متابعة
ذكرت صحيفة “لوموند” أن رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، قام بتعيين مسؤول إداري وموظفين سابقين في شركته القابضة على رأس وزارات وهيئة وطنية. وأضافت أنه “قبيل أقل من عامين من الانتخابات التشريعية المقبلة، تعيد هذه التعيينات إثارة المخاوف بشأن تزايد نفوذ الأوليغارشية في الحياة السياسية”.
وأشارت الصحيفة الباريسية إلى انه “كان من غير المعتاد، على أقل تقدير، سماع القناة التلفزية الأولى المغربية تنطق اسم محمد سعد برادة، عندما أذيعت صور استقبال محمد السادس، بالقصر الملكي بالرباط، لأعضاء الحكومة الجدد. وأضافت: “أثناء سيره نحو الملك الواقف في غرفة العرش، أحنى وزير التعليم الجديد رأسه عدة مرات، ووجهه متوتر، قبل أن يقبل ذراع الملك الأيمن”.
ومن خلال منصبه، يقدم برادة صورة غير تقليديةّ؛ فهو رجل أعمال جمع ثروته من صناعة الحلويات والشوكولاتة. وتصفه صحيفة “ميديا24” بأنه “اللغز الكبير للتعديل الوزاري”. ولم يكن مسؤولًا منتخبًا ولا موظفًا حكوميًا كبيرًا، وليس لديه خبرة في الشؤون العامة ولم يسبق له التدريس، ولم يكن هناك شيء في حياته المهنية يؤهله لمنصبه الجديد. وتستدرك لوموند: “إلا أن هذه الشخصية غير المعروفة هي صديق مقرب لرئيس الحكومة عزيز أخنوش”. ويقول مدير إحدى الشركات الكبيرة: “لقد عرف الاثنان بعضهما البعض منذ الثمانينيات”.
وأفاد مقال مراسل “لوموند” من المغرب، أن الصحف ركزت بشكل خاص على المنصب الذي يشغله برادة منذ عام 2019 في مجلس إدارة شركة “أفريقيا غاز”، وهي فرع من مجموعة “أكوا” القابضة، التي تملكها عائلة أخنوش. “حيث سلط التعديل الوزاري الضوء على الروابط التي تربط هذا التكتل الاقتصادي، الذي ينشط في مجالات الطاقة والسياحة والإعلام، مع جزء من الطبقة الحاكمة في المغرب”، يضيف المقال.
خطر “النهايات الزبائنية”
وأوضحت “لوموند” أن هذه القربى تتجلى بشكل أوضح في حالة أمين التهراوي، وزير الصحة الحالي. مشيرة إلى أنه “كان من كبار المسؤولين في “أكوا”، وعمل حتى مع سلوى أخنوش، زوجة الملياردير”. وقالت الصحيفة إن “هذه السيدة الرائدة في مجال المراكز التجارية، قامت بإدخال مجموعات عالمية كبيرة إلى المغرب، مثل LVMH وInditex، بفضل اتفاقيات الامتياز”.
وأبرز المقال، أن ظاهرة تعيين موظفين سابقين أو شخصيات مرتبطة بـ “أنشطة” الزوجين، تظهر بوضوح على مستوى غير مسبوق في الحكومة. مشيرا إلى أن “هذا ينطبق أيضًا في تعيين وفاء جمالي على رأس وكالة الوطنية للدعم الاجتماعي، بعد عملها في “أكوا”، أصبحت الآن المسؤولة عن أكثر من ملياري أورو من المساعدات الموجهة للفئات الأكثر ضعفا”.
ويلاحظ الخبير في الشأن السياسي محمد مدني أن “الوكالة يستفيد منها أربعة ملايين أسرة، لذا فإن دورها استراتيجي. لكن مع اقتراب الانتخابات التشريعية بعد أقل من عامين، فإن خطر استخدام هذه الهيئة لأغراض زبائنية كبير”، ثم يضيف أنه “وبالنظر إلى هذا الاستحقاق الانتخابي، فإن رئيس الحكومة ربما يحتاج إلى الموالين أكثر من حاجته إلى الأشخاص الأكفاء”.
استحواذ عشيرة أخنوش على السلطة التنفيذية
لم يكن هناك ما هو أكثر من ذلك لتندد المعارضة بـ “استحواذ عشيرة أخنوش على السلطة التنفيذية” ورأت في هذا التعديل الوزاري انحرافًا عن مكتسبات “الربيع العربي ” لعام 2011، إذ كان المتظاهرون قد اتهموا آنذاك التواطؤ بين النخب السياسية والاقتصادية. وأشار صاحب المقال، ألكسندر أوبلان، إلى أن القصر الملكي، تحت الضغط، وافق أخيرًا على إدراج دور السلطات العامة في الدستور للحد من الجرائم المالية، إلا أن هذا التعديل لم يغير من التصور العام حول الفساد، بل على العكس، تفاقم الوضع في 2023، وفقًا للهيئة المكلفة بمكافحته.
وأضاف أوبلان أن الحكومة، بعد ثلاث سنوات من ممارسة السلطة، تواجه صعوبة في الوفاء بوعودها، مع ارتفاع معدل البطالة وأحد أعلى مستويات مديونية الأسر في إفريقيا. وأشار إلى أن استطلاعًا نشرته شركة “سونيرجيا” في نونبر كشف أن 83 بالمائة من المغاربة يرون أن تكلفة المعيشة قد زادت في الربع الأخير.
ونبه المقال إلى أن “بذور الأزمة الاجتماعية” التي أشار إليها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في 2011 ما زالت موجودة، بل وتفاقمت، حسب بيانات المندوبية السامية للتخطيط. وأفاد أن التوترات قد امتدت إلى الأجهزة الأمنية، حيث تحدث العديد من المراقبين عن وجود “صراع” بين هذه الأجهزة و “الأوليغارشية” التي يمثلها عزيز أخنوش. وذكر أن علاقته مع وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت تعتبر “سيئة للغاية”، كما يقول مصدر سياسي.
الصفقة الكبرى
وتناقش الصحيفة سيناريو ترشح عزيز أخنوش لولاية ثانية في 2026، حيث تتوقع أنه قد يواجه رفضًا شعبيًا، على غرار المقاطعة ضد غلاء المعيشة التي استهدفت في 2018 شركة أفريقيا التابعة لإمبراطوريته، والتي تعتبر الشركة الرائدة في توزيع الوقود في المغرب. ووفقًا لتوقعات الصحفي والباحث السياسي عبد الله الترابي، “إلا إذا تمكن حزب العدالة والتنمية من التعافي، وهو أمر يبدو غير محتمل، فإننا سنشهد منافسة بين حزب التجمع الوطني للأحرار والحزبين الآخرين في الحكومة، وهما حزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال”.
كما حدث في 2021، فإن “السوق الكبير” للشخصيات البارزة، الذين يعرفهم الناس محليًا ولديهم روابط وموارد لتنظيم الحملات الانتخابية، سيؤثر قريبًا على الساحة السياسية. وأشار مركز الأبحاث المغربي “طفرة” في عام 2016 إلى “الصعود السريع” لهؤلاء رجال الأعمال، حيث ارتفعت حصتهم في مجلس النواب من 15 بالمائة في عام 2002 إلى 25 بالمائة في عام 2007، وهي فترة تزامنت مع وصول محمد السادس إلى العرش.