حقائق24 – بقلم : عبد الله بوشطارت
في كل مرة أتجول فيها بين مداشر ايت باعمران وأسواق قباءلها وحاضرتها افني الجميلة….اغتنم الفرصة للحديث والتقرب أكثر إلى منابع المجتمع وانصت إلى نبضاته بدقة وتركيز بالغين عبر مجالسة أشخاص لهم من العظمة والحكمة والتجربة، ما شاء الله، من البحارة وأصحاب الحوانيت والخبازين وباءعي السمك والخرازين والخضارة والساءقين وعموم الناس في البادية والقرى….أستفيد منهم ومن خبرتهم وتحليلاتهم للوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي بعيدا عن خطابات المسؤولين المنافقة والخداعة خداع وجوههم الماكرة وابتساماتهم المزوقة المصطنعة…. من جملة ما أثار انتباهي واستغرابي كلام ساءق بيكوب معروف في افني وصديق عزيز لجميع ساكنة الدوار حيث يتكلف كل يوم السوق بنقل بضائعهم ومشترياتهم من سوق الأحد بافني إلى الدوار بتسعيرة 10 دراهم للفرد مع زيادة في حالة وجود أكياس الدقيق وقنينات الغاز…كما يعتبر بمثابة إسعاف للدوار مادام رقم هاتفه موجود عند الجميع ويرد على المكالمات في اي وقت طيلة 24 ساعة…هذا السائق المتألق صرح لي أنه في غضون الشهور القليلة الماضية نقل بضاءع حوالي 50 عائلة رحلت من إفني. ….أو 50 بزاف؟ نعم أنا قلت لك 50 أما الحقيقة فهي أكثر!!!! وإلى اين اتجهوا ؟ أغلبية الأسر النازحة اتجهت نحو مدينة طانطان واكلميم وأخرى قليلة من اختارت الاستقرار بتزنيت ….. “وعلاش مشاو” ؟
إنهم هربوا من الحياة القاسية هنا بمدينة افني…بسبب عدم وجود فرص الشغل وارتفاع سومة كراء المنازل والبيوت وانعدام اية أنشطة اقتصادية واجتماعية يمكن للشباب والنساء العمل فيها من أجل ضمان قوتهم اليومي….البحارة لم يعودوا قادرين على العيش بافني بسبب جمود الميناء وتراجع حيويته وتوقف الأشغال فيه لمدة طويلة وارتفاع نسبة الترمل مما جعل اصحاب البواخر يتفادون استعماله….المدينة متوقفة وجامدة منذ الفيضانات الأخيرة فهي تعيش في نكوص وتزاداد في التقهقر .
يقول صديقي السائق ونحن نتجول في المدينة الصخرية الصغيرة , “أنظر أنظر أين سيشتغل الناس هنا ” وهو يشير بأصبعه إلى الحوانيت الزرقاء مغلقة الابواب واقفالها مصدأة بفعل الرطوبة…..لا يوجد ولو معمل وحيد هنا بالمدينة لا توجد أية فرصة للعمل والتحرك…..”شوف حتى الموقف ديال الخدامة ماكاينش فهاد المدينة…فين غادي اخدم الصباغ والبناي والكباص فين غادي امشيو مساكن ايدورو الحركة …والوا..”.
البديل هو الإنتقال إلى مدينة كلميم أو تيزنيت أو أكادير. “شوف اصحاب الهوندات ومالين الطاكسيات هاهوما واقفين كولشي واقف كايستنا”…. هذه هي حالة مدينة افني تقاوم الموت وتنتظر في غرفة الفراغ…..جعلوا منها خربة وصبغوا جدرانها بالابيض لون الكفن وتنتظر من يشيعها في آخر المشوار …حين سيجد لها المسؤولين مقبرة من وراء الجبل الخلفي .. لا حول ولا قوة مسؤولي المدينة يتصارعون ويتخاصمون لبيع المزبلة والبحث عن شراء أرض المقبرة……وهو رسم كاريكاتوري يبين الحالة العامة التي تعيش فيها المدينة…..حالة انتظار الموت…..وامام هذا الوضع الكارثي والخطير لا يوجد امام سكان المدينة إلا أمل وحيد وهو امل الهروب….فقد تبين أن كل ما قيل من شعارات وكل ما أعطي من وعود مجرد فقعات هوائية والحقيقة هي وجود رغبة في محاصرة افني وعزلها مادامت هي حاضرة ايت باعمران وقلعتهم التاريخية….. كيف تريدون الحياة لافني والجميع يهرب منها….حتى المسؤولين عنها هربوا منها واختاروا الاستقرار خارجها ….ينامون ويستمتعون بعيدا عنها وفي الصباح يأتونها متأخرين غير مهتمين إلا بهندامهم الأنيق. …..وفي المساء يغادرونها…..فكيف تريدون التفكير في مستقبل المدينة…..؟ وحين تتاح لهم الفرصة للكلام يبيعون الوهم للناس ويكذبون على الدولة وعلى ضمائرهم ويهددون من يعاكسهم الرأي بدعوى ان المدينة آمنة….وهادئة ….. ليس لهم الإرادة في العمل وانعاش المنطقة….فمن له المصلحة في قتل المدينة وعزل ايت باعمران وتهميشهم؟