الرأي

السلفية بين المفهوم الأصيل والمفهوم

سفيان الكمري :
باحث جامعي .

يقدم الخطاب الرسمي والإعلامي { سواء الوطني أو الدولي } ” السلفية ” على أنها شر ينبغي اتقائه, وخطر يجب اجتنابه , وداء يلزم علاجه , فالسلفية في فهمهم تحمل دلالات التزمت والتشدد والتطرف والغلو … وهي ” مذهب مغالي ” في فهم الدين , لكن المنهج الحكيم والمنطق السليم يقتضي التساؤل أولا عن ماهية السلفية , ثم من بعد ذلك يمكن نسف الفكرة بالحجج لا اللجج , إذ كما هو متقرر أصوليا ومنطقيا أن الحكم على الشيء فرع من تصوره , وماهو هذا التصور غير البحث عن ماهيات الأشياء وحقائقها , فليست الممارسات على كل حال دليل على فساد النظريات , فبالأحرى العقائد !! , وإن الحياد لهو أفضل مسلك يمكن أن يسلكه المرء الباحث عن الحقيقة , وهو ما ندعيه في هذا المقال .
تعني السلفية من بين ما تعني ” إتباع السلف الصالح في عقيدتهم وفهمهم وأخلاقهم ” , وليس السلف الصالح إلا المؤمنون الذين عاصروا وعاشوا في القرون المفضلة التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ” خير القرون قرني , ثم الذين يلونهم , ثم الذين يلونهم ” , أي قرن الصحابة { القرن الأول } , والتابعين { القرن الثاني } , وتابعي التابعين { القرن الثالث } , رضوان الله عليهم جميعا , هكذا تفترض السلفية وجود قرن عاشت فيه الأمة بغير اختلاف عقدي ولا تشرذم حزبي , فترة يمكن المجازفة بإطلاق تسمية عصر ” الأنوار ” عليها , وإن حدث خلال هاته الفترة ما يعكر صفو هذا الجو المتسم بالثبات فإن ذلك إنما حدث بشكل عرضي , مرت السنوات وتوالت القرون , وجاء للأمة من يريد أن يضرب ” استقرارها العقدي والمنهجي ” , وفي تلك اللحظة نشأت ظاهرة التفرق والتحزب في الدين , حيث صار المسلمين أشتاتا , وهنا دوت السلفية في الأمة مجددا وصرخت بصوت عال : ” التفرق منبوذ , والاعتصام بحبل الله محمود , والسير على غير هذا النهج بدعة … ” , لم يستسغ الخصوم { التقليديون منهم والحداثيون } هاته الصرخة , وعملوا بكل الطرق على إسكاتها وإخماد نارها , ولعل التاريخ الإسلامي خير شاهد على ذلك , فأنظر إلى ما فعله المعتزلة بالإمام أحمد من فتن ومحن قد لا يتسع المقام لسردها , وانظر إلى ما فعله التتار بابن تيمية , وانظر إلى ما فعله غلاة الطائفة الصوفية ” الخرافية ” بمحمد بن عبد الوهاب التميمي و و … وانظر إلى ما يفعل { بضم الياء } اليوم ” بالسلفيين المعتدلين ” في كل بقاع الأرض من تزييف للحقائق وتحريفها تارة , وتهديدهم وتلفيق التهم لهم بغير حق ثارات أخرى .
من هذا المنظور يتعدد خصوم السلفية بتعدد الفرق والأحزاب , الملل والنحل , والذين يمكن تقسيمهم إلى خصوم داخليين وخصوم خارجيين , يظهر الخصوم الداخليين بمظهر ” الحق ” , يتهافتون على السلفية فيتكلمون بلسانها ويلبسون ثوبها ويزعمون كما زعم الذين من قبلهم أنهم من بني جلدتها , مدعين أنهم أحق بها , يتمسكون بها ظاهرا ويهدمونها باطنا , فليس غريبا إذن أن تتشبث كثير من الفرق في عصرنا بلفظة السلفية , أخذة المبنى , تاركة المعنى { ونذكر على سبيل المثال السلفية المغراوية والسلفية الجهادية والسلفية الحلبية والسلفية المدخلية بل حتى بقايا الأشاعرة والمعتزلة في هذا الزمان ركبوا هاته الموجة …} وكل فرقة من تلك الفرق عجزت عن إدراك حقيقة السلفية وكنهها التي هي : الإتباع لا الابتداع , الشمولية لا التبعيض , الائتلاف لا الإختلاف , التوسط لا الغلو , الإنضباط المنضبط لا التحمس المفرط …
أما الخصوم الخارجيين أي الذين أنكروا السلفية من أصلها , فهؤلاء منقسمون إلى : طوائف وفرق إسلامية , وهذا حال المعتزلة والجهمية والمرجئة والقدرية والخوارج … وقسم ثاني يتشكل من الطوائف والفرق المعلنة لأفكار وعقائد بعيدة كل البعد عن ديننا الحنيف , فرق جعلت من الحرب على المنهج السلفي المعتدل مطية لإسقاط ثوابت إسلامنا العزيز ….
ويبدو أن العلامة علال الفاسي رحمه الله قد أفاد وأجاد في بيان حقيقة السلفية وكنهها , وتمييز صحيحها من سقيمها , وغثها من سمينها , وإليك عزيزي القارئ هذا النص والمقطع ” الثمين ” من كتابه ” الحركات الاستقلالية في المغرب العربي ” : ” لئن كانت السلفية في باعثها الحنبلي ترمي لتطهير الدين من الخرافات التي ألصقت به والعودة إلى روح السنة المطهرة؛ فإنها لا تقصد من وراء ذلك إلا تربية الشخصية الإسلامية على المبادئ التي جاء بها الإسلام، بصفته المتكفل بصلاح الأمة في دينها ودنياها، وإعدادها لتكون لها الخلافة في هذه الأرض التي حكم الله ألا يرثها من عباده إلا الصالحون، وبذلك فهي حركة تتناول نواحي المجهود الفردي لصلاح المجتمع، وتتطلب فتح الذهن البشري لقبول ما يلقى إليه من جديد، وقياسه بمقياس المصلحة العامة لإرجاع المجد العظيم الذي كان للسلف الصالح في حظيرة الإيمان وحظيرة العمل … ” .
من هذا المنطلق والمنطق ينبغي تصحيح وتحبين كل التصورات الخاطئة حول السلفية التي مررت إن بقصد أو بغير قصد . .

حقائق 24

جريدة إلكترونية مغربية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى