نظمت المديرية الإقليمية للتعليم بتيزنيت حفل التميز، احتفاء بالتلاميذ المتفوقين في مختلف المسالك، والأسلاك التعليمية، في سياق ترسيخ ثقافة الاستحقاق، وحفز التفوق الدراسي، من أجل مدرسة عمومية مفعمة بالحياة، منفتحة على محيطها الخارجي. لكن هذه السنة، وعلى غير العادة، فقد أشرف المكلف مؤقتا بتدبير مصلحة الشؤون القانونية والشراكة والتواصل على حفل التميز، بعدما كان تنظيمه موكلا ولسنوات لرئيس مصلحة الشؤون التربوية، وفريقه التربوي، باعتبار تنظيمه من صلب اختصاصات مصلحته، والذي كان دوما حريصا على إنتقاء الأنشطة بعناية، والسهر على أدق تفاصيلها، واختيار الجوائز المناسبة، والتعبئة له بشكل ناجح.
غير أن الوضع القاتم، وغير المسبوق بمديرية التعليم بتيزنيت، المتسم بحدة العبث، والتلاعب في تدبير الموارد البشرية، وعشوائية التخطيط، وتعثر تنزيل وأجرأة البرامج التحويلية لخارطة الطريق 2022-2026، وما سجل من أخطاء قاتلة في تنزيل مشروع الريادة، عصفت بكل ما راكمته المنظومة التعليمية من مكتسبات بتيزنيت، خصوصا في الموسمين الدراسيين الأخيرين، ما دفع بالمدير الإقليمي إلى تهريب حفل التميز لهذه السنة، وتوطينه بمصلحة الشؤون القانونية، رغبة منه في تلميع الوجه البشع لتدبير التعليم بتيزنيت، ومكيجة صورته المخدوشة، لغاية تشتيت الانتباه لما يجري من فضائح أتت على الأخضر واليابس، ولم تسلم منها حتى الإمتحانات الإشهادية الأخيرة.
وبخلاف النسخ السابقة، من الاحتفاء بالتلاميذ المتفوقين بمختلف المسالك والأسلاك التعليمية، فقد منيت نسخة حفل التميز المنظمة بقاعة الإجتماعات بمقر عمالة تيزنيت بتاريخ 15 يوليوز 2024 بالفشل الذريع، نتيجة تخبط المكلف بمصلحة الشؤون القانونية وعبثه بحفل التميز، بدءا بالاخفاق في اختيار الجوائز، و الفشل في الترويج له، والتمييز في اختيار المحتفى بهم، والفشل في اقناع واستدعاء الضيوف… وانتهاء باختيار حلقات تنشيطية باهتة، أثارت اشمئزاز المدعووين، في حفل تحوم حوله أكثر من شبهة وعلامة استفهام حارقة، بعدما انفضح للعلن عمق أزمة تدبير التعليم بتيزنيت. وهو الأمر الذي يفسر جموح رغبة المدير الإقليمي للتعليم في تهريب حفل التميز، واستغلاله لمكيجة المشهد، وإعطاء الانطباع بأن التعليم بتيزنيت في المسار السليم والصحيح الذي رسمته الوزارة.
وسجل تنظيم هذا الحفل إقصاء الكفاءات العالية في التنشيط التي يزخر بها الإقليم، من داخل القطاع وخارجه، بعدما فضل المشرف على الحفل استبعاد، ووأد مبادرات الكثير من الأطر، مافوت على المديرية الإقليمية للتعليم إضافة نوعية كانت ستأثت هذه التظاهرة، وتضفي على المشهد التربوي بالإقليم جمالية. وهو ما ترجم واقعيا في حلقات الحفل الضحلة، ما تسبب في إحراج كبير للمديرية الإقليمية أمام مسؤولي الإدارة الترابية، ومن حضر من الفعاليات الإقتصادية التي ساهمت بأظرفة مادية ضخمة، ورؤساء الجماعات، والمفتشين والمديرين…، بعدما فضل أغلبهم مقاطعة حفل التميز لهذه السنة.
وصلة بالأنشطة المقدمة بحفل التميز، فقد نجح المشرف على التنظيم في كشف عمق، وبشاعة الأزمة التي تتخبط فيها المديرية الإقليمية للتعليم بتيزنيت. فقد عاش الضيوف لحظات محرجة، عاينوا، وعايشوا فيها مختلف تلاوين العبث، كالإقتصار على “ديجي DJ” في تقديم فقرات تنشيطية أجمع الحاضرون على أنها ضحلة، وباردة، وباهتة، وسطحية، كونها تخلوا من أية حمولة أو رسائل تربوية، قدمها المتعلمون في غياب تام لأي أثر للتربية الموسيقية، وهي ثمرة الإقصاء الممنهج لأساتذة التربية الموسيقية، والفنون التشكيلية، والأطر المتخصصة في التنشيط، الذي طال حتى المحتفى بهم.
كما سجل تنظيم هذ التظاهرة إقصاء منسقها للجمعيات المتخصصة، في جهل تام بميكانيزمات التواصل، وآليات التنظيم، واقتصر على استقدام عينة ضعيفة من أصدقاءه في التنظيمات التي كان يسيرها، وترجمت بصمتها في تخريب جودة حفل التميز. وقد امتنع المدير الإقليمي عن تشكيل لجنة تضم المفتشين التربويين لاختيار الجوائز التي تناسب كل فئة من المحتفى بهم، ما دفع المختصين للتساؤل عن سبب اختيار جوائز، وصفها المختصون بأنها كتب، ومجلدات تعذر بيعها بالمكتبات، فيما صرفت ميزانية أكاديمية جهة سوس-ماسة في اقتناء ألواح إلكترونية. وقد وزع المدير الإقليمي أظرفة مالية على بعض المتفوقين، وتجنب التصريح بقيمتها، في غياب مطلق للشفافية، والحكامة، في تدبير ميزانية هذه التظاهرة. وهو ما اعتبره الخبراء المدخل الأساسي لفهم عمق الأزمة التي عصفت بالمنظومة التربوية بتيزنيت.
وفي سياق متصل، استغرب المتتبعون مقاطعة رئيس فيديرالية جمعيات الآباء لهذا الحفل، غير أن الاستغراب سرعان ما سيزول بمجرد العلم بأن المدير الإقليمي، قد أصر على عدم إشراكه من الأصل في هذه التظاهرة، التي خربتها لمسة رئيس مكتب الحياة المدرسية، المكلف حاليا بمصلحة الشؤون القانونية، مسجلا فشلا دريعا في إنجاحها. واستنكر أغلب المهتمين والمختصين في الشأن التربوي جهويا وإقليميا، إقصاء الأطر التربوية، وعدم استدعاءها للحفل، بعد إصدار المذكرة الإقليمية عدد 24/05064 بتاريخ 09 يوليوز 2024. هذا الإقصاء، يفسر غياب ثقافة الاعتراف، والجحود الكبير في إنكار العطاء، والتضحيات، التي قدمتها الأطر التربوية في سبيل إنقاذ، وإنجاح هذا الموسم الدراسي.
ولم يفوت المدير الإقليمي الفرصة في إقصاء الكتاب الإقليميين للنقابات الأكثر تمثيلية من الدعوة للحفل، بإيعاز من المكلف بمصلحة الشؤون القانونية -كاتب إقليمي سابق لإحدى النقابات- وهي رسالة فهمتها المكاتب النقابية بسرعة، فيما أُُشهرت أبشع أوراق الإقصاء والعرقلة في وجه مكتب أنشطة الحياة المدرسية التابع لمصلحة الشؤون التربوية، التي غادرها مكرها، وهو ما فسره المختصون بإقصاء الفائزين في مختلف المسابقات والبرامج الإقليمية، والجهوية، والوطنية من التكريم (تحدي القراءة العربي، المشروع الوطني القراءة، الروبوتيك…) من التكريم، فيما غُيبت أية التفاتة للمتميزين في الأنشطة الرياضية.
واستغرب المختصون، وشركاء المنظومة التعليمية بجهة سوس-ماسة إقصاء المشرف على حفل التميز بتزنيت من التكريم فئات عديدة، منها تلميذة متفوقة من ذوي الهمم (ن.ع) حصلت على أعلى معدل بالثانوية التأهيلية الحسن الثاني، إسوة بتلميدة متفوقة بثانوية المسيرة الخضراء في سلك علوم التدبير والمحاسبة، وتلميذات وتلاميذ التربية غير النظامية، علاوة على الأطر الإدارية، والتربوية، وأطر هيئة التأطير والمراقبة المحالين على التقاعد، في نكران تام للخدمات الجليلة التي قدموها للمنظومة التربوية. فيما نجح في جعل نسخة حفل التميز وصمة عار على جبين المديرية الإقليمية، وإهانة للأبطال الحقيقيين، ممن يحملون مشعل وهم التربية والتكوين، وعلى رأسهم نخب الأساتذة… وفسر المختصون تهريب الحفل لقاعة الاجتماعات بمقر عمالة تيزنيت، بدل تنظيمه بقاعة الشيخ ماء العينين التي تستقبل التظاهرات الكبيرة، بإحراج عامل صاحب جلالة الملك بتيزنيت للحضور، الذي لم تتجاوز مدة حضوره 15دقيقة، وللهروب من موجة احتجاجات الجمعيات والآباء، التي تلاحق المدير الإقليمي.
وجدير ذكره أن الحفل المذكور قد حظي بمقاطعة كبيرة. ولم يحضره إلا عدد قليل من الأعيان، و03 رؤساء جماعات، و03 مفتشين عن سلك التعليم، و07 مدراء مؤسسات تعليمية (03 مدراء عن السلك الإبتدائي، و01 عن سلك الإعدادي، و03 عن السلك الثانوي التأهيلي)، فيما قاطعه جميع أطر التوجيه، فيما شملت لائحة المقاطعين الشركاء الإجتماعيين، ورئيس فيدرالية جمعية الآباء، وأرباب المؤسسات الخصوصية. فيما أشهر رجال الأعمال والأعيان ورقة المقاطعة، في مقابل دعمهم بشكل قوي لحفلات التميز المنظمة على مستوى الجماعات، ونذكر على سبيل المثال الدعم القوي لحفل التميز المنظم بجماعة وجان من قبل كبير رجال الأعمال بتيزنيت، وهو دعم لا يختلف عما قدمه رجل أعمال شاب من الصف الأول من أولاد جرار، ممن قاطعوا الحفل الإقليمي للتميز، لصالح تقديم دعم منقطع النظير لحفل التميز المنظم بجماعة الرگادة، وهو ما ينطبق على حفل التميز بجماعة رسموكة، وتافراوت، وتيغمي…
وأوضحت الخبير بن دبو أن الحفل الإقليمي للتميز بتيزنيت كارثة، ومنزلق خطير، دق ناقوس الخطر، الذي يهدد ماتبقى من مقومات المنظومة التربوية، عنوانه العريض تكريس التمييز بين المتعلمين، وإقبار مبدأ تكافؤ الفرص. وأبرز أن غياب الشفافية في تدبير ميزانية هذا الحفل، خصوصا الشق المالي الذي جمع من رجال الأعمال والأعيان، دفع هذه العينة التي فهمت خبايا اللعبة لإشهار ورقة المقاطعة، كما أنه يخفي خطرا أعظما يهدد المنظومة التعليمية، خصوصا أن مديرة أكاديمية سوس-ماسة أولت عناية خاصة لمختلف التظاهرات التربوية، وخصصت ميزانية معقولة، ومحترمة لتنظيم حفل الإقليمي للتميز، وهو ما دفع المختصين للستاؤل عن الدوافع الحقيقة لتوريط موظفي المديرية الإقليمية بتيزنيت في حملات واسعة لجمع تبرعات الإحسان العمومي خارج إطارها القانوني.
وأكدا الخبير بن دبو أن الفضائح والاخفاقات المسجلة في الحفل الإقليمي للتميز، هي سبب تنطع كل من المدير الإقليمي للتعليم بتزنيت ورئيس المجلس الإقليمي، لتقديم هدية للسيدة مديرة الأكاديمية. وهي حركة مخالفة لأهداف، وسياق الحفل الجهوي للتميز، وغير منسجمة مع أناقة هذا الحفل الذي أبهر الحضور، وسحر المسؤولين الجهويين، وعلى رأسهم والي جهة سوس-ماسة سعيد أمزازي، فيما تسببت الحركة النشاز للمدير الإقليمي لتيزنيت في بلبلة الحفل، الذي سرعان ما أعاد منظموه ضبط إيقاعه، وهو ما أثار حفيظة الحاضرين، وعلى رأسهم المدراء الإقليميون، الذين فهموا، واستنكروا ما تخفيه هذه الحركة وما تداريه.
وعلقت مصادر نقابية عن الحادث بالقول أن فشل تنظيم حفل التميز بتيزنيت كسف للرأي العام المحلي، والوطني، انعدام الحكامة في تدبير مرفق التعليم بتيزنيت، مايستدعي التحرك السريع لوزارة بن موسى، والتدخل العاجل لأكاديمية سوس-ماسة، بداية بفتح تحقيق معمق في تدبير العديد من العمليات، وعلى رأسها ماسجل من محسوبية في تدبير الموارد البشرية، وما عرفه صرف العديد من الميزانيات، وعلى رأسها ميزانية حفل التميز، والتعويضات التي تخضع للسلطة التقديرية للمدير الإقليمي، وفي مقدمتها تعويضات التحفيز، التي توزع خارج مبدأ الاستحقاق والمردودية، وتخضع لمنطق التبعية، والمولاة، إسوة بالتعويضات التي يصرفها المركز الإقليمي للامتحانات، ومشاكل تعثر البنايات، وما تعيشه البرامج التحويلية لخارطة الطريق 2022-2026 من جمود.