أن تحكم عليك الأقدار بأن ترى النور في أقاصي المغرب العميق، فذلك إنما يعني في جملة ما يعنيه أن تبذل مجهودا خرافيا لتكون أو لا تكون، وأن تستطيع أن تثبت بأنك كائن فعلا رغم إكراهات القدر الذي قذف بك إلى العالم بين ثنايا المغرب العميق، فذلك معناه أنك تستطعت بكل جدارة واستحقاق أن تسبر أغوار أسطورة سيزيف اليونانية لتجعل من ذلك المغرب العميق مجرد إشكال أنطولوجي يعطي لوجودك معنى حقيقيا.
استهلالنا هذا ينطبق على باها أوخليفةالأب لثلاتة ابناء، والذي رأى النور لأول مرة بمنطقة تاغجيجت التابعة إداريا لعمالة إقليم كلميم حيث عاش طفولته في كنف قبيلته آيت ابراهيم إحدى أهم قبائل أيت النص في الصحراء المغربية. أوخليفة، رغم إكراهات مغرب الهامش، إلا أنه استطاع أن يغترف من معين منظومة القيم التي ينتجها هذا الهامش، ليصر على استئناف مساره التعليمي قبل أن ينتقل إلى الرباط حيث استكمل دراساته الجامعية لينال الإجازة في العلوم القانونية سنة 1980.
فيما استهل مشواره المهني الحافل بتعيينه قاضيا مقيما بمركز اولاد تايمة بتارودانت حيث عمل بهذه الصفة ما بين سنتي 1984 و 1993 إلى أن عين رئيسا للمحكمة الابتدائية بإقليم وادي الذهب، سنة بعدها ينتقل ليشغل نفس المنصب بابتدائية وارززات والتي استمر على رأسها إلى غاية سنة 1999 حيث عين رئيسا للغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف بأكادير ، ثم رئيسا لغرفة الجنايات باستئنافية العيون من سنة 2004 إلى غاية سنة 2009 حيث عاد مجددا إلى استئنافية أكادير كرئيس لغرفة وقاضيا للتحقيق.
هكذا إذن تتحول لعنة الوجود في الهامش المهمش، إلى دروس وعبر في تاريخنا جميعا، على اعتبار أن أغلب النخب التي تركت بصمتها في تاريخ المغرب، إنما هي نتاج لرغبة قوية سكنت وجدان أبناء هذا الهامش من أجل تأكيد فرادتهم وتميزهم، لكن من خلال الاغتراف من معين المنظومة القيمية الخلاقة لهذا الهامش نفسه. فتاغجيجت التي أنجبت هذا العلم من أعلام القضاء الجالس، هي ذاتها التي أنجبت سياسيين ورجال أعمال وقبلهم مقاومين أفذاذ.