ثقافة وفن

بورتريه : “رضوان بوطالب” مؤلف موسيقي سوسي يطرق أبواب العالمية

تشهد الأغنية الأمازيغية في الآونة الأخيرة محاولات حثيثة تميل نحو التحديث، وذلك بشكل يمكن معه التصريح بإمكان تحول الذوق الفني الأمازيغي نحو نموذج من الإبداع الغنائي الذي يزاوج بين الأصالة والعصرنة. حيث استفاد جيل جديد من المبدعين الشباب التواقين للرقي بهذه الأغنية إلى مستوى العالمية من الإمكانات الهائلة التي وفرتها لهم فورة التكنولوجيات المعاصرة في مواكبة الانتقال الذي يشهده المجتمع الأمازيغي من طور البداوة إلى نمط طور التمدن.

رضوان بوطالب، أحد هؤلاء المبدعين الشباب الذين شرعوا في خط مسار متفرد في دروب تخليص الأغنية الأمازيغية من تشوهات الفلكلرة وأغلال التقليدانية. رأى النور في مدينة الدار البيضاء سنة 1993، وبالضبط في مقاطعة سيدي بليوط التي بدأ فيها مساره التعليمي الذي اضطرته الظروف المهنية لوالده أن يكمله في عاصمة سوس.

هكذا سينشأ رضوان بين دروب مدينة أكادير التي يتنفس سكانها أنغام أغاني “الروايس” التقليدية وبين موطن أجداده في منطقة أولوز بإقليم تارودانت حيث لا تنفك جبال الأطلس الكبير تردد صدى إيقاعات أحواش السوسية الأصيلة. ستحكم عليه لوثة الفن التي أصابت أغلب أفراد عائلته أن يستفيق كل يوم على آلتي “لوطار” و”الرباب”، لوثة ما لبثت أن مسته هو أيضا حين وسوس له شيطان الفن أن تداعب أنامله تلك الآلتين، ليجج نفسه بعد حين من الزمن قد أتقن العزف على جميع الآلات الوترية مثل “البانجو” و”القيثارة” و”لوطار” و”القانون”.

امتهن رضوان بوطالب الفن، لتقوده حنكته المهنية في العزف على مختلف الآلات الموسيقية وإجادته لتقنيات التصوير والمونتاج والميكساج للاشتغال رفقة قامات فنية كبيرة مثل “العربي إمغران” و”كريم لجواد” و”إسماعيل سامي”… غير أن ولعه بالبحث والدراسة في مجال الموسيقى ومواكبته للموسيقى العالمية جعل سؤالا واحدا يتسرب إلى ذهنه ليقض مضجعه: هل هو قدر محتوم أن تبقى الأغنية الأمازيغية تكرر نفسها وترتدي نفس أسمالها التقلدية؟ أم أن ثمة إمكانات محتملة لتنخرط في منظومة الحداثة وتساهم في الثقافة الكونية انطلاقا من الخصوصية الأمازيغية؟

لم يشأ المبدع الشاب أن يترك سؤاله معلقا إلى الأبد، بل اختار أن يجيب عليه بإمكان معانقة الأغنية الأمازيغية لسلالم العالمية. حيث توجه رأسا إلى التخصص في مجال التأليف الموسيقي، حيث استكمل مشواره الفني بتلحين العديد من الأغاني. وآلى على نفسه أن يساهم في ترقية الأغنية الأمازيغية إلى مصاف العالمية عبر المزج بين الإيقاعات التقليدية لفن “الروايس” السوسي وإيقاعات العالم.

لم ينجر الملحن بوطالب وراء استيراد القوالب الموسيقية الجاهزة والاكتفاء بتفريغ الكلمات الأمازيغية فيها، بل قرر أن يعمل على تحديث وعصرنة فن الروايس باعتباره النافذة التي يمكن الإطلال من خلالها على ثقافة ذات خصوصية تستمد قوتها من الجذور التاريخية لحضارة أمازيغية قديمة. فموسيقى الروايس، بالنسبة لبوطالب، بعمقها الإفريقي الذي تجسده غلبة “المقام الخماسي” بتنويعاته الثلاثة (أشلحي ولمعكّل وأكناو) تشكل أرضية خصبة لميلاد أغنية أمازيغية تطاول أعنان سماء العالمية.

من ثمة كان حرصه على دراسة خصوصيات الألحان الأمازيغية التقليدية ومحاولة إيجاد الانسجام بينها وبين مختلف الآلات العصرية الحديثة، والغربية منها بالأساس. ليخلص إلى أن موسيقى “الجاز” في جانبها التقني مثلا تعتمد على المقام الخماسي، وهو ذاته السلم الذي تعتمده الموسيقى الأمازيغية في مجملها. ليستطيع بفضل المزج بين الإيقاعات الغربية والأمازيغية أن يبصم النمط الموسيقي لفن “الروايس” بالنمط العالمي، خالقا بذلك منفذا لتمكين شعوب أخرى من تذوق النغم المغربي.

حقائق 24

جريدة إلكترونية مغربية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى