الرأي

مُبارِك – العماري : “هِيرو أُونُودا” الصناعة السينمائية بالمغرب

عبد الله الفرياضي

يوم الإثنين الماضي [13 نونبر]، كنت في مهمة خارج مدينة أكادير. سارعت الوقت لإنهاء التزاماتي كي أستطيع حضور حفل افتتاح الدورة الـ19 “للمهرجان الدولي للسينما والهجرة” [18/13 نونبر 2023]. وتمكنت بالفعل من ولوج قاعة سينما “صحرا” قبل الثامنة مساءً. الواقع أن حفل الافتتاح، لوحده، كان مهرجانًا داخل مهرجان.. لست هنا مؤهلا لتقييم مستوى التنظيم، فجمعية “مبادرات ثقافية” القائمة على المهرجان، قد نظمت قبل هذه الدورة 18 دورة سابقة.
أخذت مكاني بين الحاضرين. ألقيت نظرة سريعة على برنامج الدورة، فوجدته برنامجًا غنيا. ولأنها المرة الأولى التي أحضر فيها فعاليات هذا المهرجان، تساءلت مع نفسي: “هل هكذا يفعلون دائمًا؟”. لم يكن معي أي مسؤول عن المهرجان ليجيب عن سؤال، فأجريت بنفسي بحثًا سريعًا على الأنترنت، لأكتشف، من خلال التقارير الإعلامية، أن برامج الدورات السابقة لا تقل ثراءً عن برنامج الدورة الحالية.

تقييم أولي..

بعد أن انتهت فقرات الحفل، وانفض الجمع باستحسان الجميع لما تابعوه من فقرات، أحسست ببطني تخبرني سرها المكتوم، فتوجهت إلى أقرب مطعم. وأنا ألتهم بشراهة وجبة عشائي، تعاركتْ في ذهني أفكار وملاحظات، وتمكنت بعد فحصٍ وترتيب من تكوين تصور شمولي عن الأدوار والوظائف الكبرى، التي يضطلع بها عمليا هذا المهرجان على أكثر من صعيد. أدوار يمكنني اختزالها في قدرة القائمين عليه من تحويله إلى:
1 – منصة للترويج السياحي والثقافي للمغرب ولجهة سوس ماسة، وتعزيز جاذبيتهما الاقتصادية،
2 – واجهة حضارية لتسويق القيم الثقافية المغربية، وتجسير العلاقات بين الثقافات المختلفة،
3 – مناسبة سنوية مهمة لترسيخ الثقافة السينمائية، وملئ الفراغ المهول الذي تعيشه الجهة على مستوى تعطيل القاعات السينمائية،
4 – مشتل رائد في تكوين الأطر والكفاءات في القطاع السينمائي، وتطوير الكفايات المهنية للعاملين في القطاع،
5 – فضاء للتنسيق والتواصل البيمهني، وتبادل المعارف والخبرات بين الفاعلين السينمائيين،
6 – محفل دولي للمساهمة في تطوير الصناعة السينمائية المغربية.

لكل شيء إذا ما تم نقصان..

هكذا أنشد أبو البقاء الرندي مفتتحًا مرثيته – المشهورة بالنونية – بعد سقوط آخر قلاع المسلمين بالأندلس. صوابَا قال، وصدقَا نطقَ. فلكل شيء، بالفعل، إذا ما تم نقصان. ذلك لأنني حين كنت أتصفح كُتيّب المهرجان، استرعى انتباهي صِغَر المساحة المخصصة للداعمين والمستشهرين، اعتبارًا لقلتهم طبعًا. لم يكن هذا هو الغريب في الأمر، لكن الغريبَ هو غياب شعار مؤسسة مهمة من قبيل “المركز السينمائي المغربي”. تساءلت: أيعقل حقا أن مهرجانًا من هذا الحجم، وبهذا التميز، لم يحظ بدعم المركز؟ في بادئ الأمر اعتقدت أن المسألة لا تعدو أن تكون محضَ سهوٍ من الجهة المنظمة. لكنني لم أطمئن لهذا التخمين بحكم معرفتي بمهنية القائمين على هذا المهرجان. حينها بحثت في الموقع الرسمي للمركز عن جواب.. فكانت الصدمة

العبثُ زاحفًا على بطنه ..

أول ما بحثت عنه طبعًا في الموقع الرسمي للمركز السينمائي، كان هو بلاغاته في شأن نتائج دعم المهرجانات السينمائية. لم أجد البلاغ الخاص بالدورة الثانية لسنة 2023 [اكتشفت فيما بعد أنه قد تستر عن نتائج هذه الدورة إلى حد الآن]. فاكتفيت بالأرقام المعلن عنها بخصوص الدورة الأولى (أبريل 2023). فماذا وجدت؟ تشير تلك الأرقام إلى أن المركز قد تمكن من تعبئة غلافٍ مالي قدره 5 ملايين و700 ألف درهم لدعم 15 مهرجانًا وتظاهرة. وبالتدقيق في المبالغ المرصودة لكل جهة من جهات المغرب، تبين لي أن جهة سوس ماسة، لم تَحُزْ من المركز إلا مبلغًا هزيلا لا يتعدى 85 مليون سنتيم! وفضلا عن هزالة هذا المبلغ، فإن السؤال عمن حاز هذا الدعم قد أشعرني بغصة في الحلق.. وكانت الطامة الكبرى أن مهرجان السينما والهجرة، الذي انبهرت لتوي ببرنامجه الثري، كان خارج حسابات المركز!

أرقام أخرى، وتلكم قصة أخرى ..

توغلت في بلاغات المركز، فأخبرتني أرقامه بخصوص دعم الأعمال السينمائية – إنتاجًا، وكتابةً، أو إعادة كتابةٍ للسيناريو – [برسم الدورة الأولى لسنة 2023]، أن المركز قد عبأ ميزانية مهمة قدرها 22 مليون درهم. فيما خصص غلافًا ماليا قدره 3 ملايين درهم ونصف المليون، لرقمنة وتحديث بعض القاعات السينمائية [“ميكاراما” بالدار البيضاء – “الريف” بطنجة – “سيني أطلس كورنيش” بالجديدة]. هنا تساءلت مرة أخرى: ما معنى أن يضخ المركز كل هذه الاعتمادات المالية في الإنتاج وتحديث ورقمنة بعض القاعات، في الوقت الذي يحرم فيه أبرز المهرجانات السينمائية المغربية من الدعم؟ فحسب معرفتي المتواضعة في المجال السينمائي، فإن خيار الصناعة السينمائية الذي تبنته بلادنا، يرتكز على رافعتين أساسيتين، هما: رافعة الإنتاج، ورافعة التسويق. فكانت المفارقة أن المركز السينمائي – بوصفه الجهة الرسمية الموكولة لها مهمة تنزيل خيار الصتنيع السينمائي في المغرب – هو من يعرقل بالفعل هذا الخيار. وهنا تذكرت هِيرو أُونُودا..

من يكون هِيرو أُونُودا؟

لم تكن سنة 1939 مجرد رقم في لائحة السنوات الماضية، بل كانت السنة التي اندلعت فيها أشرس حرب كونية شهدتها البشرية بين دول الحلفاء ودول المحور. أقصد الحرب العالمية الثانية التي دامت سبع سنين، ولم تتوقف إلا سنة 1945. بصرف النظر عن مأساوية هذه الحرب، ونتائجها التراجيدية، أنها ارتبطت بحدثٍ فادحِ الغرابة. ففي السنة الأخيرة للحرب، إستسلم الجيش الياباني أمام الأمريكيين إلا جنديًا واحدًا.. هو “هِيرو أُونُودا”. لم يصدق “أُونُودا” أن دولته قد استسلمت، بل واصل المقاومة لثلاثين سنة أخرى بعد انتهاء الحرب!
الحق أن من يتصدى لتحمل مسؤولية الفعل الثقافي في بلادنا، أشبه ما يكون بجندي مغامرٍ يرتدي بَزَّته العسكرية لخوض حرب ضروس. حرب شعواءَ، يتحالف فيها العدو مع الصديق. ولذلك استقال من حروب “الفعل الثقافي” أغلب مثقفينا، وآثروا النفاذ بجلودهم كما يقول المثل الشعبي.. استقالوا أغلبهم إلا مثقفان – جنديان: رئيس هذا المهرجان “إدريس مبارك”، ورفيق دربه مدير المهرجان “عزيز العماري”.. لينتجا لنا نسخة مغربية من “هِيرُو أُونُودا” الياباني.

حقائق 24

جريدة إلكترونية مغربية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى