عبد الهادي مزراري
لم يكن اغتيال زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله على يد القوات الإسرائيلية، الجمعة الماضي، حدثا مفاجئا وإن كان مدويا، فإسرائبل ومعها أجهزة استخبارات الدول الغربية المتحالفة معها تضعه على رأس قائمة التصفيات منذ سنوات.
كانت عملية تفجير أجهزة البيجر قبل أيام قليلة ناقوس الإنذار الأخير، لكن الرجل رغم اعترافه في آخر خطاب له أن الضربة الإسرائلية كانت موجعة، إلا أنه لم يدقق جيدا في جغرافية المشهد المحيط به داخليا وإقليميا، واستمر على النهج نفسه الذي بدأ به عملية إسناد جبهة غزة.
ماهي الأخطاء التي ارتكبها حسن نصر الله لتكون نهايته بهذا الشكل المفاجئ في الوقت الذي تشن إسرائيل حربا مدمرة على قطاع غزة منذ عام، ولم تتمكن من الوصول إلى قادة حماس في الميدان ولا إلى الرهائن التي تبحث عنهم، مع الأخذ في الاعتبار الفرق الهائل بين حجم فصائل المقاومة في غزة وحجم حزب الله عدة وعتادا وجغرافية؟
إن الجواب على هذا السؤال يوجد في تحديد من يكون حزب الله ومن يكون حسن نصر الله؟
جرى ربط اسم الشخص بالحزب الذي خاض عدة مواجهات في السابق ضد إسرائيل، وكان في كل مواجعة يكسب المزيد من القوة والهالة الإعلامية حتى وصل إلى أوجها في حرب عام 2006.
بعدها صار للحزب حضور قوي على الساحة السياسية الداخلية في لبنان، ونجح في اجتياز امتحان تجريد حزب الله من سلاحه، بل تمكن من إضافة أسلحة متطورة أخرى إلى ترسانته الحربية، وبات رقم معادلة صعب في تحديد خيارات لبنان الإقليمية والدولية، خاصة بعد انسحاب آل الحريري من المشهد.
كما صار لحزب الله حضور إقليمي قوي تجاوز حدود الدولة، وكانت له تدخلات عسكرية في العراق قاتل فيها إلى جانب الفصائل الشيعية ضد السنة، ولم يتردد في ارسال قواته إلى سوريا للقتال إلى جانب قوات النظام السوري ضد جماعات المعارضة المسلحة. ونظم كذلك معسكرات للتدريب والقتال في اليمن لمساندة جماعة الحوثي في حربها ضد قوات الجيش اليمني. ووصل خبراءه العسكريون إلى شمال إفريقيا عبر الجزائر لتدريب جبهة البوليساريو على القتال ضد المغرب.
في خضم كل هذا التوسع والهالة التي اكتسبها الحزب، كانت نقطة الضعف القاتلة التي تكبر معه، هي وضعية الحزب في حد ذاته، وتحديدا وضعية قائده حسن نصر الله. فالرجل هو مجرد موظف في الحزب وليس قائدا، والحزب بجناحيه السياسي والعسكري هو مؤسسة تابعة لإيران.
بعد طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، كان من المتوقع أن ينخرط حزب الله في المعركة ضد إسرائيل، وكانت اقتناعات جل قيادييه وفي المقدمة حسن نصر الله تقضي بالدخول في حرب شاملة مع القوات الإسرائيلية، لكن التعليمات الصادرة من إيران كانت تفرض الإبقاء على ضبط النفس.
لكن بما أن حزب الله ظل متمسكا بسياسته التي أعلنها على طريق تحرير القدس ومساندة المقاومة، وكذلك تجنبا للحرج أمام الرأي العام اختار فتح المواجهة مع إسرائيل ضمن قواعد الاشتباك المدروس.
استمر الوضع على هذا الحال من اكتوبر 2023 حتى يوليوز 2024، وخلال هذه الشهور وقعت أحداث واغتيالات كانت تفرض إعادة النظر في كل شيء، قصفت إسرائيل في أبربل الماضي القنصلية الإيرانية في دمشق، ولم يصدر عن إيران أي رد.جدي باستثناء ضربات بدخيرة بيضاء لدر الرماد في العيون.
في 31 يلويوز الماضي تم اغتيال قائد حركة حماس إسماعيل هنية في إيران وهو ضيف في حماها، ولم يصدر اي رد من طهران.
اتضح للجميع أن إيران لا ترغب في الدخول في حرب مع إسرائيل وهي مدعومة من الولايات المتحدة والدول الغربية، وهو ما جعلها تتلاعب بمشاعر أتباعها، خاصة الطوائف الشيعية العربية، فتعلن تارة أن الرد قادم، ومرة أخرى تقول إنها مسلحة بالصبر الاستراتيجي، وآونة تكتفي بالوعد والوعيد كعادتها.
كان حسن نصر الله يعرف بأنه ليس صاحب العربة وأنه كان فقط سائقا لدى مالكها (إيران)، وأن المالك من كان يفرض عليه الطريق الذي يسير فيه ويحدد له السرعة التي يسير بها.
بعد مقتل القيادي العسكري في حزب الله فؤاد شكر في يوليوز الماضي، وبالتزامن مع اغتيال اسماعيل هنية في قلب إيران شعر حسن نصر الله بضغط كبير سواء من المحيطين به او من خلال الصورة العامة للحزب امام عناصره وانصاره وأتباعه، وقرر أن يكون رده على إسرائيل غير الرد الإيراني الأبيض، فشرع في توسبع رقعة قواعد الاشتباك باستخدام صواريخ جديدة طالت مستوطنات ومدنا في إسرائيل.
من جانبها لا تخفي إسرائيل رغبتها في توسيع نطاق الحرب، فهي تريد استعمال البطاقة العسكرية الأمريكية ولو اقتضى الأمر استنفاد كل رصيدها، ولإنجاز هذه المهمة لا تشكل حماس ولا حزب الله سوى حطب يجب حرقه من أجل النار الكبرى.
من جهتها، تعتبر إيران خادعة وكاذبة وتفاوض الغرب تحت الطاولة من أجل مصالحها، وعينها ليست على القدس وإنما على بغداد وقد حصلت عليها بفضل حرب أمريكية، كما حصلت على اليمن ولبنان ودمشق، وتريد مكة في المستقبل.
ترى إيران أهمية حزب الله وجماعة الحوتي وعصائب أهل الحق وسائر الجماعات الشيعية السياسية والعسكرية في تحقيق هدفها، وفي الوقت نفسه لا تقبل بأن يكون أي من هذه الكيانات سببا في جرها إلى حرب تعرف فيها مسبقا مصيرها، فالشيعة العرب مجرد أدوات بالنسبة لطهران وهم الآن عراة بلا إسناد وبلا غطاء.
من أجل ذلك فرضت طهران على حزب الله أن يدخل في ما يشبه “نصف الحرب” مع إسرائيل، وليس في حرب حقيقية، لكن الخطأ الذي ارتكبه حسن نصر الله أنه استسلم لخطة إيران ولم يأخذ في الاعتبار الشروط التي تفرضها حرب كاملة باتت مفروضة عليه، وفي مقدمة تلك الشروط حليف موثوق به، كما تثق إسرائيل بأمريكا، وطاقم مخلص غير مخترق كما هو حزب الله مخترق من أخمص قدميه حتى رأسه.