حقائق24
عبد الله بوشطارت
زرت جل مناطق اقليم تارودانت وقمت بتحقيقات اجتماعية ترصد المعيش اليومي للمواطنين…سكان الجبال والسفوح…كنا في سنة 2011 في جماعة تيندين…بالاطلس الصغير…جماعة ناءية ومنسية ولم نجد حينها ولو مشروع واحد للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية…سألنا المسؤول عنها في عمالة تارودانت وقال ان السبب راجع إلى عدم توفر الشروط للاستفادة من برامج المبادرة وماهي هذه الشروط اجاب نسبة الفقر عالية في هذه الجماعة كانت 22.%..بمعنى السكان لا يعانون من الفقر ….الله ياودي…
حين اقتنع المسؤول بالخطأ الحاصل وللظلم الذي تعرضت له هذه الجماعة حمل المسؤولية لمندوبية الإحصاء. ..الحمدلله بعد بث البرنامج وانكشفت النفاق استفادت الجماعة من عدة برامج ومشاريع في الطرق والماء وغيرها…واعترف لي نفس المسؤول فيما بعد أننا انقذنا الجماعة…
بعد ذلك قمنا بتصوير حلقات أخرى وركزنا على الصحة في تاويالت واسكاون 2014 والطرق والقناطر في 2015 ثم التعليم في اغرم وجماعة اصادص سنة 2015 وقبلها في 2013 حلقة حول الفلاحين الصغار ومشكل استغلال الفرشة الماءية واستنزافها. …
وبسبب فيضانات عدت مؤخرا قبل أسابيع قليلة إلى اقليم تارودانت جماعة تيزي نتاست وجماعة أزرار. …والشيء الوحيد الذي تغير هذه السنة هو عامل الإقليم. ..لكن الدهشة والحيرة التي لا اجد لهما اي تفسير مقنع هو استمرار معاناة سكان هذا الاقليم وارتفاع حدة قساوة عيشهم. ..والمفارقة أن الفقراء يزدادون فقرا واغنياءه يزدادون غنى وتجبرا يغتنون على حساب الفقراء ويطغون عليهم عن طريق الانتخابات….وأي مسؤول دخل إلى وعين في تاردوانت يدخل إليها لا يملك ولو سروالا واحدا ويخرجون منها بصناديق مملوءة وارصدة غاصة بالمال والممتلكات.
لا أدعي أنني أفهم كثيرا خصوصيات ومشاكل اقليم تارودانت ولكن اثق في نفسي انني افضل بكثير من جل السياسيين وبعض المسؤولين الاقليميين والجهويين في فهم واقع وأسباب تخلف التنمية وانتشار الفقر والهساشة في هذا الإقليم. ..ومن يعرف ويفهم اقليم تارودانت فإنه سيفهم مشاكل وحلول المغرب بالكامل….
هذا الاقليم هو الاكبر جغرافيا في المغرب والاغنى من حيث الموارد والمؤهلات…ولكن من ينجح في نقل هذه الموارد إلى ثروة حقيقية هم قلة قليلة جدا من أصحاب النفوذ الذين يتشكلون من شبكات عائلات محصنة وقوية منغمسة في الترف والجاه والسلطة منذ سنوات الأولى من الاستقلال…ونتج عن هذا المسار تفاوت اجتماعي خطير …مثلا مياه القمم والجبال و الثلوج في الأطلس الكبير تتسبب للسكان السفوح مآسي حقيقية ورعب مستمر ولكن في الوقت نفسه يستفيد منها فلاحون في سهل سوس وهوارة ويبيعونها اي المياه داخل البرتقال بملايين الدراهم لروسيا والاتحاد الأوربي ولا يؤدون حتى الضرائب للدولة….ويبقى لسكان الجبال البرد القارس القاتل ….اليوم مياه الجبال الراكدة في السدود تباع للفلاحين فيما يعرف بمشروع إنقاذ الكردان. ..ولم نسمع قط مشروع إنقاذ سكان القمم…ينقذون أنفسهم بالهجرة أو ما يسمى بالتهجير نحو المدن الكبرى….
تارودانت منطقة فلاحية بامتياز ..ضيعات يتم سقيها بالطائرات. …..فيها أكبر محطة لإنتاج الحليب بالمغرب وهو مؤشر كاف يبرهن على ان اقليم تارودانت فيه خير كثير..ولكن يتوزع بشكل غير عادل وغير منصف هذا ان كان يتوزع فعلا!!!…..فيه منتوجات فلاحية ومحلية مهمة ونفيسة….من زعفران وأركان والخروب وغيرها تنتشر فيه خريطة منجمية هائلة ومتنوعة فيها أجود أنواع المعادن…سينشأ فيه قريبا أكبر معمل لإنتاج الأسمنت الأبيض. ….قوة بشرية نشيطة وحيوية…..كل الظروف والشروط مواتية لإنعاش السياحة بشتى أنواعها. ….الاستثمار في الصناعات البديلة….إذن فين كاين الموشكيل….؟
أولا في الإرادة. …والإدارة….المناخ العام الذي كرسته الطبقة السياسية….المؤسسات العمومية والشركات الخاصة….المجتمع المدني …..إذن المسؤولية مشتركة. ..نتمنى ان يقود العامل الجديد تجربة جديدة وأن ينجح في التنسيق بين كافة القطاعات لكسر العزلة والتهميش على المناطق الجبلية والمنسية….والمحرومة من الأساسيات والعاديات كالتعليم والصحة والطرق …..
كفى من النهب…..”الله اجعل البركة…”