود وغيرها بل قام العسكر الجزائري بتعزيز قواته في كل النقاط الحدودية بين الجزائر وليبيا بشكل غير مسبوق وقاموا بحفر خندق وإقامة سد ترابي يحيط بكل خارطة الجزائر استمر العمل فيه لعدة سنوات بلغت تكلفته ملايين الدولارات دون أن تتضح طبيعة المخاوف التي تؤدي إلى مثل كل هذه الإجراءات
وقد ظل الوضع الاقتصادي طيلة الأزمة وحتى الأمني في أغلب الأحيان افضل حالا في ليبيا منه في الجزائر وفق شهادات من جزائريين انفسهم!

وكما كان الدعم من هذه الدول الإقليمية الشقيقة للثورة الجزائرية فقد كان هنالك موقف ممثال من شعب أزواد خاصة من التوارق والعرب الأزواديين تجاه الثورة الجزائرية فقد قدم الشعب الأزوادي الدعم والمساندة للثوار الجزائريين متمثلا في الأسلحة من البنادق والذخائر والمؤن والثروة الحيوانية ومعدات تجهيز المجاهدين من قرب مصنوعة من الجلد بأيدي النساء الازواديات لمياه شرب الثوار المجاهدين وما شابه بالإضافة للدعم بعناصر من المجاهدين الذين شاركوا في العمليات القتالية ضد المستعمر الفرنسي على الأراضي الجزائرية واقام الشعب الازوادي على ارضه مقرات لتدريب المجاهدين ولجمع هذه المعونات المقدمة للثورة الجزائرية مثلما كان في منطقة إنتديني وغيرها،  إلا أن الغريب في الأمر أن نظام العسكر الحاكم في الجزائر عندما انتفض الشعب الأزوادي انتفاضته الأولى سنة 1963 ضد نظام موديبو كيتا الشيوعي العنصري في مالي وتحت الضغط لجأت قيادات ثورة الشعب الأزوادي إلى الجزائر أملا في تقديم يد العون كما كان متوقعا من إخوانهم الجزائريين ولكن النظام الجزائري برئاسة أحمد بن بلله قام بالقبض عليهم وتسليمهم إلى نظام موديبو كيتا الديكتاتوري في مالي ليتم إجهاض الانتفاضة الأولى،
وعندما فتح معمر القدافي في ليبيا المعسكرات لمختلف حركات التحرر في العالم انطلاقا من توجهاته المعروفة بداية الثمانينات من القرن الماضي واستفاد الأزواديون من ذلك حيث تلقت أعداد كبيرة منهم التدريب العسكري اكتشف نظام العسكر الجزائري ذلك في نهاية الامر فقام بتهديد القدافي بقطع العلاقات مع ليبيا بل وحتى بالحرب ضدها إذا لم تقم ليبيا بإغلاق معسكرات تدريب الازواديين وطردهم من ليبيا وبالفعل صدرت التعليمات الفورية من القيادة الليبية حينها بإغلاق المعسكرات وتوزيع المتدربين من شمال مالي على المشاريع الزراعية للعمل فيها وقد استطاع الثوار أنفسهم بعد ذلك مواصلة العمل بشكل تلقائي وتشكيل خلايا ثورية بمناطق تواجدهم في ليبيا وجعلوا يواصلون العمل على تنظيم أنفسهم بشكل سري،
واتخذ نظام العسكر في الجزائر مختلف التدابير للتغلغل في صفوف الثوار الأزواديين لغرض تشتيتهم والقضاء على الفكر الثوري بين صفوفهم واستطاع استخدام البعض منهم والقبض علي العديد من القيادات أثناء مرورها على الجزائر في طريقها إلى أزواد في مرحلة لاحقة، وقد تم إخفاء البعض منهم ممن تم القبض عليهم إلى الابد مثل ما حصل للقيادي إنتحمودة وغيره كما تم إلقاء القبض على قيادات أخرى وإجبارها على إجراء تغييرات في توجهاتها السياسية تجاه القضية الازوادية والعمل لصالح المخابرات التابعة لنظام العسكر في الجزائر وقد استخدمت في ذلك مختلف وسائل الترهيب والترغيب وعندما اندلعت العمليات القتالية التي قادها الثوار الازواديون ضد الجيش المالي بداية التسعينيات من القرن الماضي كان الثوار القادمين من ليبيا عبر الجزائر تواجههم صعوبات جمة وعراقيل أمنية من قبل جهاز الأمن الجزائري لا تختلف صعوبة عن تلك التي يواجهونها بعد دخولهم للمناطق الازوادية التي يسيطر عليها الجيش المالي ومن يتم القبض عليه منهم وفي حوزته اي نوع من السلاح يتم إصدار حكم مؤبد عليه وإداعه السجون الجزائرية،
ما جعل هذه السجون تعج بالعشرات من هذه الحالات بالإضافة إلى المئات من الازواديين الذين يتم القبض عليهم بتهمة تهريب مواد غذائية في اتجاه منطقة أزواد التي تعاني حصارا خانقا بين الحكومة المالية وجهاز الأمن الجزائري الذي ينظر لكل تحركات الأزواديين بريبة ويضعها في خانة تهديد الأمن القومي للجزائر، واستمر الحال على ما هو عليه حتى أجبر النظام الجزائري الثوار على الجلوس مع مالي في الجزائر لتوقيع ما يعرف باتفاقية تامنراست سنة 1992م والتي لم يطبق منها عدا دمج المسلحين الازواديين من عناصر الحركات المسلحة في صفوف الجيش المالي وبقيت البنود الأخرى حبرا على ورق حتى اندلعت احداث انتفاضة أخرى من قبل بعض الضباط والقيادات الميدانية الازوادية في 23 ماي 2006م سيطروا خلالها على مناطق ومعسكرات مهمة شمال مالي بمنطقة ازواد وبادر الزعيم الليبي معمر القذافي حينها لاحتواء الأزمة وسعى للتقارب بين الطرفين وزار مدينة تينبكتو ووعد بإقامة مشاريع تنموية في المنطقة وفتح قنصلية لليبيا بمدينة كيدال الازوادية ولم يمض كثير من الوقت حتى تحرك النظام الجزائري نحو استعادة الملف والسيطرة عليه من جديد وعمل على إبعاد القدافي ومشاريعه التنموية واشرف النظام الجزائري على توقيع اتفاقية جديدة بين الطرفين لم يكتب لها هي الأخرى النزول إلى واقع الناس وظلت حبيسة الأرفف الإدارية حتى جاءت الإنتفاضة الأخيرة سنة 2012 م قادتها الحركة الوطنية لتحرير ازواد والتي سيطرت بعد فترة لا تتجاوز ثلالثة اشهر على كامل منطقة ازواد شمال مالي وأعلنت إستقلالها عن مالي من جانب واحد وكانت الجزائر من أولى الدول التي سارعت في رفض الإعتراف باستقلال أزواد ويتهمها كثير من الازواديين بدعم وتحريك الجماعات المتطرفة نحو منطقة أزواد وإعلانها إمارة إسلامية ومواجهة الحركة الوطنية لتحرير أزواد التي تحمل مشروعا وطنيا يهدف إلى إقامة دولة ازواد المستقلة وقد ادى انتشار هذه الجماعات وظهورها لإيجاد مبرر لاستقدام القوات الدولية إلى المنطقة والتي كان في مقدمتها قوات برخان الفرنسية وغيرها من القوات الدولية التي عرقل وجودها جهود الازواديين في إقامة دولة خاصة بهم، وظهرت الجزائر من جديد لتقود وساطة أخرى نتجت عنها اتفاقية عرفت بمسار الجزائر سنة 2015م لم يتكن الازواديون طيلة ثماني سنوات تلتها من إقناع الجزائر كراعي لهذه الاتفاقية بالضغط على مالي لتنفيذ اي من بنودها حتى تم الإنقلاب على الشرعية في باماكو وجاءت مجموعة من العسكر لا يعترفون بمخرجات هذه الاتفاقية التي أرادوا نسفها خلال توجههم للسيطرة على ما يسمونه بالتراب المالي حسب وصفهم مستعينين بمرتزقة شركة الفاغنر الروسية وقاموا بالهجوم على عدة مقرات للحركات الازوادية الموقعة على اتفاقية الجزائر ما اضطر الازواديون للدفاع عن أنفسهم وطرد مالي من تلك المناطق الازوادية من جديد ولم يصدر من الجزائر اي موقف لإدانة هذه التصرفات من قبل الحكومة المالية، فيما بادرت بعدة تصريحات على أعلى المستويات تؤكد فيها التمسك بوحدة التراب المالي كما تؤكد على استحالة سماحها بفصل شمال مالي عن جنوبها حسب تصريحاتها المتكررة، في موقف يظهر الجزائر أمام الازواديين على أنها الحليف الاستراتيجي الرئيس لمالي في المنطقة، إزاء كل هذه التداعيات بات الكثير من الأزواديين يطرحون استفهامات كبيرة حول إمكانية القبول بمنح الثقة للجزائر لقيادة الوساطة من جديد بينهم والحكومة المالية.

حقائق 24

جريدة إلكترونية مغربية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى