عبد الله الفرياضي –
الرحيوي والصيلي وقصة تسييب المال العام
أفاد عمر أوزكان، أستاذ التعليم الإبتدائي بالمديرية الإقليمية للتعليم بتيزنيت، في اتصال أجرته معه “حقائق24” أن قيمة الغرامة التهديدية التي تراكمت لفائدته على ذمة ذات المديرية قد تجاوزت إلى حدود الآن مبلغ 74 مليون سنتيم، وذلك بعد امتناع المدير الإقليمي لوزارة التربية الوطنية “سيدي الصيلي” عن تنفيذ مقتضيات الحكم عدد 589. حيث قضت المحكمة الإدارية بأكادير بتغريم الإدارة بمبلغ 1500 درهم عن كل يوم تأخير يطال تنفيذ حكم سبق وأن أصدرته في مواجهتها بسبب تعنت مسؤولها المباشر وإصراره على عدم الامتثال لقرارات السلطة القضائية. وأضاف ذات المصدر في تصريح خص به الجريدة، أن الغرامة التهديدية طالت أيضا الأكاديمية الجهوية لسوس ماسة بعد امتناع مديرها “الرحيوي” هو الآخر عن تنفيذ حكم حائز لقوة الشيء المقضي به، مشيرا إلى أن قيمة هذه الغرامة قد تجاوزت مبلغ 36 مليون سنتيم.
وتعود أطوار هذه القضية – التي ستمس المال العام بسبب أخطاء مهنية قاتلة – إلى الدعوى القضائية التي رفعها “أوزكان” بشأن الطعن في الحركة الانتقالية الجهوية لسنة 2015 والتي قضت فيها المحكمة الإدارية لأكادير لصالحه بموجب حكمها المسجل تحت عدد 1038 بتاريخ 20 يوليوز2016، وذلك بإلغاء القرار المطعون فيه تحت غرامة تهديدية قدرها ألف درهم عن كل يوم تأخير عن التنفيذ ابتداء من فاتح فبراير 2017.
“عمر أوزكان” أستاذ التعليم الإبتدائي بمديرية تيزنيت الذي بلغ مجموع الدعاوي القضائية التي رفعها ضد الأكاديمية الجهوية والمديرية الاقليمية بتيزنيت ما يفوق إحدى عشرة قضية، أضاف أنه عازم أيضا على اللجوء إلى المادة الخامسة من قانون المسطرة المدنية لمقاضاة مدير أكاديمية سوس مجددا، وذلك تحت طائلة ما سماه “تعمد استئناف حكم خارج آجاله القانونية بأزيد من 13 شهرا مع الادعاء بعدم تبليغ الإدارة”، وهو ما يفيد حسب ذات المتحدث “وجود سوء النية قصد التلاعب بالأحكام القضائية”.
أكاديمية سوس: للتسيب أوجه أخرى
الدكتور تفروت لحسن، أستاذ التعليم العالي المتخصص في علوم التربية والديداكتيك وأحد المتبارين على منصب مدير أكاديمية سوس ماسة، اكد في ديباجة رسالة – معممة على وسائل الإعلام – بخصوص مشروعه الشخصي الذي قدمه للتباري، أن عملية “الانتقاء الأولي تميزت بغياب معايير واضحة”، مضيفا فيما يشبه التلميح إلى علاقة العلة بالمعلول أن ذلك الانتقاء الأولي قد “أعقبته مباشرة اقالة وزير التربية الوطنية وكاتبها العام”، واصفا في الآن ذاته ما وقع بخصوص هذه المباراة بأنه إنما “شارك في اللعبة”.
النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية بدورها ما انفكت تدق ناقوس الخطر بخصوص سوء التدبير الذي تعاني منه أكاديمية سوس ماسة، خصوصا ما تضمنه بلاغها الشهير في بداية الموسم الدراسي الحالي من اتهامات صريحة للمكلف بتدبير الأكاديمية ” بضرب الحريات النقابية و اقصاء النقابات التعليمية من المشاركة في تدبير قضايا الشأن التعليمي بالجهة وعدم الوفاء بالالتزامات السابقة وقرارات محاضر فض النزاعات” علاوة على التستر على المناصب الشاغرة وإجراء حركة تبادلات وصفتها النقابات “بالمشبوهة”.
بيان ذات النقابات ندد أيضا بما أسماه “الزبونية والمحسوبية التي تنخر الأكاديمية من خلال الاستفادة من مناصب فصلت على المقاس والتلاعب في البنيات التربوية من خلال الضم والتفييض القسريين، وإسناد المناصب دون تطبيق للمذكرات المنظمة للتباري”. كما وصفت النقابات وضعية تدبير المال العام من طرف الأكاديمية بأنه “تدبير غير معقلن من خلال التعامل مع شركات للنظافة والحراسة لا تحترم قانون الشغل وتستنزف مالية الأكاديمية” وكذا “صرف تعويضات جزافية وبسخاء للمقربين، واستغلال سيارات الدولة في أغراض غير إدارية وخارج نفود الأكاديمية وابرام صفقات فاشلة لبناء مؤسسات تعليمية بمبالغ مالية باهظة في مناطق غير آهلة بالسكان”.
وعلى صعيد متصل، أفادت مصادر “حقائق 24” عزم الأكاديمية الجهوية لسوس ماسة اقتناء سيارات فاخرة رغم توفرها على أسطول مهم من السيارات من جهة، ومن جهة ثانية وجود مجالات أخرى في هذا القطاع في أمس الحاجة إلى برمجة الغلاف المالي المرصود لعملية اقتناء السيارات، مع العلم أن جل المؤسسات التعليمية بأقاليم الجهة تعيش ظروفا تربوية مزرية من حيث النقص المهول في التجهيزات والأدوات الديداكتيكية ومعدات المختبرات العلمية والمرافق الصحية وصيانة وترميم المؤسسات المتضررة وربط بعض المؤسسات بالماء والكهرباء والصرف الصحي، مما يعيد إلى الأذهان فضيحة مماثلة كان المجلس الجهوي لجهة درعة تافيلالت مسرحا لها قبل شهور.
أما الاجتماع الذي عقدته الاكاديمية مع إحدى شركات الإتصالات والذي تمت فيه المصادقة على منح هواتف ذكية لرؤساء الأقسام والمصالح فقد ساهم بدوره في إسقاط ورقة التوت عن عورة التدبير السيء لشؤون قطاع التعليم بالجهة.
خصوصا وأن المصادقة على صفقة من هذا النوع يأتي في الوقت الذي تمت فيه معاقبة بعض الكفاءات الحقيقية بالأكاديمية والتي لا تشتغل بمنطق الولاءات والإمعية وذلك بتجريدها من هواتف المصلحة.
هل سيفتح “بلقاسمي” تحقيقا في ملفات الرحيوي والصيلي؟
إذا كانت النقابات التعليمية بجهة سوس ماسة قد سبق لها في ذات البيان المذكور أن طالبت الوزارة بضرورة التنزيل الفعلي لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وذلك من خلال مطالبتها بما اسمته “وضع حد لسوء التدبير الإداري والمالي لإدارة الأكاديمية ودعوة الوزارة الى فتح تحقيق في مختلف الخروقات والتجاوزات”. فإن الأخبار التي تم تسريبها من داخل دواليب الوزارة كشفت أن المسؤولين المركزيين عاقدون العزم على المضي قدما في تفعيل هذا المبدأ الدستوري.
فغير بعيد عما طالبت به النقابات التعليمية، عقدت وزارة التربية الوطنية مؤخرا لقاء تواصليا داخليا بمركز التكوينات والملتقيات الوطنية بالرباط، جمع وزير التربية الوطنية بالنيابة والكاتب العام لقطاع التربية الوطنية بمديرة ومديري الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين.
هذا اللقاء الذي حضره أيضا رؤساء الأقسام والمصالح الإدارية المركزية فضلا عن المديرين الإقليميين، ركز أساسا على ضرورة تفعيل مبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة” وهو المدخل الذي اختاره الكاتب العام للوزارة “بلقاسمي” لمواجهة ما وصفها “بالأخطاء التي ارتكبها مديرو بعض الأكاديميات والمديريات الإقليمية في مواجهة أطراف في قضايا خاسرة تكبدت فيها الإدارة خسائر فادحة”، حيث حمل مديري الأكاديميات والمديرين الاقليميين مسؤولية أداء مبالغ الغرامات التهديدية التي تجاوز بعضها أرقاما فلكية، كما حصل في قضية الاستاذ “عمر أوزكان” مع أكايمية سوس ومديرية تيزنيت. معتبرا في الآن ذاته “أنه من غير المعقول أن يزج بالوزارة في متاهة أخطاء ارتكبها مسؤولون على صعيد الجهات والأقاليم في غياب تام لإعمال مبادئ الحكامة الجيدة في التدبير”.
تشديد “بلقاسمي” على مبدا ربط المسؤولية بالمحاسبة مع إحالته على المراجع القانونية التي تحتم تعميمه على مختلف المسؤولين التربويين عموديا وأفقيا ودون استثناء، دفع نقابيين بجهة سوس ماسة – في تعليقات استقتها منهم حقائق 24 – إلى مطالبة المفتشية العام المكلفة بالشؤون الإدارية بوزارة التربية الوطنية إلى تحمل مسؤوليتها القانونية عبر الإسراع في فتح تحقيق معمق في مختلف التجاوزات والخروقات المنسوبة إلى كل من مدير الاكاديمية ومدير المديرية الإقليمية بتيزنيت، مع ضرورة ترتيب الجزاءات المناسبة ما دام الأمر يتعلق بقضايا مرتبطة بسوء تدبير المال العام.