هل يرغم ضغط الشارع الملك على التدخل في ملف “خدام الدولة”؟

تستمر تداعيات ملف “خدام الدولة” الذي آثار الكثير من الجدل في أوساط مواقع التواصل الاجتماعي، في ظل صمت العديد من الأطراف التي كان من المفروض أن تدخل على خط القضية، بعد ما فضل رئيس الحكومة الامتناع عن التعليق على الموضوع، كما هو الشأن بالنسبة لوزيريه في الداخلية والاقتصاد والمالية، اللذين فضلا عدم مواجهة النواب خلال جلسة الأسئلة الشفوية بالبرلمان.

موجة ردود الفعل المستنكرة من طرف المواطنين عقب انكشاف معطيات كانت جريدة هسبريس سباقة لكشفها، حول استفادة مسؤولين كبار في الدولة من بقع أرضية بأثمان هزيلة، قابلها صمت رهيب من طرف المسؤولين والجهات المخولة لها الحديث والإجابة عن فيض الأسئلة المطروحة حول الملف.

ومنذ البلاغ الصادر عن وزارتي الداخلية والاقتصاد والمالية حول الموضوع، كان الخروج الثاني للحكومة محتشما ولم يشف غليل المغاربة بقدر ما زادهم عطشا، عند ما صرح وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، بكونه “لا يستطيع التدخل في الموضوع بدعوى عدم الاختصاص، الذي يظل في يد الوكيل العام للملك بمحكمة النقض”، وفق تعبيره.

ومع مرور الأيام التحقت بـ”خدام الدولة” أسماء عديدة، من ضمنها مستشارون للملك ووزراء سابقون، ما زاد من رقعة الفضيحة، التي لم تجد إلى حد الآن من يوقف تمددها مع التزام المؤسسة التنفيذية الصمت؛ فهل تتطلب القضية تدخلا ملكيا من أجل إطفاء نار وقودها آلاف الغاضبين من “مغاربة فيسبوك”..؟.

لم يحن الوقت بعد

دخول الملك على خط فضيحة ما بات يعرف إعلاميا بـ”خدام الدولة” أمر يبقى مستبعدا بالنسبة لعلي السيجاري، المحلل السياسي، الذي أوضح أن “الملك لا يمكن له أن يتدخل في المستوى الحالي”، مضيفا: “المطلوب هو أن يكون التدخل سياسيا من قبل البرلمان أو عبر خلق لجنة تقصي حقائق من طرف النواب، خاصة من صفوف المعارضة”.

وقال السيجاري، في تصريح لهسبريس: “الحديث عن تدخل ملكي في القضية سيحين عند ما تنتفي جميع الحلول والمسالك القانونية والدستورية؛ آنذاك يمكن طلب التدخل الملك عن طريق التوجه إليه بعرائض وملتمسات من طرف هيئات المجتمع المدني أو الفاعلين السياسيين”.

وأكد السيجاري أن “للملك اختصاصات خاصة به” وأن “تدخله لا يكون في جميع القضايا والنزاعات؛ وهو في المرحلة الحالية من القضية سينسف القانون ودور الحكومة”، حسب تعبيره، مضيفا أنه “على رئيس الحكومة إما أن يراجع المرسوم الذي استفاد عن طريقه “خدام الدولة” من أراض بصفة رجعية، أو يتحمل مسؤولية موقف التزام الصمت الذي ينهجه حاليا”.

عند الضرورة القصوى

إمكانية تدخل الملك في القضية مرتبط حسب محمد الغالي، أستاذ العلوم السياسية، بسيناريو يتمثل في “وصول هذه القضية إلى مستوى معين من الخطورة السياسية، من خلال ارتقائها إلى درجة تهديد دوام واستقرار الدولة المغربية”، حسب تعبيره، وزاد موضحا: “لأن الملك، دستوريا، هو المسؤول عن ضمان دوام واستمرارية الدولة”.

وأوضح الغالي، في تصريح لهسبريس، أن “المؤسسة الملكية تتابع الموضوع عن كثب وتلتقط كل المعطيات والمعلومات حوله”، مضيفا: “في حال استدعت المسألة تدخل الملك، فإن الموضوع لن يمر دون إشارة ملكية لا يمكن تحديد طبيعتها”.

وحول سياسية الصمت التي تنهجها الحكومة، أشار المحلل السياسي ذاته إلى أن المسؤولين في المغرب يشتغلون وفق القاعدة الفقهية المعروفة: “كم من حاجة قضيناها بتركها”، مردفا بأن “هذا المنطق يعتبر القضية مجرد زوبعة أو تصفية حسابات بين بعض الأجنحة، لاسيما على بعد أيام قليلة من الانتخابات التشريعية”.

لا حاجة إلى التدخل

بن يونس المرزوقي، أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق بوجدة، قال في تصريح لهسبريس: “لا أعتقد أن القضية في حاجة إلى تدخل ملكي، فدستور 2011 واضح في هذا الأمر، إذ يمنح الاختصاص إلى رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، لوحده”، مشددا على أن “المؤسسة الملكية هي الأكثر حرصا على تطبيق مضامين الدستور”.

وأوضح المرزوقي أن “الدعوة إلى تدخل ملكي تكون في المواضيع التي تتجاوز الحكومة؛ بينما حل ملف “خدام الدولة” الذي أثار الرأي العام الوطني رهين فقط بتدخل رئيس الحكومة من خلال التوقيع على مرسوم جديد يلغي المرسوم الذي فوتت بموجبه أراضي ملك الدولة إلى خدامها بذلك السعر الزهيد، أو تحديد شروط جديد للاستفادة من هذه الأراضي، يتساوى فيها عموم المواطنين والمواطنات، وفق دفتر تحملات معين”، على حد قوله.

“البيجيدي” والملك

واعتبر طارق أثلاثي، رئيس المركز المغربي للأبحاث والدراسات الإستراتيجية، أن “هناك محاولة لإقحام الملك في الملف من طرف حزب العدالة والتنمية، وذلك عبر نهج أمينه العام ورئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، موقف الصمت وعدم التدخل في القضية، رغم السلطة التي يمنحها له الدستور، والتي تمكنه من إنهاء الجدل القائم حاليا عبر إصدار مرسوم ينسخ المرسوم السابق”.

وأوضح أثلاثي، في تصريح لهسبريس، أن “الهدف من موقف الصمت الذي ينهجه رئيس الحكومة هو محاولة إدخال المؤسسة الملكية على خط الملف، نظرا لاعتبارات سياسية كبرى”، وزاد موضحا: “البيجيدي ينهج تكتيكا إستراتيجيا لتعبئة الشارع ضد المسؤولين الكبار في الدولة، من أجل حملهم على رفض ما يحصل والخروج إلى شارع، ما من شأنه أن يوصل “إخوان بنكيران” إلى الحكومة مرة أخرى”، على حد تعبيره.

أترك تعليقا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *