عبدالسلام بنعيسي
من الطبيعي أن يثير قتل الطالب عمر خالق إزم يوم 27 يناير 2016 بمدينة مراكش حزنا كبيرا في نفوس المغاربة، هذا طالب، في ريعان شبابه، ما زال مستقبله كله أمامه وذهب ضحية صراع بين طلبة في جامعة يفترض أن تكون مجالا للحوار والنقاش وتطارح الأفكار والتقريب بينها، ولكنها تحولت للأسف الشديد إلى فضاء للعنف المفضي إلى حد الموت.
لا يملك المرء إلا أن يتفهم مشاعر الحزن التي استولت على أهل عمر إزم، وذويه، ورفاقه، جراء المأساة التي حلت بهم نتيجة لهذه النهاية التراجيدية وغير المتوقعة التي ألَمَّت بذلك الشاب، وغيبته بشكل نهائي عن هذه الحياة، وصعقت أسرته الصغيرة التي كانت تتطلع إليه وهو يتعلم، ليتخرج من الجامعة، ولعله يتبوأ مكانا اجتماعيا مرموقا يجعلها تفتخر وتعتز به في محيطها.
هذا الحزن على الشاب عمر إزم، لا يجب أن يدفعنا إلى تجنب الحديث عن بعض الممارسات التي باتت تعرفها جامعاتنا، والتي لا يمكن للمرء أن يشعر بالاطمئنان إزاء تفشيها. إنها ممارسات لا تدل على صحة الفضاء الجامعي، ولا تشير إلى كونه يعكس وعيا بالواقع الاجتماعي، ويتضمن التطلعات الوطنية التي من المفروض أن تظل هي السائدة في عموم الخريطة المغربية.
لا يعقل أن يقع تصنيف للطلبة المغاربة وفقا لانتماءاتهم الجهوية والمناطقية، ولا ينبغي أن يكون هناك حد فاصل بين طلبة مغاربة من جهة معينة من الوطن، مع باقي جهاته الأخرى. وجود فصيل للطلبة الصحراويين خصيصا، أمر غير مقبول في الجامعة، كما أن إنشاء فصيل لطلبة ينتمون أساسا لما يسمى بطلبة الحركة الثقافية الأمازيغية تصرف ليس متناغما مع الجامعة وحرمها.
الثقافة التي تربينا عليها في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب كانت تحث على الوطنية، وعلى الارتقاء عن الجهوية والقبلية، وترفض كل ما يؤدي إلى التمييز بين الطلبة على أساس لونهم، أو عرقهم، أو جهتهم. كان الطلبة إما اشتراكيين، أو شيوعيين، أو قاعديين أو إسلاميين..
وكان الخلاف بين الفصائل الطلابية يدور حول الأفكار، والآراء، والتصورات الكفيلة، حسب كل فصيل، بالخروج بالمجتمع من التخلف، والاستغلال، والتبعية، وسيطرة الطبقة البورجوازية الكمبرادورية على خيرات المجتمع وحرمان الأغلبية منها، تبعا لتعابير التجمعات الطلابية التي كانت تتم في أروقة الكليات والمعاهد والمدارس العليا، وقتها.
لكن، حين يتم اليوم تأسيس فصيل طلابي على خلفية انتماء جميع أعضائه للمكون الأمازيغي من النسيج الاجتماعي المغربي، فإن ذلك يعني أنه إنشاء يقصي أوتوماتيكيا من صفوفه باقي المكونات الاجتماعية الأخرى غير الأمازيغية التي تتألف منها الهوية المغربية.
ليست الجامعة مكانا للتمييز بين طلابها على أساس عرقي وهوياتي. الجامعة فضاء لمحاربة مثل هذا التمييز وللقضاء عليه، تجنبا لحدوث أي انشطار اجتماعي. العناية بالثقافة الأمازيغية وتنميتها شأن وطني، إنها تهم كل المغاربة، ولا يجوز أن يقع الاستحواذ عليها من طرف أقلية محدودة من الطلبة، ويزايدون بها داخل الجامعة على ما عداهم من الطلبة.
الاستحواذ على الأمازيغية، ورفعها شعارا لمواجهة العربية والإسلام واستعدائهما، والتحريض ضد باقي المكونات الأخرى للهوية الوطنية، لا يخدم الأمازيغية ولا يساعد على خلق البيئة المناسبة للنهوض بها، ولا يجوز أن يصدر هذا السلوك أصلا عن طلبة في الجامعة المغربية. الطلبة هم مرآة المجتمع التي عليها أن تعكس التناغم والتآخي والانصهار الحاصل في الهوية الوطنية والتلاحم الموجود بين عناصرها.
الذين يخالفون هذا المسلك، يوفرون بذلك، الظروف الملائمة لإثارة الحقد والكراهية والاصطدام بين الطلبة، وأخطر ما في الأمر هو أن هذا الاصطدام ليس على قناعات، أو أفكار، أو توجهات سياسية، أو خيارات اقتصادية، إنه اصطدام على اعتبارات عرقية، لا فائدة منها، ولا داعي لها أساسا .
كما لا يعقل أن يكون في جامعتنا فصيل يطلق على نفسه فصيل الطلبة الصحراويين، ويتمتع المنتمون إليه بامتيازات كثيرة قياسا بباقي الطلبة، وجود هذا الفصيل وبهذه الامتيازات التي يحظى بها يخلق شرخا بين الطلبة، ويوفر الأرضية الملائمة للصراع والاقتتال بينهم، كما أنه يوحي للمستفيدين من تلك الامتيازات أن الدولة تخافهم وتسترضيهم، وتميزهم عن غيرهم، فيتشددون في مواقفهم، وتصبح الامتيازات التي ينعمون بها حقوقا، ويعدو تصرفهم داخل الجامعة تصرفا فوق تصرفات باقي الطلبة.
إذا كان الطلبة من أصل صحراوي يشعرون أن لديهم مواطنة امتيازية في المغرب بسبب مشكل الصحراء الذي ما زال لم يحسم بعد على المستوى الدولي، فإنهم سيعملون جهدهم لكي يظل هذا المشكل قائما ويسعون بكل الوسائل لتكريس استمراره قائما حتى تظل امتيازاتهم قائمة.
وأخطر ما في الأمر هو أن يتم خلق الانطباع بأن مواجهة واقتتالا وقع بين فصيلين من الطلبة، الأول يمثل الطلبة الصحراويين، والثاني يجسد إرادة الطلبة الأمازيغ، وكأن فتنة وقعت ببلادنا. هذه صورة مغلوطة عن المغرب. فالصحراويون والأمازيغ مغاربة، وما يجمعهم هو انتماؤهم لوطنهم الواحد، وهذا ما ينبغي الحرص عليه قبل كل شيء.