حواراتسياسة

المصطفى المعتصم : “إخوان بنكيران يحاصروننا وقالوا فينا ما لم يقله مالك في الخمر”

almoatasim

مجلة حقائق مغربية

المصطفى المعتصم

الأمين العام لحزب البديل الحضاري المحظور

“إخوان بنكيران يحاصروننا وقالوا فينا ما لم يقله مالك في الخمر”

 

وصف المصطفى المعتصم حزبه السياسي بأنه حزب ديمقراطي وسطي ومعتدل، وهو ما دفعه للتعبير عن استغرابه استمرار قرار حظره. مشيرا في ذات السياق إلى أن قيادات حزب العدالة والتنمية أكدوا له أن الجهة التي تقف وراء الحظر جهة نافذة لا طاقة لهم بمواجهتها. المعتصم كشف لمجلة “حقائق مغربية” أيضا أن إخوان بنكيران وتيارات إسلامية أخرى حاربت حزبه عندما رفض الصراع مع اليسار وآمن بتأسيس الكتلة التاريخية معه. في الحوار التالي، سنقف مع القيادي الإسلامي على قضايا أخرى كالتطرف وإصلاح الحقل الديني والتمكين السياسي للنساء.

 

كيف يقرأ الأستاذ المصطفى المعتصم وصول الاسلاميين بالمغرب إلى رأس التدبير الحكومي في ضوء ما يعرف بـ” ثورات الربيع العربي”؟ هل هي صيرورة منطقية أم مجرد مكر للتاريخ بتعبير الفيلسوف الألماني هيكل؟

بداية لا بد من التنويه أن الأحزاب المغربية كلها ضعيفة جماهريا وقدرتها التعبوية محدودة، بدلالة أن الحزب الأكثر تمثيلية في البرلمان لا يتعدى عدد الأصوات التي حصل عليها في الاستحقاقات البرلمانية مليون ونيف صوت وبدلالة أن ثلث المغاربة الذين يحق لهم التصويت هم فقط من يصوت. ولكن باعتماد المنطق النسبي أقول أن حزب العدالة والتنمية هو الأقوى والأكثر حضورا جماهيريا في مشهد حزبي ضعيف، وقوة هذا الحزب قد بدت بوضوح منذ استحقاقات 1997 حينما ترشح أعضاء منه في إطار أحزاب سياسية أخرى وحققوا نتائج كبيرة. قوة الحزب لم تكن خافية بل كانت معروفة جيدا عند أصحاب القرار السياسي بالمغرب الذين ضغطوا عليه في استحقاقات 2002 كي لا يغطي كل التراب الوطني. وطبيعي أن نجد هذا الحزب حاضرا بقوة بعد حراك الربيع العربي الذي حرك البركة الآسنة للساحة السياسية المغربية وأدى بعد استحقاقات، شهد جل المراقبين والمتتبعين لها أنها كانت الأكثر نزاهة وشفافية في مغرب ما بعد الاستقلال، أقول أدى إلى أن تأخذ القوة الأكثر حضورا وتنظيما مكانتها الطبيعية. هذا لا يعني أن قيادات حزب العدالة والتنمية لم يفاجئوا بحصولهم على الرتبة الأولى، إذ كانوا يتوقعون تلاعبا ولو نسبيا في مسار الانتخابات يحرمهم على الأقل من الرتبة الأولى. ومن خلال معرفتي الشخصية بالعديد من قيادات هذا الحزب فإنهم لم يرتاحوا إلى هذه النتائج واعتبروا أن الشعب المغربي حينما صوت عليهم قد ورطهم في مهمات لم يحن لهم الوقت بعد للاضطلاع بها. كانوا يميلون إلى المشاركة في حكومة بتمثيلية ضعيفة تمكنهم من اكتساب التجربة في التسيير الحكومي من دون أن يتحملوا أعباء ونتائج تجربة حكومية يعرفون جيدا أنها ستكون قاسية ونتائجها غير مضمونة بحكم الظرفية الاقتصادية الصعبة التي يمر منها المغرب والعالم. أي كانوا يأملون لعب الدور الذي لعبه حزب الاستقلال في حكومة التناوب التوافقي. وهنا أخلص أن الربيع العربي كان بمثابة محفز ساعد على تسريع صيرورة وصول حزب العدالة والتنمية إلى قيادة الحكومة وهذا في حد ذاته مكر للتاريخ إن شئتم.

جزء مهم من الفعل السياسي الإسلامي لا يزال محضورا في المغرب، حزبكم جزء منه. كيف تقرأون هذا الوضع بالرغم من تولي الاسلاميين لدفة التسيير الحكومي كما سلف الذكر؟

محضور أو ممنوع أو محاصر؟ لا بد من التدقيق في مصطلح محظور” وتحديد نوعية “الحظر”. ليس في علمي أن هناك إسلاميون قبلوا المشاركة في اللعبة السياسية الحالية وتم حضر مشاركتهم سوى حزب البديل الحضاري، وطبعا بعد الحضر الإداري تم منع أنشطة هذا الحزب ومحاصرة مناضليه وقياداته. هناك حزب الأمة الذي منع من الحصول على الترخيص لهذا الاعتبار أو ذاك ويعيش حصارا. السلفيون جلهم يرفضون العمل في ظل القوانين ودستور البلاد ولكنهم ينشطون على أكثر من صعيد وخصوصا في دور القرآن، أي لا يعانون الحصار والمضايقة إلا في ما يخص التوجهات العنيفة منهم. وهناك العدل والإحسان التي ترفض المشاركة في اللعبة السياسية في شروطها الحالية، لهذا هي ممنوعة ومحاصرة. لكن هذا المنع وهذا الحصار يبقى جزئيا ولعل قوتها التنظيمية داخليا وخارجيا هي ما يسمح لها بهذا الاختراق الجزئي للمنع والمحاصرة. حظر ومنع وحصار حزب البديل الحضاري تم في ظروف سياسية لا تخفى على أحد وكانت هناك أطراف لها رغبة في إعادة ترتيب الساحة السياسية المغربية بشكل معين. هذا الأمر سقط بعد عشرين فبراير 2011. وما لا نفهمه اليوم هو لماذا يستمر الحضر والمنع والحصار لهذا الحزب الديمقراطي الوسطي المعتدل. نحن قد نتفهم ما يقوله لنا بعض قيادات حزب العدالة والتنمية في كون الجهة التي حضرت الحزب جهة نافذة لا طاقة لهم بمواجهتها، ولكن ما لا نفهمه هو رفض رئيس الحكومة مدنا بقرار حل الحزب كما ينص على ذلك القانون كي نستطيع اللجوء للقضاء والطعن في القرار الإداري الجائر الذي سيبقى وصمة عار على جبين العهد السياسي الحالي. ما لا نفهمه هو مشاركة حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح وإعلامهما في حصارنا.

ألا يمكن تحميل التيارات الإسلامية المغضوب عليها المسؤولية عما يقع لها،خصوصا أمام تمسكها بخطاب راديكالي؟

للإخوة في التيارات الأخرى الصلاحية للجواب على هذا السؤال بالشكل الذي يريدون. أما في ما يخصني ويخص حزب البديل الحضاري أقول: ليس لحزب البديل الحضاري أي خطاب راديكالي، بل إن خطابنا كان الأكثر انفتاحا واعتدالا وعقلانية من كل خطابات التيارات الإسلامية حتى تلك التي تحكم اليوم والعديد حتى من التيارات العلمانية وبعضها يدعي الليبرالية. وبقراءة لأدبياتنا وبالنظر لانفتاحنا وطبيعة علاقتنا مع المشهد السياسي والجمعوي في جملته ستجد حقيقة ما أقول. التيارات الإسلامية بما فيها التي تحكم بجانب محمد السادس اليوم قالت فينا ما لم يقله مالك في الخمر حينما قلنا أننا لا نمثل الإسلام ولا نتحدث باسمه وأن لا أحد بإمكانه ادعاء تمثيل الإسلام أو احتكار فهمه، وقلنا أننا مع حرية المعتقد بل واعتبرنا أن الحرية سابقة على كل شيء بما في ذلك اختيار العقيدة وأننا مع رفض الصراع مع اليسار وأننا مع تأسيس الكتلة التاريخية أو الشعبية معه، وأننا ضد الاستقطاب الحاد الذي عرفته الساحة السياسية المغربية في قضية المرأة وفي العديد من القضايا كقضية الإرث وقضايا المدونة والقضية الأمازيغية وغيرها.

أمر الملك مؤخرا بضرورة تنقيح المناهج التعليمية الدينية، وهو أمر يأتي متناغما مع صرخات البعض بأن المدرسة المغربية تنتج التطرف بشكل من الأشكال. كيف تنظرون إلى واقع المناهج التعليمية الحالية في ارتباطها بإنتاج التطرف؟

هذا مطلبنا نحن في حزب البديل الحضاري منذ مدة. نحن مع التنقيح المستمر لمناهجنا التعليمية التربوية ومنها المناهج الدينية. مجتمعنا يتطور والتحديات التي تواجهه تتعقد والعالم حولنا يتبدل وأسئلة الواقع تتغير بتغير وتطور هذا الواقع والحكم على المناهج التعليمية الدينية بالجمود يؤدي إلى غربة الدين واهتماماته وتقلص تأثيره على الناس وقد يتحول إلى عامل جذب نحو قاع المحافظة عوض أن يكون عامل الرفع نحو التجديد والبناء الحضاري. هكذا ينبغي أن نفهم دعوة الملك ونعمل على تفعيل مقترحه. خوفي أنا في أن تستطيع آلة المحافظة المتمثلة في بعض التيارات الإسلامية وفي بعض العلماء والدعاة والخطباء ومنهم الكثير من التابعين لوزارة الأوقاف من إفراغ طلب الملك من محتواه. وأحيل هنا على العديد من الاستشارات التي تمت في قضايا متعددة كحرية المعتقد والإرث وغيرها. هذا من جهة، من جهة أخرى أكيد أن المناهج الحالية بها ما قد يشكل مدخلا من مداخل الفهم المتطرف الشاذ لبعض النصوص الدينية، وليس عيبا الاعتراف بهذا الأمر. وأشكر كل من وضحه للرأي العام بغض النظر عن انتمائه الأيديولوجي، فرحم الله امرئ يهدي إلينا عيوبنا. ولكن أريد أن أقول أيضا أن اختزال ظاهرة التطرف الديني في بعض المفاهيم أو التفسيرات المتعسفة للنص الديني تبسيط لظاهرة معقدة. وأكيد أن جزءا كبير من المتطرفين لم يكونوا يوما من رواد المدرسة أو الجامعة المغربية. التطرف الأصولي ظاهرة عالمية وليست خاصة بالمسلمين، وعلينا أن نفتح حوارا وطنيا حقيقيا حوله، حوارا لا يقصي أيا كان أو يهمشه، بما في ذلك المتطرفون. وأول سؤال يجب أن يطرح سيكون لهؤلاء الذين ننعتهم بالتطرف. علينا أن نعرف لماذا هم متطرفون. يجب أن نلقي السمع لأبناء من هذا الوطن نحسبهم متطرفين حتى نعرف ما يريدون ففهم الظاهرة جزء مهم في طريق الحل.

موضوع التطرف بات هاجسا مؤرقا للمغاربة، خصوصا أمام توالي اخبار تفكيك خلايا ارهابية هنا وهناك. كيف تنظرون الى القول القائل بتراخي الحكومة مع بعض مشايخ التكفير الذين يفتون بتكفير كل مخالف يمنة وشمالا دون حسيب ولا رقيب؟

موضوع التطرف كما قلت سابقا موضوع معقد تعقد كل الظواهر الاجتماعية. وشخصيا لا أعتقد أن سبب التطرف خطي cause linéaire، بل هي شبكة متداخلة من الأسباب منها ما هو مرتبط بأسئلة الهوية ومنها ما هو مرتبط بتأويل النص الديني ومنها ما هو مرتبط بالوضع الاقتصادي أو الاجتماعي ومنها ما هو مرتبط بالوضع السياسي: الفساد، الاستبداد، الاقصاء. ومنها ما هو مرتبط بوضع الأمة العربية والإسلامية وقضاياها الكثيرة وعلى رأسها قضية فلسطين. هذه الظاهرة ليس لها وصفة سحرية واحدة تطبق على كل الساحات العربية والإسلامية، بل لها وصفات ومداخل متعددة. المهم التعرف على الظاهرة وفهمها كما هي لا كما نتمثلها ثم محاولة علاجها. في ما يخص المقاربة الأمنية فهي على ضرورتها أثبتت فعليا عدم نجاعتها عندما تكون لوحدها. هذا ليس خاصا بالساحة المغربية وحدها بل بكل الساحات التي تعرف هكذا ظاهرة. علاوة على المقاربة التربوية والأمنية المنتهجة مغربيا للحد من هذا التطرف، هناك أيضا مجهود كبير في اصلاح الحقل الديني المغربي الذي بات بدوره مهددا بالاختراق.

هل تكفي الاجراءات المتخدة بهذا الشأن في نظركم؟

لا لن تكفي في معالجة هذه الظاهرة المعقدة. خصوصا إذا علمنا أن بعض المشاركين في عملية اصلاح الحقل الديني هم أيضا مطالبون بمراجعات وقراءات جديدة للنص الديني. مؤخرا ألقت الأجهزة الأمنية القبض على مجموعة كان جل أفرادها قد اعتقلوا من قبل على خلفية الإرهاب. لا بد من فهم ظاهرة التطرف، أقولها وأكررها حتى يسمع من به صمم، لأن فهمها شرط في علاجها. وهذه الظاهرة معقدة يتداخل فيها السياسي بالاقتصادي بالاجتماعي بالثقافي بالديني بالإعلامي بالأمني بالداخلي بالخارجي بالوجود بالمهجر. إذن الحل يقتضي أخذ كل هذه الأبعاد بعين الاعتبار.

التمييز الايجابي لفائدة المرأة المغربية سياسيا ترجم عمليا باللائحة الوطنية، استشرافا للانتخابات المقبلة هل ترون أن الحصة الحالية لكوطا النساء بالبرلمان كافية لمواكبة التمكين السياسي للمرأة المغربية؟

قبل الحديث عن رفع أو خفض الكوطا، يجب الاعتراف أولا أن الكوطا شيء مناف للديمقراطية ولمبدأ المساواة بين الرجال والنساء. وكديمقراطي أنا مع الاستحقاق وإذا كانت النساء أكثر استحقاقا من الرجال ونلن أغلب مقاعد البرلمان فسأصفق لهذا الأمر. من جهة أخرى فإن المرأة ببلادنا بقيت لعقود إن لم نقل لقرون بعيدة عن دائرة الفعل السياسي، ولهذا قرر المغرب، وبهدف اشراك المرأة في العمل السياسي وفي إطار الديمقراطية التشاركية ولتدارك الزمن الطويل الذي مر على المرأة وهي مهمشة، تبني منطق الكوطا. وهو تمييز إيجابي لصالحها. ولكنه يبقى تدبيرا مؤقتا مرتبطا بتحقيق الهدف المعلن أي إدماج المرأة في العمل السياسي. اليوم قبل اتخاذ آي قرار برفع أو خفض نسبة الكوطا يجب القيام بتقييم للتجربة التي عرفها المغرب من خلال منح كوطا للنساء. ولا معنى لأي حديث في هذا الشأن من دون هذا التقييم لمعرفة مدى نجاحنا في تحقيق الهدف من اقرار الكوطا.

حقائق 24

جريدة إلكترونية مغربية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى