دراسة: الأحزاب السياسية المغربية : من أحضان الشعب إلى أحضان الدولة

حقائق24

ذ: محمد بادرة

 

ان الاختراق العنيف للرأسمالية الاستعمارية في دول المغرب العربي –خلال الربع الأول من القرن العشرين- كان سببا في ظهور وتطور الحركة العمالية في قطاعات المناجم والنقل والموانئ ,وكان لهذا الغزو الاستعماري العنيف و الرأسمالي الجشع تأثير مزلزلا على البنية الاجتماعية الإقطاعية المحلية السائدة في مرحلة ما قبل  الاحتلال لان سياسة القوى الاستعمارية كانت تبنى على أساس تحقيق مصالحها الاقتصادية وعلى رأسها استنزاف الخيرات الوطنية من المعادن والمنتجات الفلاحية مع توطين المعمرين ونزع الأراضي الصالحة للزراعة من أصحابها وإقامة المشاريع ذات المر دودية الاقتصادية السريعة,,,,, كل ذالك نتج عنه ظهور فئة اجتماعية جديدة مكونة من العمال والمستخدمين فاضطر هؤلاء إلى تنظيم أنفسهم في نقابات عمالية بعد أن تبلور وعيهم الطبقي من خلال الصراع اليومي مع الاستعمار وأذنابه ومؤسساته ومن ثم بدا دورهم السياسي مكملا لدورهم النقابي في الحركة الوطنية المناهضة للوجود الاستعماري الأوربي.

 

أي بداية للوعي السياسي

لقد لعب الوعي السياسي الناجم عن الصراع مع القوى الاستعمارية في دفع العناصر الوطنية الواعية إلى البدء في إقامة عدد من التكوينات والتنظيمات السياسية بدءا من حزب الدفاع عن المطالب إلى كتلة العمل الوطني وصولا إلى تأسيس حزب الاستقلال  وهكذا (ورغم السياسة القمعية التي مارستها سلطات الحماية في خنق الحريات العامة فان ذالك لم يمنع من إنشاء الجمعيات وإصدار الصحف وتكوين الأحزاب ,,,,,,ورغم أن هذه النشاطات والتنظيمات كانت مقتصرة في البداية على المعمرين والأجانب فانه سرعان ما سيتم استغلالها من طرف النخب المحلية التي ستوظفها كسلاح ضد سلطات الحماية لذا فقد وجدت هذه الأخيرة نفسها أمام مفارقة سياسية خطيرة تتمثل في التوجيه ألقسري لنظام الحماية والجوهر الديمقراطي المرتبط بطبيعة الإصلاحات التي تم إدخالها ,,,,,,,وهذه المفارقة هي نفسها التي ستواجه المؤسسة المخزنية  بعيد الاستقلال إذ وجدت المؤسسة المخزنية أمامها مؤسسات تنافسها في احتكارها للسلطة السياسية كالمؤسسة الحزبية ,,,,,,ومن تم لجأت المؤسسة المخزنية إلى ضرب كل المقومات الأساسية التي يمكن أن تجعل من هذه التنظيمات مؤسسات مستقلة سياسيا وذالك من خلال تدجينها ,,,,,,)

 

نسق ونظام السلطة السياسية

 

أورد الباحث محمد شقير في كتابه تطور الدولة في المغرب في  قراءته السياسية التاريخية لنسق ونظام السلطة السياسية في المغرب وأشار إلى أن المؤسسة الملكية واجهت في بداية الاستقلال طموح حزب الاستقلال في أن يلعب دورا محوريا في حكم البلاد ولذا تخوفت المؤسسة الملكية من هذا الطموح السياسي الزائد ليس لان حزب الاستقلال يريد أن يزاحمها في تفردها بالسلطة  بل لان حزب الاستقلال يختزن في داخله بذور مؤسسة للحكم لذا فعندما واجهت المؤسسة الملكية حزب الاستقلال لم تواجهه كمنافس سياسي فقط بل واجهت من خلاله كل فكرة حزبية تختزن مضمونا سياسيا مغايرا لممارسة الحكم ومنظورا مختلفا لتطور السلطة

تنامي واتساع نفوذ الاستقلال

هكذا بعد إحساس السلطة الحاكمة بتنامي واتساع نفوذ حزبي الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية وامتلاكهما لأدوات التعبئة والإقناع واكتساحهما للانتخابات البرلمانية الأولى وتفريخ نخب جديدة ….أحست السلطة المخزنية أنها مهددة  في وجودها السياسي والسلطوي  لذا لجأت إلى الهجوم العنيف على الأحزاب الوطنية عبر الاعتقالات والتهجير ألقسري والنفي والحصار على المقرات والتشريد والتعذيب ….غير أن اكبر عملية انقلاب سياسية هي تلك التي تعرضت لها حكومة عبد الله إبراهيم التي أسقطت ونسفت واعتقل عدد من قادتها من الحركة الوطنية ومن مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.

إزاحة المؤسسة الحزبية عن تدبير الشان العام

بعد إحساس السلطة المخزنية بقوة المشروع السياسي الذي تطرحه القوى التقدمية في حكومة عبدا لله إبراهيم لبناء دولة وطنية ديمقراطية كبديل وطني تقدمي لإدارة المخزن التي انبعتت من جديد بعد الاستقلال لجا الحكم إلى إقالة حكومة عبد الله إبراهيم في 20مايو 1960بدون مبرر مقبول (وكان التفسير الوحيد المقدم لذالك الإعفاء هو أن هذه الحكومة طال بقاؤها أكثر مما كان قد قدره خصومها سلفا ……فقد هاجت البورجوازية وثارت ثائرتها ضد الإجراءات المطبقة على مستوى الصناعة والتجارة الخارجية والعملة  والقرض…..)_مذكرات ع-الرحيم بوعبيد

هكذا تحولت الحياة السياسية من دائرة الأحزاب إلى دوائر المخزن بمختلف تجلياته السلطوية وفي هذا السياق أوضح (زارتمان )كيف استطاعت المؤسسة الملكية السيطرة على مختلف الوسائل المادية(-عسكرية وإدارية)- للسلطة السياسية,وحتى التعاقب الحكومي والحزبي الذي عرفه مغرب بداية الاستقلال رأى فيه زارتمان اليد الخفية التي كانت تحرك اللعبة السياسية للعمل على تقليص دور الحزب المهيمن وزاد (زارتمان )في تحليله ليؤكد أن (مركز الحياة السياسية قد تحول منذ1960 من دائرة الأحزاب إلى الدوائر العليا للدولة والجهات البيروقراطية……..)            محمد بردوز_المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسية_العدد:11-12/1990 ص:80-81/1990 ص:80- 81      

واستطاعت السلطة المخزنية  من تطهير مراكز القرار في تدبير الشأن العام محليا و جهويا ومركزيا من كل العناصر الوطنية المشبعة بالفكر الحزبي التقدمي وخصوصا العناصر المنتسبة لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية مستخدمة آليات التطويع القمعي وبيداغوجية التجويع الاجتماعي وسياسة التفريخ والتمييع الحزبي مع ترويع المجتمع ونخبه السياسية   عبر تقوية سلطة المخزن الإدارية والاقتصادية والأمنية وكل هذا لآجل خلق صورة قوية للنظام ألمخزني حتى تحل محل سلطة الأحزاب (إن المتتبع لسلوكيات ورؤى الإنسان المغربي في مغرب الاستقلال يسهل عليه القول بان هناك –مخزنة للمجتمع المدني- وهاته  خلاصة منطقية مادام أن الإنسان المغربي يتمثل المخزن كقوة ويسعى إلى التماهي معه عبرا لاحتماء به ….وفي المغرب غالبا ما يتم التعامل مع الأحزاب بمعيار مدى تمتعها برضي المخزن من عدمه فرضي المخزن وحده يجعل من الحزب بين عشية وضحاها قوة كبرى ,,,,ويكفي أن يعتقد الناس أن المخزن تخلى عن رئيس الحزب ليبتعدوا عنه,,,,)    محمد ظريف –المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي –عدد:5-1988-ص:94

 

هذا التطرف المخزني اللامحدود في بطشه وسلطته وقمعه انتقل إلى مستوى بنيوي في اللاشعور الجمعي المغربي وتمظهر في الممتلكات الرمزية كالثقافة الشعبية الشفوية للإنسان المغربي البسيط التي تزكي هذا الحجم المخيف من خلال المقولة الشهيرة (ثلاثة أشياء يجب أن يأخذ الإنسان حذره منها : (النار والبحر والمخزن )لكن إرادة وقوة المناضلين ورجال الحركة الوطنية والديمقراطية كانت أقوى من سياط الجلادين ومخافر المخابرات السرية  فتابعوا مسيرتهم لتخليص المغرب من التبعية الاقتصادية والسياسية والثقافية لتحقيق دولة الحق والقانون  أو دولة المؤسسات كما ورد ذكرها في وثيقة 11يناير 1944 فحصلت احتجاجات وانتفاضات وتمرد قادها رموز من الحركة الوطنية وقيادات شبابية من الأحزاب اليسارية الراديكالية ومثقفين عضويين وطلبة الجامعات وقادتهم  من الاتحاد الوطني لطلبة المغرب إضافة إلى جيوش من المواطنين المؤمنين بحتمية الانتصار على القمع والاستبداد ومن جهتها ردت السلطات المخزنية والأجهزة القمعية البوليسية بمزيد من القمع والاعتقال وفرض قوانين الاستثناء  وظهير -كل ما من شانه –مع فرض حالة الطوارئ والاستثناء ,,,,فكانت هذه السنوات (59-60-62-63-65-,,,71-73-79-81 ,,——)كلها سنوات الجمر والرصاص قادها الجنرال اوفقير  وتلميذه الدليمي ومريدهما البصري لكن صمود المناضلين  الأوفياء للمشروع المجتمعي التقدمي  وثبات المثقفين الثوريين على  الموقف الصامد ضد الظلم والاستبداد دفعت الحكم إلى اتخاذ بعض المبادرات لخلق انفراج سياسي من قبيل:

-إطلاق سراح المعتقلين السياسيين من تيارات يسارية مختلفة وأفراد من الأجهزة الأمنية المتعاطفة مع هذه التيارات الراديكالية

-رجوع المنفيين (محمد بن سعيد ايت ايدر-ع _الرحمان اليوسفي –محمد الفقيه البصري ………)

-تعديل الدستور مرارا لإرضاء المعارضة الديمقراطية مع التمهيد لتشكيل حكومة التناوب السياسي

-تكوين هيئة الإنصاف والمصالحة وتأسيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ,,,,,,,,,

بعد هذا المد النضالي المستميت للأحزاب الوطنية الديمقراطية وخصوصا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية توارت هذه الأحزاب عن قيادة الاحتجاجات الاجتماعية وإخلاء الشارع العام لتختار سياسة النضال الديمقراطي داخل المؤسسات  الدستورية وبذالك  أدار ت ظهرها للصراع مع الحكم بشكل مباشر وأسكتت أصوات الاحتجاج في الشارع لتطلق العنان للخطابة السياسية على ميكروفونات البرلمان أوفي المنتديات والمؤتمرات مع تدبيج المذكرات المطالبة بتعديل فقرات  وفصول من الدستور

هذا التحول المنهجي في ديداكتيكية التعامل مع الشأن السياسي العام يرجعه بعض الباحثين والمختصين وأطباء التشريح الحزبي إلى جملة من الاعتلالات البنيوية التي نخرت الجسم الحزبي بعد أن غيرت هذه الأحزاب أسلوب المواجهة بأسلوب المهادنة وأخلت  شوارع الاحتجاج لتركن  إلى تبني أسلوب كتابة المذكرات .

مؤسسات حزبية على إيقاع أزمة داخلية

 

إن المؤسسة الحزبية المغربية تعيش أزمة داخلية تتداخل في تفسيرها أسباب ذاتية وأخرى موضوعية تعكس في العمق أزمة الدولة والمجتمع وبالتالي خلق حالة انحصار واختناق لمسلسل الانتقال الديمقراطي

إن الأسباب الذاتية ترجع بالأساس إلى الآليات التنظيمية التقليدية التي عجزت عن خلق نظام فاعل  لإدارة وتدبير المؤسسة الحزبية  كما أن هذه الهياكل التنظيمية الجامدة غير قادرة على استيعاب الاختلافات والتناقضات الاجتماعية والاقتصادية و المصالحية  بين  كل المنتسبين للمؤسسة الحزبية (عمال _موظفون _ مقاولون _تجار _ طلبة  _عاطلون )كما فشلت هذه المؤسسات الحزبية في الاعتراف بالتيارات السياسية الفاعلة داخلها وبالتالي فشلت في إنتاج نخب سياسية جديدة بإمكانها أن تعوض  النخب التقليدية  وفشلت أيضا  في إيجاد قواعد وضوابط  للتداول  على القيادة الحزبية  بعدما فشلت  في وضع برامج اجتماعية وإجراءات تطبيقها على ارض الواقع هذا الواقع لم يكن لينتج  إلا واقع البلقنة للمشهد الحزبي  والانشقاقات الحزبية ومن ذالك مثلا لا حصرا :

1سن سياسة تفريخ الأحزاب : بعد أن أحس النظام بضرورة حلحلة  الأوضاع الراكدة  من جراء  الأحداث التي عرفها الشارع المغربي في سنوات 65و72 سن سياسة تفريخ الأحزاب وهي سياسة سابقة لجا إليها المخزن في سنة 1963 حين تأسس حزب جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية وشجع النظام بعض الشخصيات المقربة إليه على إنشاء كيانات حزبية ولو بواسطة التوليد الاصطناعي وبخبرة أطباء العيادة المخزنية وهذا التفريخ الاصطناعي كان الهدف منه الحد من  تأثير ومفعول الأحزاب الوطنية والديمقراطية وخلق واقع التشتت والتشرذم السياسي مع فرملة أو تلجيم كل مد أو اندفاع  لأي كيان حزبي  يتطلع للاستفراد بالسلطة الشعبية  أو يطمح للوصول إلى السلطة التنفيذية  ا وان يطمع للهيمنة على الشام العام والشارع السياسي ,,,,كل ذالك من اجل تشكيل عالم فسيفسائي غير متجانس للحد من اندفاع هذه الأحزاب الجماهيرية (الاتحاد الاشتراكي ) وهكذا ظهرت أحزاب :

-التجمع الوطني للاحرار1977

-الاتحاد الدستوري 1984

-الحركة الشعبية الديمقراطية الاجتماعية1997

واعتمدت السلطة المخزنية على العديد من المعطيات السوسيوثقافية والجغرافية والطبقية لفرض المنطق التشرد مي على التنظيمات الحزبية.

 

التعددية الاثنية والروح الجهوية

تشكل التعددية الاثنية (عرب-امازيغ)والروح الجهوية (الفاسي -ألسوسي:-الدكالي-ألعبدي-…..) من الموروثات السياسية الفاعلة في السلوك والثقافة السياسيتين في المغرب حيث أن المجتمع المغربي كمجتمع مركب يزخر بهذا التنوع مما يؤثر على الثقافة الحزبية و على إيديولوجية الأحزاب رغم انه في فترة الاستعمار بدأت الروح الوطنية تنمو على حساب الروح الجهوية لمواجهة خطر الغزو الاستعماري لكن هذا النمو كان ظرفيا حيث أن ما هو بنيوي في اللاشعور الجمعي المغربي هو الروح الجهوية  بل إن الأحزاب لم تسلم من هذا المحدد الجهوي وكان قد لعبت الزوايا في مغرب  القرن 16 دورا هاما في تكريس الروح الجهوية بل هناك أحزاب ولدت من رحم هذه  الزوايا فلم تستطع الحفاظ على وجودها وتواجدها إلا بفضل اللعب على ورقة الروح الجهوية مثل:

-الحركة الشعبية وهي حركة امازيغية قبل كل شيء

-حزب الاستقلال هو حزب الفاسيين ليس إلا

–الاتحاد الوطني للقوات الشعبية و هو نتاج رفض العناصر السوسية للهيمنة الفاسية

-الحزب الوطني الديمقراطي أنشا لتاطير قبائل عبده و دكالة-

-منظمة العمل الديمقراطي الشعبي أنشا   لتاطير العناصر المسيسة وغير المسيسة  في الجنوب وخاصة في مراكش . محمد ظريف المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي ربيع 1988 ص91

-إن توظيف واستغلال التنوعات المورفولوجية الاجتماعية المغربية والقائمة على تعددية أثنية ولغوية وجهوية لعب دورا في تشكيل هوية وخصوصية الأحزاب وملامحها   ولقد حاول زارتمان أن يبين بان سنة 1959 سجلت زوال التنظيم الحزبي المهيمن الذي يضم مجموعة من جماعات المصالح ليعوض بعدد من التنظيمات وكثرة أحزاب المصالح .        محمد بردوز –المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي –العدد11-12_ 1990 ص:77

حاول أن يقرا هذا التنوع بكثرة الأحزاب المغربية عبر تنوع المورفولوجية الاجتماعية المغربية  وفسر هذه الظاهرة في (أن حزب الاستقلال كان يضم زعماء تقليديين ومتقدمين في السن كان لهم نفوذ في مختلف الحواضر التقليدية والقرى الصغيرة ,,,,,,كما أن الحزب كان يضم تجارا حرفيين وصغار البورجوازيين ,,,,,أي أن حزب الاستقلال كان يمثل الشرائح التقليدية سواء الحضرية منها آو القروية وذالك بزعامة البورجوازية الفاسية )     نفس المرجع السابق –ص:77

أما الاتحاد الوطني للقوات الشعبية  فكان يضم زعماء شبابا لهم أنصار في المدن الصناعية الكبرى بالإضافة إلى عناصر كانت تنتمي إلى حزب الشورى والاستقلال ,,,وأظهرت الانتخابات التشريعية لعام 1963 أن الحزب قد فاز في المدن الساحلية كطنجة و,اكادير ومنطقة نفوذه الرئيسية في اكادير-سوس,كما كسب أصوات صغار الموظفين.

أما الحركة الشعبية ,فان  تماثلت مع الشرائح البربرية الجبلية ,,,وكما مثلت شرائح تقليدية ساخطة وكانت تقيم في مناطق فقيرة لذا فقد تميز سلوكها بارتباطها بالملكية في حين كان انتقادها لحزب الاستقلال وسخطها على البورجوازية الفاسية ويمثل سلوكا سياسيا يضاهي سلوك بلاد السيبة تجاه الحواضر  في المغرب ألمخزني.  -نفس المرجع –ص:77

هذا التباين والتنوع الاجتماعي DIVERSITE SOCIALE  أفضى في مرحلة تاريخية أولى تعدد في مورفولوجية الأحزاب المغربية  :أحزاب قوية بسواعد شبابها ونخبها المدينية ذات النزعة التقدمية(يمثلها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية)– أحزاب عتيدة بقادتها من النخب الجديدة والقديمة في البادية والمدينة تناضل من اجل الدفاع عن مكتسبات الاستقلال  والمحافظة عليها  بأفكار وإيديولوجية محافظة (يمثلها حزب الاستقلال )–أحزاب فتية بنخبها المتجانسة طبقيا وثقافيا وعرقيا(تمثلها الحركة الشعبية) –    وكل هذه الأحزاب تتنوع مصالحها مما يجعلها لأتعرف استقرارا لبوصلتها بين الاقتراب من الحكم أو الابتعاد عنه حسب ما سيجنيه من المصالح والمنافع حتى أن واتربوري رأى أن الأحزاب المغربية رغم تبنيها لمعتقدات إيديولوجية فان السلوك السياسي لمنتسبيها لا يتأثر غالبا بهذا الاعتقاد  ومن ثم يستخلص هذا المؤلف  أن الحزب ألزبوني PARTI DE  CLIENTELLE يشكل احد ثوابت الحياة السياسية المغربية بمعنى أن مثل هذه الأحزاب  لا تقوم على أساس إيديولوجي  وإنما على أساس مصالح مشتركة وهي أحزاب نعتها زارتمان  بأحزاب مصالح PARTI D INTERETS

تباين الهيكلة التنظيمية للأحزاب الوطنية

أثناء نشوء أولى الإرهاصات للظاهرة الحزبية المغربية كانت السلفية هي أول من لقح هذا المولود السياسي  ببعض المبادئ والشعارات  الدعوية وكذا تمرير بعض الآليات التنظيمية التقليدية المستقاة من أساليب الدعوة  مما حول هذه الحركات الدينية إلى تنظيمات سياسية وطنية لمقاومة المشروع الثقافي والسياسي الاستعماري الفرنسي والاسباني(علال الفاسي _عبد الخالق الطر يس_ يلحسن ا لوزاني _المكي الناصري ,,,,,,)كلهم تشبعوا بالسلفية المشرقية وبالثقافة الليبرالية  مما انعكس إيجابا على الأحزاب التي انشأ وها أو ناضلوا في صفوفها كحزبي الاستقلال والشورى والاستقلال  أما البناء التنظيمي والدعوي  لهذه الأحزاب الجنينية  فيقوم على :

-إجبار المنخرطين على القسم على المصحف الكريم

-الانطلاق من المساجد في حركات احتجاجية و قراءة اللطيف

-محاربة الطرقية والتشهير بها بعدما تواطآ البعض منها مع المستعمر

-تأسيس نوادي أدبية وجمعيات ثقافية لمواجهة الحركة الصليبية مع التركيز على الهوية الدينية والقومية  وهكذا بدأت التشكيلات الحزبية تتخذ طابعا سلفيا واضحا  حتى أن هذه التشكيلات الحزبية الجنينية كانت توصف بمسميات خاصة  كالطائفة  والرابطة ويعتقد محمد حسن الوزان  أن سبب استعمال مثل هذه المفردات هو فقط لمغالطة المستعمر الذي لا يسمح بقيام جماعات سياسية  ومن هنا يبدو  أن السلفية قد شكلت النواة العقائدية الرئيسية للتشكيلات الحزبية المغربية سواء من خلال إرهاصاتها المفاهيمية أو التنظيمية الشيء الذي سينعكس حتما على مضمون الظاهرة الحزبية المغربية.

ولقد اختلفت المقاربات  في تفسير وتأويل الوظائف السياسية والأدوار الاجتماعية التي تؤديها الأحزاب في ظل نظام سياسي اجتماعي يستند إلى شرعية تتداخل فيها المرجعية التاريخية بمرجعية المقدس الديني وينبني على علاقات اجتماعية  تحكمها ضوابط تقليدية .

لقد سبق لجون واتربوري في كتابه (أمير المومنين ) أن وقف عند نتيجة مفادها أن التنظيمات الحزبية وعلى غرار السلطة السياسية تشكل امتدادا لأشكال التنظيم الجماعي والقبلي خصوصا في  البعد المتعلق بتحديد الوظائف والأدوار الاجتماعية والبعد الخاص بالاستقطاب و الإدماج السياسي والاجتماعي سواء تعلق الأمر بالسلطة السياسية المجسدة في المؤسسة الملكية أو المؤسسة الحزبية في بعدها العام والشمولي

إن مفهوم الحزب كثيرا ما يتخذ مفهوما سلفيا ويتحرك باليات تنظيمية تقليدية اقرب إلى آليات التنظيم القبلي مما جعل العلاقة السياسية التي تربط بين الأتباع وزعيمهم أشبه بعلاقة الشيخ  مع مريديه ولعل مما يدل على ذالك تلك الممارسات  التنظيمية التي كانت تتم في مختلف الحلقات الحزبية الأولى (القسم على المصحف الكريم –إخفاء السر – عدم المجادلة والايمان المطلق برأي الزعيم – العمل السري -,,,,,,,) إن مفهوم الحزب وتنظيمه يتخذان (مفهوما سلفيا واضحا برز بالخصوص من خلال إحدى تعريفات جريدة العلم للحزب السياسي بحيث رأت أن هدا الأخير هو وسيلة للتدين السياسي والاجتماعي والثقافي …..كما أن الممارسة الحزبية كانت كثيرا ما تتخذ طابعا سلفيا تجسد في عدة مظاهر يمكن إجمالها في إجبار المنخرطين الجدد على القسم على المصحف وممارسة العمل النضالي من خلال اللجوء إلى بعض الممارسات الدينية للاحتجاج وإبداء المعارضة السياسية )    محمد شقير المجلة –م-ع-ج-س-العدد 11/12 -1990 ص60./61 .

نواة عقائدية لتشكيلات حزبية مغربية

يبدو أن السلفية قد شكلت النواة العقائدية الرئيسية للتشكيلات الحزبية المغربية سواء من خلال إرهاصاتها المفاهيمية أو التنظيمية الشيء الذي سينعكس حتما على مضمون الظاهرة الحزبية المغربية

وكان زارتمان في تمييزه بين الأحزاب المغربية يعتمد على تبني معيار الحداثة /التقليد ليخلص إلى وجود أنواع لجماعات المصالح (الأحزاب) داخل المجتمع المغربي منها :

1-جماعة تقليدية محافظة يمثلها حزب الاستقلال

2-جماعة عصرية تقدمية يمثلها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية

3-جماعة تقليدية تقدمية تمثلها الحركة الشعبية

وإذا كانت الأحزاب المحافظة كما ورد سابقا تنهج نهجا سلفيا  في مذهبها وتنظيمها فان الأحزاب المعاصرة قد نهلت من الأحزاب الغربية وخصوصا الفرنسية منها واستمدت النموذج الحزبي الفرنسي الذي استطاع أن يتغلغل في المنظومة السياسية المغربية بل إن الاستعمار كان هو من ساهم في ظهورها رغم الحظر الذي كان مفروطا على النخب المغربية فان ذالك لم يمنع من تاتر هذه النخب والتمرس والإطلاع على التقنيات الحزبية  المستوردة ومن ذالك :

-انبثاق عدد من هذه الأحزاب من الوسط العمالي ومن الحرفيين والمهنيين والموظفين

-انعكاس  هذه الأحزاب للتباينات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية

-اعتمادها على فكرة الدستورانية  كالمطالبة بالإصلاحات السياسية والإدارية والاقتصادية  (الملكية الدستورية)

وهكذا فان اقتباس السياسيين المغاربة لهذا النموذج  الفرنسي قد انعكس كثيرا  على التنظيمات الحزبية المغربية الحديثة سواء منها ما يتعلق بالجوانب التنظيمية كاقتباس نظام الخلية لتاطير القواعد الحزبية  والمناضلين أو نظام اللجان أو الفروع المحلية والإقليمية للربط بين مختلف الفروع  ولذا لاحظ عدد من الباحثين  أن هذا الاقتباس و التاتير   أوقع هذه الأحزاب في عدد من التناقضات  :

-التناقض بين نظام التقطيع السوسيولوجي للحزب القائم على الخلية وبين البنية الاجتماعية المغربية القائمة على الانتماء للكيان الجماعي أو القبلي

-التناقض بين التقطيع السياسي للحزب القائم على التناحر والصراع الطبقي وبين المفهوم الوطني للحزب حيث ما يزال شعار الوطنية يؤكد على وحدة الأفراد والجماعات مع إخفاء  المصالح الطبقية للفئات المستهدفة والمستقطبة (جمع أحزاب اليسار بين مصالح العمال ومطامح الباترونا في إطار الانتماء الوطني )لدرجة أن هذه الأحزاب تحمل أسماء ذات حمولة وحدوية(الاتحاد- التجمع ———-)

-التناقض بين التقطيع ألمجالي للحزب الفرنسي القائم على مبدأ الوحدات الإدارية  ومفهوم التركيبة الاجتماعية القائمة على روابط الدم  والانتماء الجهوي (سوس –عبده –الريف –الشاوية )وسبق لجون واتربوري في كتابه (أمير المؤمنين)أن وقف عند نتيجة مفادها أن التنظيمات الحزبية وعلى غرار السلطة السياسية تشكل امتدادا لأشكال التنظيم الجماعي والقبلي خصوصا في البعد المتعلق بتحديد الوظائف والأدوار الاجتماعية  والبعد الخاص بالاستقطاب  والإدماج السياسي  والاجتماعي سواء تعلق الأمر بالسلطة السياسية المجسدة  في المؤسسة الملكية  أو المؤسسة الحزبية  في بعدها العام والشمولي

هذه الثغرات التنظيمية والمذهبية جعلت الأحزاب المغربية تعرف تناقضات  على مستوى الخطاب الحزبي وعلى مستوى الممارسة الحزبية وهذا ما جعلها تعاني مند بدايتها ظاهرة الانشقاق (1959: انشقاق داخل حزب الاستقلال )هذه الانشقاقات الحزبية تعود لأسباب تنظيمية وأسباب شخصية كما أن لها سباب انتروبولوجية

أما الأسباب الموضوعية فلها علاقة بمخلفات الدور الذي لعبته الدولة أولا في محاصرة  العمل السياسي  وتضييق حرية الفعل السياسي وتدجين المشاركة السياسية  مما ساهم في  ظاهرة العزوف السياسي وهو ما تعكسه المشاركة الضعيفة في الاستحقاقات الانتخابية وثانيا دور الدولة  في تأسيس أحزاب موالية لها  وتأمر بأوامرها وتفسد العمل السياسي

وسواء تعلق الأمر بالأسباب الذاتية أو الموضوعية فانعكاساتها السياسية  قائمة عند تناول ظاهرة العزوف السياسي  وضعف المشاركة السياسية في الحياة العامة بل أكثر من ذالك أدت في السنوات الأخيرة إلى الخلط بين الأحزاب  وتسوية بينها في غياب التمايز المذهبي  والسياسي  نظرا للتماهي  الحاصل  بين برامج الدولة  وبرامج الأحزاب

آن هذا الواقع يدفع إلى التساؤل  حول ما إذا كان يتصور  قانون الأحزاب  وإصلاح المؤسسة الحزبية بمعزل عن  إصلاح آليات سلطة  اتخاذ القرار  الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ؟

وهل يمكن تصور إصلاح للمؤسسة الحزبية وتأهيل الحياة السياسية من داخل نظام اجتماعي سياسي وهل القطبية الحزبية  وحدها كفيلة بتحصين  المسار الديمقراطي  دون آن يوازيه تأهيل المؤسسات الدستورية  وانفتاحها على المجتمع ؟

ألا يشكل التعديل الدستوري في اتجاه توسيع صلاحيات مؤسسة  الحكومة  والمؤسسة البرلمانية  وإشراكهما في سلطة  التقرير الاقتصادي  والاجتماعي والسياسي  بدل التدبير الإداري  المدخل  الموضوعي  والدستوري  لتأهيل الدولة والمجتمع

إذا كان تأهيل المؤسسة الحزبية  ضرورة موضوعية فانه لا يمكن  تصوره إلا متداخلا جدليا  بضرورة التعديل  الدستوري للسلطة السياسية  وانفتاحها على  التطورات الاجتماعية في اتجاه إعادة توزيع الأدوار  والوظائف السياسية  للمؤسسات الدستورية  تسمح بتوسيع قاعدة  المشاركة  والحرية السياسية  في تدبير الشأن العام  وسلطة اتخاذ القرار  بأبعاده الاقتصادية  والاجتماعية  والسياسية حسب  ذ محمد ألمسكي   مدارات سياسية  جريدة ا- ش العدد :7774.

أترك تعليقا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *