مارك مارسيانو: فنان مغربي أندلسي يجمع بين الثقافتين العربية والعبرية

بعد غياب دام أكثر من 20 عامًا، عاد الفنان المغربي اليهودي الأندلسي مارك مارسيانو إلى الساحة الفنية المغربية، ليأسر القلوب من جديد بأدائه المميز خلال مشاركته في النسخة الأخيرة من مهرجان الأندلسيات الأطلسية بمدينة الصويرة. وُلد مارك مارسيانو بمدينة وجدة وسط أسرة عريقة متجذرة في التراث الأندلسي، حيث تمتد أصوله إلى مدينة مورسيا الإسبانية، التي هاجر منها أجداده إلى دبدو ثم إلى وجدة، وصولًا إلى الرباط.

البدايات: حب الأندلسيات منذ الطفولة

منذ سن الخامسة أو السادسة، اكتشف مارك مارسيانو عشقه للموسيقى الأندلسية في أجواء روحانية بالكنيس، حيث تعرّف على الألحان المميزة لموسيقى “الآلة”. هذه اللحظات شكّلت الشرارة الأولى لعلاقته العميقة بالتراث الموسيقي الأندلسي. في عام 1982، سمع لأول مرة أغنية “بنت بلادي” للمبدع الراحل عبد الصادق شقارة، التي تركت أثرًا بالغًا في نفسه وألهمته ليصبح أحد رموز هذا الفن الراقي.

20 عامًا من الغياب: الأولوية للعائلة

رغم عشقه العميق للفن، قرر مارسيانو التفرغ لعائلته وأطفاله خلال عقدين من الزمن، معتبرًا أن الأسرة هي الركيزة الأولى في حياته. ومع ذلك، لم ينطفئ شغفه بالموسيقى، بل عاد بعد سنوات محمّلًا بالنضج الفني والعمق العاطفي الذي انعكس جليًا في صوته وأدائه.

العودة إلى الصويرة: ولادة فنية جديدة

يصف مارك مارسيانو مشاركته في مهرجان الأندلسيات الأطلسية بالصويرة بأنها تجربة استثنائية، حيث قال:”لقد كان شرفًا كبيرًا لي أن أشارك في هذا المهرجان الفريد من نوعه، الذي يُعد رمزًا للتعايش والسلام بين الثقافات. أود أن أشكر جلالة الملك محمد السادس والسيد أندري أزولاي على دعمهما لهذا المهرجان الذي يعكس قيم التعايش المغربي عبر التاريخ”.

مارك لم يخفِ امتنانه لأوركسترا الأستاذ عمر المتيوي من طنجة، الذي احتضنه بكل حب وتقدير، مما جعل الأداء الجماعي تجربة سلسة ومتكاملة.

مشروع الأنطولوجيا الأندلسية: جسر بين العربية والعبرية

من بين أبرز مشاريع مارسيانو الفنية، مشروعه الطموح لإنشاء أنطولوجيا للموسيقى الأندلسية تجمع بين اللغتين العربية والعبرية. بدأ هذا المشروع عام 2001، ولكن نظرًا لانشغالاته العائلية، توقف العمل عليه لفترة طويلة. اليوم، يسعى مارك لاستكمال هذا المشروع الذي يهدف إلى توثيق التراث الموسيقي الأندلسي بكل أشكاله، بما في ذلك الآلة، الغرناطي، الملحون، وحتى الجبلي والشغوري.

الرؤية المستقبلية: الترويج للتراث المغربي عالميًا

يحلم مارسيانو بنشر الموسيقى الأندلسية المغربية عالميًا، وخاصة بين الأجيال الشابة. ويعتقد أن تعريف الجمهور العام بالأجزاء الإيقاعية الأكثر حيوية من موسيقى الآلة يمكن أن يكون مدخلًا لفهم واستيعاب هذا التراث العريق.

كما يدعو إلى تسجيل موسيقى “الآلة الأندلسية المغربية” ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي لمنظمة اليونسكو، بشكل مستقل، بعيدًا عن التصنيفات العامة للموسيقى “العربية الأندلسية”، لإبراز الهوية المغربية لهذا الفن.

مارسيانو: فنان للسلام والتعايش

يرى مارك مارسيانو أن الموسيقى هي لغة عالمية قادرة على تقريب الشعوب ونشر قيم التسامح والسلام. وهو يعتبر أن المزج بين اللغتين العربية والعبرية في أدائه رسالة فنية تحمل دعوة للتعايش بين الثقافات، مستلهمًا الإرث التاريخي المشترك الذي يجمعهما.

«الموسيقى الأندلسية ليست مجرد ألحان، بل هي ذاكرة حية تحمل روح التعايش والحب والسلام. ومن خلالها، نستطيع بناء جسور من التفاهم بين الشعوب»، يقول مارسيانو.

بعودته القوية للساحة الفنية، يثبت مارك مارسيانو أن الموسيقى الأندلسية ما زالت حية نابضة، قادرة على التكيف مع العصر مع الحفاظ على هويتها الأصيلة، ليظل صوتًا فريدًا يجمع بين التراث والابتكار في آنٍ واحد

أترك تعليقا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *