” الفراقشية ” وحكومة المونديال

حقائق24

حتى و إن كان جائزا قياسا إلى النظام الداخلي لمجلس النواب أن تتشكل لجنتان لإضفاء النور و الشفافية على ما يلف “ملف الفراقشية ” من تعتيم و غموض، فإن رد الأغلبية الحكومية بـ” لجنة استطلاعية” على ” لجنة تقصي الحقائق” التي طالبت بها المعارضة يشكل فعلا سياسيا صرفا، و لا مجال، يمكن أن تتيحه التأويلات، لأي سجال يدفع بـ” سردية الحق الدستوري” إلى الواجهة.

لنعترف فقط أن ” قضية الفراقشية” قضية سياسية في الأصل و الجذور، و قد ظلت تفاصيلها حبيسة الصدر الحكومي و ثلة من المنتفعين من سخاء بلا مقابل. حتى قيضت سخرية أقدارنا السياسية لسان الأمين العام لحزب الاستقلال ثالث أضلاع الأغلبية الحكومية، ليكشف و بدون عظم، أن ” الفراقشية” استقطروا من ضرع المال العام ازيد من 13 مليار (منيااار ينطح منياااار ).فكان أن خرجت الفضيحة من داخل الأغلبية الحكومية، صادمة، قوية النبرة عارية من المساحيق مستلهمة خطابا نضاليا يصطف إلى جانب الشعب غير عابئ بأي اعتبارات حكومية.

و مثل النار في الهشيم تحولت كلمات الأمين العام لحزب الاستقلال ، مع رياح مواقع التواصل الاجتماعي، بأسرع من صعقة كهرباء، إلى نار نفخت فيها المعارضة كي تتوهج أكثر و نفخت عليها الأغلبية كي تخمد و يخمد معها السخط و الغضب المهيمنان على ” الراي العام”. و باتت فضيحة تلاحق الحكومة التي لا يظهر أن رد فعلها سياسيا كفيل بتمتيعها بأدنى الرهانات على محو آثار ما عادت في حاجة سوى لجراحة عميقة و عاجلة داخل الجسم للحكومي.

إن ما يجول اليوم في أفق كل مسؤول حزبي أو حكومي هو ” حكومة المونديال” و شواهد انطلاق اللهاث خلف بريق كراسيها ماثلة للعيان، بينة واضحة المعالم في ” حرب المواقع” التي تخوضها أحزاب الأغلبية ضد بعضها، فضلا عن حربها ضد المعارضة البرلمانية و غير البرلمانية، إلا بم يمكن تفسير خروج الأصالة و المعاصرة لإعلان ثقته في تصدر نتائج الانتخابات المقبلة، كما قالت السيدة فاطمة المنصوري، أو خروج عدد من منتسبي التجمع الوطني للأحرار للقول بذلك أيضا، و الشأن نفسه صدر عن حزب الاستقلال؟.

إن اللجنة الاستطلاعية التي ركض نحوها جموح حزب الحصان و حزب المرحوم أرسلان المحسوبين على المعارضة، من أجل تعزيز موقف أغلبية تملك روح مجلس النواب عدديا هي لجنة مهما اشتغلت و مهما اجتهدت في أداء مهامها، فلن يكون لها أي أثر و لا تأثير يذكر، عكس لجنة تقضي الحقائق الي يمكن أن يكون تقريرها منفذا مباشرا نحو القضاء لتنزيل مبدا ربط المسؤولية بالمحاسبة و هو ما يعني، سياسيا، سقوط الأقنعة و كشف أسماء و صفات المستفيدين و انتماءاتهم الحزبية و وضع الرأي العام الوطني أما حقيقة من استغلوا مناصبهم الحكومية لتحقيق منافع جمة لفائدة الاتباع و المريدين، على حساب المواطنين الذين باسم دعم قدرتهم الشرائية المنهارة جراء الزيادات المتوالية في الأسعار، تم منح ما اصطلح على تسميته بالدعم لثلة من المحظيين المحظوطين الذي وزعوا الغنيمة فيما بينهم، و فضحتهم المبادرة الملكية التي التمس جلالته من خلالها عدم ” القيام بشعيرة ذبح الاضحية خلال عيد الأضحى الذي اصبح موعده وشيكا.

لا يمكن فصل ما قامت به الأغلبية الحكومية عن الممارسة السياسية فالرد بتشكيل لجنة استطلاعية سلوك ليس اقتصاديا و لا هو بالاجتماعي، و لا ينفك أن يكون سياسيا مهما حاول جهابدة الأغلبية، بيد أن نزوع المعارضة إلى تشكيل لجنة تقصي الحقائق، يتخذ أيضا تمظهرات سياسية كشفتها عنتريات عدد من زعماء المعارضة التي أصبحت تراهن بقوة على كشف آفاعيل ” الفراقشية” لكسب مزيد من النقط في سبورة النتائج على حساب تراجع حصيلة الأحزاب المتكتلة في اغلبية لها من القوة العددية ما يحصنها مثلا من تقديم “ملتمس الرقابة” لإسقاطها أو اتخاذ أية خطوة أخرى لتحقيق هذا الهدف البعيد.

لكل من المعسكرين المتناحرين سياسيا أن يمارس السياسة من منظوره الخاص، و داخل المعسكرين لكل حزب أن ينافس بأسلوبه و آليات اشتغاله الميداني على ريادة المشهد السياسي في انتخابات مازالت طريقة تنظيمها موضوع جدل. و في سياق هذا الزخم كله تبدو المعارضة معارضة باستثناء حزب الحصان و حزب المرحوم أرسلان، و تبدو الأغلبية أغلبية باستثناء حزب الاستقلال الذي فجر الفضيحة أمينه العام نزار البركة، و ها هو يواجه ضغوطا من داخل حزبه للانضمام إلى لجنة تقصي الحقائق، المشكلة من طرف المعارضة بدل الاصطفاف الطبيعي إلى جانب حلفائه في الحكومة. وهو أن استجاب و خضع لهاته الضغوطات فسيكون كمن وضع رجله خارج الحكومة، في انتظار أن يسحب قدميه معا، و يعيد مع حكومة الليبيراليين التي يرأسها أخنوش تجربة الانسحاب من حكومة الإسلاميين التي كان يقودها عبد الإله بنكيران.

إن المعاملة بـ” الند” كما يمارسها الأمين العام لحزب الاستقلال في مواجهة حزبي التجمع الوطني للأحرار و الاصالة و المعاصرة دفعت نزار بركة إلى ترويج صور له و هو يتأبط علبة من الورق المقوى ” كارطونة” محملة بالمساعدات كرد على “قفة” جمعية جود التي تعتبر بمثابة جناح خيري لحزب الاحرار، الفرق بين الاستقلال و الأحرار هنا هو أن جود أفتضح امرها عندما تم ضبط شاحنة تابعة للجماعة بالقرب من مسكن الناطق الرسمي باسم الحكومة، أما ” كراطن” الاستقلال فقد جرى تسويق صورها طواعية و لم يترصدها أحد. و لهذا يقال اليوم في الصالونات السياسية إن حنينا متناميا أصبح يتقوى داخل دهاليز الاستقلال توقا إلى ممارسة المعارضة و لو على الأقل فيما بقي من عمر الحكومة.

و عموما فإن إدخال شعبان في رمضان بالطريقة التي قامت بها أحزاب الأغلبية التي حشرت لجنتها متواضعة السلطات و الاختصاصات في مواجهة لجنة تقصي الحقائق، تكفي عنوانا للتخبط الذي تعيشه حكومة أخنوش، بل تكفي كمؤشر واضح على طبيعة العمل السياسي في الزمن المغربي الراهن، و تجيب على ذلك السؤال الرهيب الذي يستفهم عن المكانة الحقيقة للمواطن في قلب هذه المعمعة التي بات صوتها مسموعا في غياب معمعة ” الحولي”: الغائب الكبير في عيد ربما يكون صغيرا هذه السنة بفعل صغائر الحكومة و زبنائها من ” الفراقشية” الذين حتى و إن نجحت في التستر على أسمائهم، و بذلت جهودا خارقة للتستر على أسمائهم و علاقاتهم بأحزابها، و أفلحت في تجنيبهم المتابعة القضائية، فلن تسلم بعد من وصمة العار في نظر قطاع كبير من الرأي العام مادامت “الفضيحة تابثة و الصواب يكون” حيث تباغثنا مفارقات حزب الاستقلال الذي فجر الفضيحة، ثم ها هو في آخر بيانات لحنته التنفيذية يثني على الأداء الحكومي.

أترك تعليقا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *