حنان وهبي
تعد مشكلة العنف لدى الأطفال، وخاصة في الأقسام الأولى من المرحلة الابتدائية، ظاهرة آخذة في الانتشار، ما يثير قلق الأهالي والمجتمع التعليمي ككل. إذ أن السلوكيات العدوانية المتزايدة بين الأطفال في سن صغيرة تتخذ أشكالًا متعددة، من العنف الجسدي كالدفع والضرب، إلى العنف اللفظي كالشتائم والسخرية، وأحيانًا تصل إلى التخريب والإتلاف المتعمد. هذه الظاهرة لا تؤثر فقط على الأطفال المعنيين، بل تمتد إلى زملائهم الذين قد يتعرضون للعدوى السلوكية نتيجة تكرار مشاهدتهم أو تعرضهم لهذه التصرفات.
متلازمة العنف وانتقال العدوى السلوكية بين الأطفال
تشير الدراسات النفسية إلى ما يسمى بـ”عدوى السلوك” بين الأطفال، وهي حالة تنتقل فيها السلوكيات العدوانية من طفل إلى آخر، حيث يصبح العنف سلوكا مُعديا بشكل غير مباشر. عندما يلاحظ الطفل الآخر أقرانه يمارسون العنف أو يتبنون أسلوبا عدوانيا في التعامل، فقد يجد نفسه مدفوعا لتقليد هذا السلوك ظنا منه أن هذا هو النمط المقبول للتفاعل مع الآخرين. يؤدي هذا الانتقال إلى تفشي الظاهرة بين صفوف الأطفال، مما يجعل من العنف في المدارس الابتدائية مشكلة جماعية تحتم علينا إيجاد حلول شاملة وفعالة.
العوامل المساهمة في انتشار العنف
هناك عدة عوامل قد تكون وراء تفشي العنف بين الأطفال في سن مبكرة، منها:
1- التأثر بالبيئة الأسرية: فالطفل الذي ينشأ في بيئة تتسم بالتوتر أو العنف المنزلي، أو يشهد سلوكيات غير صحية بين أفراد أسرته، يكون أكثر عرضة لتبني سلوكيات عنيفة.
2- وسائل الإعلام والتكنولوجيا: مع انتشار الألعاب الإلكترونية وبعض البرامج التي تتضمن محتوى عنيف، قد يصبح الطفل أكثر ألفة مع العنف، ما يدفعه إلى ممارسة هذا السلوك في حياته اليومية.
3- نقص الدعم النفسي والاجتماعي في المدارس: عدم وجود مرشدين تربويين بشكل كافٍ داخل المدارس أو عدم تفعيل دورهم بشكل ملائم قد يسهم في استمرار المشكلات السلوكية للأطفال دون تدخل فعال.
تأثير العنف على التحصيل الدراسي وصحة الأطفال النفسية
الطفل الذي ينخرط في سلوكيات عنيفة أو يتعرض لها بشكل متكرر يكون معرضا لمشاكل نفسية واجتماعية قد تؤثر على تحصيله الدراسي وعلى علاقاته مع زملائه. كما قد يشعر الأطفال الذين يتعرضون للعنف بالتهديد والخوف المستمر، ما يقلل من ثقتهم بأنفسهم وقدرتهم على التفاعل بإيجابية داخل المدرسة.
دور المجتمع في مكافحة الظاهرة
تتطلب مكافحة هذه الظاهرة تدخلًا من مختلف الجهات، بدءا من الأسر والمدارس إلى المؤسسات . ينبغي على المدارس توجيه اهتمام أكبر إلى التوعية السلوكية وتعزيز مهارات التواصل السلمي بين الأطفال. ومن الإجراءات الضرورية:
– تفعيل دور الأخصائيين النفسيين في المدارس: ليتابعوا الأطفال ويعملوا على توجيههم نحو سلوكيات أكثر إيجابية.
– برامج تعزيز الذكاء العاطفي والاجتماعي: إذ أن تعليم الأطفال كيفية التعبير عن مشاعرهم والتعامل معها بشكل إيجابي قد يساعدهم في إدارة غضبهم أو إحباطهم بطريقة سليمة.
– إشراك أولياء الأمور في الحلول: وذلك من خلال تقديم نصائح ودورات حول كيفية التعامل مع سلوكيات الأطفال العنيفة، وتوجيههم نحو التعامل الهادئ بدلا من ردود الفعل العنيفة.
أهمية الدور الوقائي في التصدي للعنف
لمنع انتقال عدوى السلوك العنيف بين الأطفال، لا بد من توعية الأطفال بأهمية التعاون والتسامح والاحترام المتبادل. كما قد يكون من المفيد تقديم برامج وقائية تعليمية حول التسامح واحترام الاختلافات، إضافة إلى تخصيص أوقات لممارسة الأنشطة الترفيهية الجماعية التي تُنمي روح الفريق.
في الختام، تعد ظاهرة العنف بين الأطفال في المرحلة الابتدائية تحديا يحتاج إلى استجابة جادة ومنسقة بين الأسرة والمدرسة والمجتمع بأكمله. فلا يمكننا أن نغفل عن آثارها البعيدة المدى التي قد تترجم لاحقا إلى سلوكيات عنيفة في المستقبل.