شهد العالم في الآونة الأخيرة الكثير من الاضطرابات والصراعات ,نجم عنها العديد من التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ,أثرت بشكل واضح على الأنظمة والمخططات الدولية الممنهجة ,وبما أن التوازن الاجتماعي من بين أولويات كل الأنظمة العالمية ,فقد نالت المرأة باعتبارها أحد ركائز مكونات المجتمع اهتمامات جمة خاصة بعدانتفاض اليد العاملة النسائية في الولايات المتحدة ضد أوضاع العمل,وضد كل أشكال العنف والاستغلال والتمييز ,وقد أدى استمرارانتفاضات النساء الأمريكيات إلى دفع المنتظم الدولي إلى تحديد ثمانية مارس يوما عالميا للمرأة …والمغرب شأنه شان باقي دول العالم تأثر بهده التغيرات وادمج عيد المرأة في احتفالاته السنوية , لما لا Ịوالأمر لا يحتاج في نهاية المطاف سوى إلى سبق صحفي ,وإلىسلسلة من القرارات تعرضها جملة من النساء في برامج مرئية ومسموعة , نساء تمكن منهن السخط , حتى تحولت تعابير وجوههن إلى ابتسامات بلهاء ,تجعلك تتساءل أهن معك أم ضدك ,أهن فرحات أم غاضبات, أم ماذا ỊỊ وتجعلك تبحث وراء كلامهن المعسول المزدان بمصطلحات لغوية موزونة ورنانة ,عن المصداقية والشفافية ….
مازلت أتصور ذلك اليوم الذي تم فيه الإعلان تلفزيا عن إحياء سهرة احد أعياد المرأة , في ذلك المساء أقبلت النساء بحماس كبير علىالتلفاز ليشاهدن الجديد الذي سيأتي به العيد المزعوم ,انتظرن أمام الجهاز بفارغ الصبر حتى تم استعراض مجموعة من الأغاني ألفن الاستماع إليها في المناسبات المتعلقة بهن ك(“أمي الحبيبة”, “اعطني صاكي” “المدونة” و”سول أمك” و”جمعي حوايجك”) وغيرهم من الأغاني المماثلة ,هذا قبل أن ينقشع بلاتوه التلفاز على ثلاث نساء جلسن على شكل مثلت تتوسطهن امرأة أنيقة مصفوفةالشعر تضع شالا من الحرير على كتفيها ,وعلى يمينها امرأةمسترجلة منفوشة الشعر بشكل غريب ,(أدركت فيما بعد أنه ليس من تلقاء نفسه بل بسبب الأفكار المتضاربة في رأسها ) وعلى اليسار تجلس امرأة محتجبة مسالمة لا تنفك تبتسم في هدوء. افتتحت المرأة الأنيقة الجلسة بكلمات جذابة استهلكت فيها الكثير من المصطلحات الأكاديمية ,فعلمتُ من كلامها ومن نظراتها أنها تمثل الجانب السياسي في الموضوع .لم تعر لها النساء اهتماما ,و اتجهن بأعينهن صوب صاحبة الشعر المنفوش .فهن لم يفهمن شيئا مما تفوهت به والسياسة في ثقافتهن تكاد تكون مقترنة بالكذب فيقال ” سِيْسوُ”,أي “خدو قدعقلو” وهن كن ينتظرن أكثر من ذلك ,فقد سئمن الكلام المنمق , وضغوطات العنف والاستغلال والتمييز قد أخذت منهن مأخذا عظيما. التفتت المرأة إلى اليمين ثم إلى الشمال ,وكأن هناك من يطاردها ,وشرعت تشرح لهن بحماس مقترحاتها عن الشغل وساعات العمل ,وظروفه ومستوى الأجور وما إلى ذلك ,وكانت قد بدأت كلامهابصوت خافت قبل أن ترقى به إلى أعلى درجاته مع المحافظة دائما على حركة الرأس .أدركت أنها تشخص الجانب الاقتصادي في الموضوع , ولا غرابة في ذلك فالاقتصاد ليست له ضوابط ثابتة تحكمهوتخضعه.و تصريحات المرأة وجميع اقتراحاتها غير مستقرة وخاضعةللتغيير والتبديل والإلغاء,كلام استحسنته السيدة الأنيقة بهزة من رأسها وبنصف ابتسامة ,في الوقت الذي لم تتقبله المشاهدات اللواتي علمتهن الحياة أن الحلول تكمن في تنفيذ القرارات وليس في اقتراحها. بعد ذلك أعيد بث أغنية “آمي الحبيبة” التي أثرت كلماتها المعبرة في النفوس , إلى حد أسالت دموع اللواتي تخلين عن أولادهن ,واللواتي تخلى عليهن أبائهن , فانسحب جلهن والألم يعتصر قلوبهن.و اشرئب الباقي بأعناقه إلى صاحبة الابتسامة العريضة ممثلة الجانب الاجتماعي .هذه الأخيرة التي هلت وسط سيل من الأحاديث النبوية والآيات الكريمة بمخططات جمة للأمهات العازيات والخادمات والعجائز المتخلى عنهن ..وكلما توغلت في تضميد الجروح كلما أيقظت الأحزان والآلام الدفينة في الأعماق. إلى أن جاء الفاصل بأغنية “أعطني صاكي” هذه الأخيرة التي أثارت حنق المغتصبات والمتحرش بهن وكذلك المحتجبات (كل لسبب في نفسه ),فانسحبن بدورهن .وبقيت شرذمة قليلة أمام التلفاز ,وقبل الانتقال إلى ممثلة الجانب السياسي لتدلي برأيها فيما تم استعراضه أمامها, عُرضت أغنية ” المدونة ” فرقصت على أنغامها بعض النساء المتفائلات المنتشيات اللواتي لم تصفعهن الحياة بعد, وانصرفت الأخريات اللواتي ينتظرهن يوم حافل بالعمل داخل البيت وخارجة بعد أن شلت المخدرات سواعد رجال البيت وأصبحوا عالة على نسائه .
إن النساء الثلاث هن تجسيد للجوانب الثلاثة “السياسة ,الاقتصاد ,الاجتماع “.وهي جوانب قد تبدو على غير ما هي عليه ,وحقيقة الحال أنها متشابكة,ومتكاملة فالاقتصاد ليس بعد كل شيء سوى أداةسياسية لخلق التوازن الاجتماعي . وواقع المرأة المغربية من حيت هده الجوانب واقع مؤلم غير منصف وهذا يفنده معدل الأمية المرتفع الذييزيد عل6O% ,وأوضاع العمل المزرية في المؤسسات وفي البيوت, بسبب عدم تطبيق قوانين الشغل,والتلاعب بالأجور, ورفع ساعات العمل , والطرد التعسفي,وما إلى ذلك ,ومن جهة أخرى ارتفعت وتيرة جرائم الاعتداء والاغتصاب في صفوف النساء, وكدا الاحتجازوالاستغلال الجنسي خارج الوطن ..أما المرأة البدوية فحدت ولا حرج,فمازالت المسكينة تقطع عشرات الكيلومترات من أجل الإتيان بالماء , ومازالت تتسلق الجبال للإعتشاب والرعي,ومازالت في بعض الأماكن تحارب الخنازير البرية لتعيش هي وأولادها في سلام, ومازالت ترسل بناتها إلى المدينة ليشتغلن, فيعدن بلقمة عيش ممزوجة بكرامة مفقودة ومازالت….ومازالت.
إن المرأة في مجتمعنا بقدر ما تحتاج إلى رعاية اجتماعية واقتصادية تضمها وتحميها, بقدر ما تحتاج إلى رعاية معنوية تقويها تكمن فيأب يعطف عليها وأخ يشفق عليها, وابن يبرها وزوج يحترمها ويقدرها.وإذا كان من العيب أن يعيل الرجل رجلا, فالعيب الأكبر هو أن تعيل المرأة رجالاỊỊ
بقلم نزهة العمراني
موضوع ممتاز ,, يستحق التقدير ,, ننتظر منكم التطرق لمواضيع سياسيه اكثر منها اجتماعيه و شكرا .