مجتمع

مغاربة ضحايا الجيل الجديد من الجرائم الذكية والنصب عبر الأنترنيت

feb67d3a3ab13b75167c489603d34876

اقتحم الأنترنيت عالمنا اليومي وحول العالم إلى قرية صغيرة، وبهذا الاقتحام انفتح الباب على مصراعيه لأنواع جديدة من الجرائم، هي جرائم كثيرة تعرف بالجرائم “الذكية” أو “الإلكترونية”، لكن الأخطر هو ما ظهر في الآونة الأخيرة، حيث بدأ عالم الأنترنيت يشهد سيلا من أنواع جديدة من النصب، جريمة نصب بحرفية كبيرة ودهاء خارق، جريمة نصب محبوكة الأركان تأتي في صورة رسالة إلكترونية من شخص مجهول يتحدث باسم شخص تعرفه أو شركة مجهولة أو معلومة، عملاقة، رائدة… رسالة تمويه من شخص تقمص دور قريب أو صديق مقرب في حاجة للمساعدة أو رسالة تزف لك بشرى حصولك على جائزة كبرى، أو رسالة من إفريقية أو إفريقي في أوربا يطلب مساعدتك لاستثمار أمواله في المغرب، وآخر يطلب مساعدتك لإخراج ثروته المالية من أحد البلدان الإفريقية مقابل حصولك على عمولة مهمة و و و…… رسائل عبارة عن جرائم نصب عبر “النت”، جرائم مجرد خدعة محبوكة للنصب عليك باسم الأنترنيت.
خط رفيع يفصل الواقع عن الحلم، وهو ما تدركه عصابات متخصصة في جرائم الأنترنيت، عصابات تخطف حسابك الإلكتروني أو صفحتك على مواقع التواصل الاجتماعي لتتقمص شخصيتك، كما تلبس أحيانا عباءات شركات عالمية لها صيتها ومصداقيتها اسمها وسمعتها التي لا تهزها زلازل. وهذا بالضبط ما تستثمره هذه العصابات التي قالت بشأنها مصادر أمنية إنها تتحرك بمافيا من نيجيريين وماليين يستقرون في تركيا واليونان، عصابات ابتكرت خططا خطيرة ومستعصية، وهو ما يسمى أو ما يعرف عند أجهزة الأمن ليس فقط الوطنية بل الدولية كذلك بـ “الطريقة النيجيرية” في النصب باستخدام “النت”.
“غريبة” واحدة من ضحايا مافيا الأفارقة للنصب عبر الأنترنيت، إذ تعرض حسابها الإلكتروني للقرصنة من طرف أحد عناصر عصابة النصب عبر “النت” الذي يستقر في اليونان، وقام العنصر بقرصنة الحساب الإلكتروني واستخدامه بإرسال رسالة إلكترونية عاجلة إلى كل أصدقاء وأقارب “غريبة” المدرجين في حسابها، وجاء في نص الرسالة التي حاول عنصر النصب استعمالها ما يلي: “مساء الخير لقد سافرت فجأة في إطار العمل إلى أثينا في اليونان، ولأسباب مجهولة قمت بإضاعة محفظتي الشخصية التي بها أوراقي ومبلغ مالي، ونظرا للضائقة المالية التي أمر منها الآن أطلب منكم مساعدتي بإرسال مبلغ مالي حوالي 2000 دولار لأتدبر أمري، وسأقوم بتسديد هذا المبلغ حال عودتي إلى المغرب، وفي انتظار ردكم العاجل، تقبلوا مني فائق التقدير والاحترام، أختكم غريبة”.
رسالة يقوم النصاب الذي استولى على البريد الإلكتروني للسيدة “غريبة” بإرساله إلى عشرات العناوين الإلكترونية في انتظار الرد، ولمعرفة باقي التفاصيل التي يلجأ لها النصاب قامت “الأيام” بإرسال الرد على تلك الرسالة، وأخبرنا المرسل الذي نعرف مسبقا أنه ليس “غريبة” بل هو نصاب استولى على حسابها، وأخبرناه في الرد على الرسالة أننا سنرسل 1000 دولار الأولى لتدبر الأمر، وعلينا معرفة طريقة الإرسال، وما هي إلا لحظات حتى توصلنا برسالة ثانية جاء فيها: “شكرا على تفهمك صديقي محمد، وأتمنى أن ترسل لي حالا المال عبر “ويسترن يونيون” في أثينا باليونان، وشكرا مرة أخرى وسأسدد المبلغ عند عودتي، مع تحياتي غريبة”…
ولأن اللعبة أصبحت مسلية، فقد أرسلنا له مجموعة أرقام اخترناها بشكل عشوائي وادعينا أنها رقم السحب في “ويسترن يونيون” وانتظرنا حوالي ساعة ليأتي الرد بأن الرقم غير صحيح وعلينا ضبط الرقم، إذ ربما هناك خطأ في كتابة الأرقام، وما علينا سوى تصوير الوصل وإرساله عبر “الواتساب”، حينها فقط أرسلنا جوابا كان كافيا لعدم رد النصاب نهائيا، وكان ردنا : “أيها النصاب لقد شاركت معنا في الكاميرا الخفية، ومن فضلك إرفع يدك عن حساب غريبة فقد انكشف أمرك”، .. وكذلك كان لاحقا.
“في الغالب يقوم بعض المتسرعين بإرسال المال دون التريث والتأكد من الأمر، خصوصا إذا كان المبلغ المطلوب صغيرا”، تقول مصادرنا الأمنية وتضيف: “أعتقد أنه في الغالب وحتى بعد معرفة أن المعني تعرض للنصب عبر الأنترنيت فإنه لا يتقدم بشكاية رسمية للأمن، مما يضعنا خارج غطاء تتبع هذا النوع من الجرائم العابر للحدود والقارات”….
مصطفى رجل أعمال، واحد ممن كادت هذه العصابات تستدرجهم إلى شركها وإن بطريقة تختلف عن غريبة، لولا أن فطن الرجل إلى ضرورة البحث عن الرقم الهاتفي للشركة التي تدعي العصابة انتماءها إليها.
وبدأت قصة رجل الأعمال المغربي حين توصل برسالة إلكترونية تحمل ما يكفي من الأدلة المزيفة المتقنة والمحبوكة للتغرير بأي شخص غير ملم بمشاكل شبكة الأنترنيت، بدأت إذن القصة حين توصل الرجل برسالة تحمل خبرا، بل بشرى فوزه في مسابقة تنظمها الشركة العالمية”مايكروسوفت”. وقد جاء في الرسالة: “إننا جد مسرورين لإخباركم بأن نتائج قرعة -ميكروسوفت أنترنيت- السنوية قد أسفرت عن اختياركم للفوز بالجائزة الكبرى، باعتباركم أحد رواد الشبكة العنكبوتية، وأن رقمكم -JJE4482910463- قد تم اختياره عشوائيا من قبل الحاسوب للفوز بجائزة نقدية قيمتها مليون أورو، وستمنحها لكم شركة -توشيبا ميكروسوفت- عن طريق أحد الأبناك الإسبانية سنعلن عنها لاحقا… وليكن في علمكم أن هذا المبلغ الذي حصلتم عليه محمي برقم سري هو -HGM/771940376/GDK- ولا يجب عليكم الكشف عنه لأحد……كما نخبركم أن مبلغكم المالي محمي من طرف شركة تأمين متخصصة في المجال…… لذا نعلمكم بضرورة كتم هذه الأخبار والأرقام المصرح بها إلى حين حصولكم على المبلغ المذكور…… وهنيئا مرة أخرى”.
أقرب طريق أو وسيلة للبحث عن جواب سؤال المسابقة التي تنظمها الشركة وتختار من بين مستخدمي شبكة الأنترنيت واحدا من ملايين هو المحظوظ بالفوز بمليون أورو، أي مليار سنتيم، أقرب طريق إذن هو البحث في الشبكة العنكبوتية، ولأن هذه العصابات تتقن خططها، فإنها تضع ذلك كله في الحسبان، لذلك فإن هناك مقالات وأخبارا مزيفة عن رجال أعمال وشركات وأشخاص فازوا بهذه المسابقة، بعد قراءة هذه المقالات بدأ الشك ينسحب، يتراجع إلى الوراء، لتأخذ الثقة واليقين مكانه، “نعم هذا صحيح، ربحت مليار سنتيم”، يردد رجل الأعمال العبارة مرات ومرات ثم تجره من أحلامه يد الواقع الخشنة لتعيده إلى تساؤلات الشك .. “لا غير معقول، يجب البحث جيدا عن السر في هذه المسابقة”.
بمجرد تركيبك لرقم الهاتف المصحوب بالرسالة/اللغم، يجيبك صوت رجال باللغة الإنجليزية ممزوجة بلكنة إفريقية، “نعم، مرحبا، معك، ريوكوبوس… هل من خدمة؟. يؤكد لك الرجل أنك فعلا حصلت على المليون أورو وكل ما عليك فعله هو تعبئة وثيقة معلومات سرتسل لك عبر الفاكس. وبعد ملء هذه الوثيقة بمعلومات خاصة عنك وعن بنكك الذي سيتم تحويل المبلغ إليه، ورقم حسابك البنكي وهاتف البنك وعنوانه…مع وعد بتوصلك بمكالمة هاتفية من طرف مدير البنك المرسل في إسبانيا… وبما أن الخطة مدبرة ومحبوكة فما هي إلا لحظات حتى يرن هاتفك ليبلغك البنك المفترض بأنه حصل على معلوماتك ويريد التأكد منها ومن رقم حسابك البنكي.
حتى هذه الخطوة يبدو أن الأمور تسير في اتجاه تصديق الأمر وأنها أيام فقط ويضرب الحظ بـ (مليون أورو)… تتوصل بفاكس يحمل العلامة الإشهارية للمؤسسة (unicaja) بنك في مدريد سيقوم بتحويل النقود إلى رقم حسابك البنكي، لكنه، وهنا بيت القصيد، يطلب منك أداء 0.2٪ من قيمة الجائزة، أي حوالي 2000 أورو أو مليوني سنتيم كتكاليف تحويل النقود، وحين تطلب منهم خصم المبلغ المطلوب من الجائزة، يتحججون بأن الأمر صعب نظرا لأن المبلغ مؤمن من طرف شركة تأمين تحت رقم سري ولا أحد يمكن له التصرف في المبلغ غيرك.
وفي هذا الصدد تقول مصادر من الشرطة العلمية والتقنية: “هذا النوع من جرائم الأنترنيت حديث العهد ويعرف لدينا بـ (الطريقة النيجيرية) لأن النيجيريين ضليعون دوليا في احتراف هذا النوع من الجرائم، وللأسف من الصعب ضبطهم ومعرفة مكانهم، فتقنية الاتصال عبر الأنترنيت قد تجعلك تعتقد أنك تتحدث مع شخص في أمريكا لتكتشف أنه فقط جارك يقطن فوقك، فهؤلاء النيجيريون شبكة، قد يكلمك أحدهم في نيجيريا، ويتصل بصديقه في إسبانيا ليؤكد لك الأخير الأمر حتى تنطلي عليك اللعبة”. وللخبير في الإعلاميات في باريس “سعيد مروان” رأي في الموضوع، حيث صرح لـ “الأيام” قائلا: “إذا كنت ممن يتعاملون مع البنوك والمؤسسات المالية التي توجد على شبكة الأنترنيت، فيجب أن تتعامل معها من خلال الدخول عن طريق شريط العناوين “Adress3ar” الذي يوجد في برامج تصفح الأنترنيت وأمامه صورة القفل. يجب أن تقوم بكتابة عنوان الموقع من خلال شريط العناوين ولا يجب أن تستخدم أبدا عنوانا يصل إليك عن طريق رسالة بريد إلكتروني ويطلب منك صاحبها أن تضغط على سطر معين لكي يصلك بالموقع الذي تريد التعامل معه، فقد يكون ذلك السطر الذي سينقلك للموقع مجرد فخ، وقد ينتقل بك إلى موقع آخر شبيه ومقلد للموقع الأصلي، وبذلك قد يحصل ما يسمى بالنصب الإلكتروني”. وقد شدد سعيد على تجنب فتح الرسائل الإلكترونية القادمة عن طريق “Spam”لأنها قد تحوي فيروسات قد يحاول النصاب أن يغري مستخدم الأنترنيت بإرسال بياناته المالية له أو قد يحاول أن يحصل على هذه البيانات، فالنصاب الإلكتروني عادة ما يكون من قراصنة الشبكة الذين يستهدفون الحسابات الشخصية لأشخاص عن طريق إغرائهم بالحصول على مبالغ مالية كبيرة وعمولات مهمة”.

حقائق 24

جريدة إلكترونية مغربية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى