حقائق24
يحتفل العالم في فاتح ماي من كل عام بعيد الشغل أوعيد العمال، وهو مناسبة تخرج فيها التظاهرات والمسيرات عبر العالم يطالب فيها العمال بتحسين أوضاعهم المهنية والمادية، والمغرب بدوره يحتفل بهذا العيد على غرار جميع الدول، وهي محطة سنوية يخرج فيها العمال المغاربة لكي يعبروا عن مطالبهم الاجتماعية.
لكن، الملاحظ أن عيد الشغل خلال السنوات الأخيرة أصبح يطغى عليه البعد الدعائي والاحتفالي، ولم يعد محطة نضالية تهدف لتسليط الضوء على وضعية العمال ومعاناتهم.
وما دام عيد الشغل تحوّل إلى مناسبة احتفالية، وبالتالي لم يعد يضيف شيئا لواقع العمالة المغربية، سواء احتفلوا به أم لم يحتفلوا، لذلك، لماذا لا نحوّله لعيد للعطالة أو البطالة، لكونها أصبحت تشكل الهاجس الأكبر لدى المجتمع المغربي، على الأقل سيكون هذا العيد فرصة للمجتمع المدني والسياسي لفتح نقاش عام لطرح الحلول والاقتراحات العملية للحد من تفاقم الظاهرة، حتى يساهم في تخفيف العبء على الدولة، التي لم تعد مؤسساتها قادرة على استيعاب الحشود الغفيرة من المعطلين.
فإذا وافق العمال على هذا المقترح، سيشكّل ذلك دعما معنويا للمعطلين الذين أنهكهم النضال في الشارع العام، فمنهم مَن بلغ مِن الكِبَرِ عُتيّا، ومنهم من قضى نَحْبه، ولم يتحقق حلمه، ومنهم من ينتظر، وما بدّلوا تبديلا… على أمل أن يجود عليهم القدر بوظيفة تخرجهم من جحيم البطالة إلى جنة العيش الكريم.
كما أن هناك مقترح آخر نطرحه على السادة المشرفين على قطاع التعليم ببلادنا، وهو أن يضيفوا إلى شعار “العلم نور والجهل عار” الذي طالما تردّد على مسامعنا في المراحل الابتدائية، شعارا آخر وهو: “الشغل نور والبطالة عار”، حتى لا تظل الأجيال الصاعدة منْكبّة فقط على طلب العلم وتنسى طلب الشغل، فيكون ذلك دافعا لها لكي تبحث مبكرا – قبل التخرج- عن العمل بالتزامن مع طلبها للعلم.
ومع انتشار وباء البطالة في كل مفاصل المجتمع، أصبحت البطالة ماركة مسجلة بالمغرب، لا تنفصل عن الواقع المعيشي للمغاربة، فما من أسرة مغربية إلا ولديها مُعطّل إما عن العمل أو عن الدراسة… وصار خروج جحافل المعطلين المحتجين للشوارع والساحات العمومية تقليد من التقاليد المغربية، لذلك فإن القائمين على التعليم انتبهوا إلى هذا الأمر، فقرروا مواكبة هذا التقليد، فأحدثوا برنامجا مُحْكمًا للعطل يُمكّن التلاميذ والطلبة من النّهْل من “ثقافة التبيطيل”، حتى يكونوا مهيئين نفسيا بعد التخرج من مواجهة عدوتهم اللدودة: البطالة.
وهكذا، ففي كل أسبوع هناك عطلة، وفي كل شهر عطلة، وبعد كل اختبار عطلة، وفي كل موسم عطلة، تُضاف إليها الساعات والأيام المعطّلة التي يساهم بها رجال ونساء التعليم (الإضرابات، الولادات…) ناهيك عن عطل الأعياد الوطنية والدينية… فبالكاد يتعلم التلاميذ والطلبة شيئا، حتى تأتي العطلة “السخية” لتمحو من ذاكرتهم كل ما تعلموه، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن القائمين على تعليمنا بدأوا فعلا في تطبيق شعار: “الشغل نور والبطالة عار” لكن بشكل مقلوب… وهذا يُحسب لعبقرية القائمين على نظامنا التعليمي، فهم لم يتركوا أبناء الشعب يواجهون مصيرهم المحتوم دون أن يفكروا في حلول قبلية للتخفيف من المعاناة النفسية الناتجة عن الحرمان من الشغل.
وهذه تجربة فريدة في المغرب، لم تتمكن حتى الدول المتقدمة من الوصول إليها، لذلك ما على وزارتي التربية الوطنية والتعليم العالي إلا تعميم هذه التجربة غير المسبوقة على دول العالم، من خلال بعث أطرها لتخصيص حصص ودورات تكوينية في “ثقافة التبطيل”، مقابل عائدات مالية ستعود بالمال الوفير على الوزارتين، حتى لا يحرم العالم من هذا الاختراع المغربي الأصيل.
وما دام نظامنا التعليمي وواقعنا العملي قائم على “ثقافة التبيطيل”، فإننا ندعو من يهمهم الأمر إلى تخصيص عيد وطني للبطالة، يكون فرصة لعرض مطالب المعطلين سواء الذين لا يزالون يتابعون دراستهم أو الشباب حاملي الشواهد، وذلك للوقوف على مشاكلهم الاجتماعية والتعليمية الناتجة عن حرمانهم من حقهم في الشغل أو حقهم في التعليم…