ظاهرة الأمهات العازبات في المغرب انحلال أم فقر وجهل؟

بعضهم يقول إنها ظاهرة مستوردة دخيلة على مجتمعنا، والبعض الآخر يجزم بأنها نتاج انحلال بدأ يعصف بالمغرب.

 ظاهرة الأمهات العازبات مثار قلق في المجتمع المغربي، وإشكالية عويصة أثارت جدلا كبيرا لدى المغاربة على حد سواء. عموما استطاع المغرب أن يخرجها من نطاق الطابو أوالمسكوت عنه متجاوزا كل الخطوط الحمراء وكل هذا في سبيل إيجاد حلول لها أو حتى التقليص منها. فعوض أن نعالج الظاهرة في أوانها نجد أنفسنا أمام تراكمات يصعب حلها.
ليس عيبا أن نعترف بمظاهر الخلل في مجتمعاتنا وإنما العيب هو أن نغطي عليها ونتركها تنخر عظام المجتمع وتستفحل يوما عن يوم هذا بالضبط ماقامت به جمعية التضامن النسوي برئاسة عائشة الشنا المعروفة في وسطها «بالحاجة العزيزة»
في سعيها الدؤوب للتصدي لهذه الظاهرة المثيرة للجدل ، تعرضت عائشة الشنا لشتى أنواع الاحباط وارتفعت الأصوات ضدها منادية بوقف عمل الجمعية أوالمهزلة كما سماها البعض على اعتبار أنها تحرض على الفساد والدعارة.
صفية : «والداه يعلمان بعلاقتنا ولم يحركا ساكنا بعد الحمل»
هي فتاة من المنطقة الشرقية، عمرها 20 سنة، اسمها المستعار صفية، تنحدر من أسرة فقيرة إن لم نقل معدمة، حسب قولها وجهتها كانت مدينة الدارالبيضاء بحثا عن عمل .اشتغلت في البداية كخادمة في البيوت، وفيما بعد في إحدى شركات الخياطة المكان الذي تعرفت فيه على إحدى صديقاتها، توطدت العلاقة بينهما وفي إحدى المرات تلقت دعوة منها لقضاء العطلة عندها في بيت أسرتها، في هذا الوقت تعرفت صفية على شقيق صديقتها وكان بينهما اعجاب تطور فتحول إلى «علاقة جنسية». خاصة بعد أن أقنعها أنه سيتزوج بها مع العلم أن والديه أعجبا بها وأخلاقها.
علاقة جنسية واحدة كانت كفيلة بأن ينتج عنها حمل غير شرعي، واجهت صفية شقيق صديقتها فانكر الأمر وأخلى مسؤوليته تجاهها. وعندما أخبرت والديه أعلنوا لا مبالاتهم تجاه الموضوع يعني بعبارة أخرى «بيناتكم».
لعبة شد الحبل تواصلت بين صفية وأسرة صديقتها خاصة بعد تغير معاملتهم لها، وعند فقدانها الأمل اتصلت بسيدة كانت قد اشتغلت لديها خادمة فيما سبق، اتصالها كان بهدف محاولة العمل عندها مرة ثانية ومالم يكن يخطر على بالها هو أن تدلها تلك السيدة على مقر جمعية التضامن النسوي التي وجهتها بدورها إلى مركز ايواء الأمهات العازبات وبعد الوضع ستعود الى الجمعية وتستفيد من خدماتها وأنشطتها.
وعندما سألنا ما عن رد فعل أسرتها قالت أنهم لحد الآن لايعرفون عن الموضوع فهي لم ترهم منذ الحادثة وتتحجج دائما بظروف العمل الذي لاينتهي.
عائشة: لم أكن ضيفه عزيزة عند أمي:
عائشة التي تبلغ من العمر 20 سنة حظها العاثر رافقها منذ سن مبكرة، فمع سن الخامسة توفي والدها وتزوجت أمها. وكانت عائشة تتعرض لأعمال عنف من طرف زوج أمها، الأم دائما كانت بين نارين بين تسلط زوجها وبين العذاب الذي تتعرض له ابنتهادون أن تحرك ساكنا فاضطرت لأن ترسل ابنتها عائشة إلى المدينة كي تعمل خادمة في البيوت.
بقيت عائشة على هذه الحالة وعندما أصبحت شابة اكترت منزلا مع صديقاتها وفي هذا الوقت تعرفت على شاب وانتقلت للعيش معه في منزله الذي كان مسرحا لعلاقات غير شرعية بينهما.
وعندما اكتشفت أنها حامل أخبرته، وأقنعها بعدم الاجهاض لأنه كان فعلا ينوي الزواج بها ولكن تجري الرياح بما لاتشتهي السفن، الشاب طرد من عمله وتأزمت أوضاعه المالية وتأزمت معه علاقته بعائشة التي رجعت إلى منزل أمها التي صدمت بوضع ابنتها والحال الذي وصلت إليه لكنها لم تكن ضيفة عزيزة، فسرعان ماعادت إلى المنزل الذي كانت تكتريه مع الشاب ولم تجد له أثرا وصدمت عندما وجدته قد باع أثاث المنزل ورحل إلى المجهول ثم عادت عند أمها. ووضعت مولودها على يد أمها وأختها. ومع خوف أمها من زوجها لم تستطع إيواءها أكثر من ثلاثة أيام بعد الولادة.
الآن عائشة مسجلة في أحد مراكز إيواء الأمهات العازبات بالدار البيضاء.
فاطمة:« يجب أن يكون هناك مقابل مادي كي تستفيد أخريات من تجربتي»
هي أم عازبة تبلغ من العمر حوالي 22 سنة، من نواحي مدينة تارودانت. قابلناها أثناء تواجدنا في جمعية التضامن النسوي، في البداية طلبنا منها أن تروي لنا حكايتها كي تستفيد أخريات منها فقالت «إذا كنت أنا قد مررت بتجربة كلفتني الكثير يجب أن يكون هناك مقابل مادي لكي أدع أخريات تستفدن لانني في الوقت الراهن لا أجد حتى عشاء ليلة فالجميع يرفضون تشغيلي بسبب بطني البارزة».
محاولاتنا لاستقراء قصتها كانت ناجحة: مشكلتها ابتدأت عندما جاءت في زيارة لأقربائها بمدينة الدارالبيضاء وأثناء إقامتها لديهم تعرفت على أحد الشبان بالمدينة القديمة وبقي التعارف بينهما مستمرا حتى اليوم الذي كانت راجعة فيه الى قريتها وقام أقاربها بايصالها إلى المحطة، وعند ذهابهم اتصلت بالشاب وبالفعل لبى الدعوة وجاء لمقابلتها وأقنعها بفكرة العدول عن الرجوع وأغراها بمدينة الدارالبيضاء وبامكانية حصولها على عمل هناك، وكان له ما أراد فاضطرت للجلوس معه تحت سقف واحد الى أن نشأت بينهما علاقة غير مشروعة، فيما بعد اكتشفت أنه يتعاطى ويتاجر في المخدرات وكان يفرض عليها هي الأخرى أن تتعاطى لها لكي تبقي دائما مطيعة له . وعند إبدائها الرفض كان يمارس عليها أعمال العنف الذي زادت حدتها عند اكتشافه أنها حامل، وأمام هذا الوضع عندما وجدت فاطمة فرصة سانحة للهرب لم تتردد في مغادرة منزله. وعند هربها تعرفت على فتيات أووها وبقيت معهم الى حين عثورها على عمل بأحد المنازل كخادمة، وظل الشاب يطاردها هاتفيا ويهددها. وبالفعل عثر عليها ذات يوم ومارس عليها أعمال عنف تسببت في أثار في وجهها لازالت فيه لحد الآن.
الآن بعد أن أصبحت بطنها بارزة (8 أشهر) لم تعد لديها القدرة على العمل ولم يبق لديها أي مدخول تدفع منه إيجار الغرفة التي تكتريها وفي آخر المطاف لجأت الى جمعية التضامن النسوي التي وجهتها إلى أحد مراكز الايواء ريثما تضع مولودها وتعود للجمعية لتستفيد من خدماتها.
في تصريح لعبد الله كديرة رئيس المجلس العلمي المحلي للرباط
أطفال العلاقات غير الشرعية هم في حالة أسوأ من اليتامى
كل علاقة غير شرعية هي علاقة محرمة ولانقاش في ذلك، ولكن هناك بعض الظروف أن يقع ذئب بشرى على فتاة بريئة وتتحمل وحدها المسؤولية. ولو أنها في كثير من الاحيان تتحمل جزءا من المسؤولية ونحن نعلم أن أي عقاب شرعي لابد أن يكون بثوابت تؤدي الى أن يستحق الجاني عقابه وهي لايمكن أن تطبق التطبيق الكامل لأن الظروف التي تؤدي الى أن يقع الناس في علاقات محرمة متاحة ومتوفرة.
والضحية هي التي تحمل وتلد وهي التي تتعرض لعواقب وخيمة ولذلك يجب أن تحمى وتهيأ لها ظروف العيش الكريم لأن الله سبحانه وتعالى.كرم بني آدم وحملهم في البر والبحر ورزقهم من الطيبات وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلا.
فهذه الأم العازبة ينبغي أن تحمى وأن توفر لها ظروف مناسبة حتى لاتكون فريسة. وأتذكر هنا واقعة وقعت في عهد سيدنا عمر رضي الله عنه حين اعتدى أحد على فتاة بريئة بخدعة لئيمة خسيسة فحملت ووضعت فأخذ سيدنا عمر الطفل بعد أن تحقق من ظروف ولادته وبراءة أمه وعهد به إلى أسرة تنشئه على نفقة بيت مال المسلمين وطالبهم بتقرير دوري عن حالته ومعيشته ثم زار والد الفتاة وطلب منه أن ينفرد بها وعلم منها ظروف الخديعة التي تعرضت لها وخرج إلى والدها وقال له إن ابنتك فتاة كريمة طيبة فصنها وارعها وإذا جاء من يستحقها فزوجها له ونفقة زواجها على بيت مال المسلمين.
أظن أن مغزى هذه الواقعة واضح في الدلالة على ما تستحقه أولئك الأمهات العازبات من رعاية وصيانة وحسن عناية لهن ولأولادهن ، ومن جنى جناية على نفسه أو غيره وثبتت عليه هذه الجناية فإن للقانون أن يتصرف بما يمليه الضمير الانساني والشرع الاسلامي الذي لا يقبل الظلم .والله تعالى حرم الظلم وجعله بيننا محرما وهل هناك ظلم أكبر من أن يعتدى على عفة فتاة بريئة فتغتصب في شرفها ثم تتحمل عبء تربية ثمرة هذا الاتصال غير الشرعي وحدها وتهمل هي ويهمل طفلها ولا يقبل هذا شرع ولا ضمير إنساني وواجبنا تجاه هؤلاء الأطفال أن نكفلهم ونحسن تربيتهم وأن نعهد بهم إلى أسر شريفة من أسر المسلمين ليحسنوا إليهم على اعتبار ما جاء في حديث رسول الله (ص) عن التمامي بأن خير بيت في المسلمين فيه يتيم يحسن إليه وشر بيت في المسلمين فيه يتيم يساء إليه.[وأطفال العلاقات غير الشرعية هم في حالة أسوأ من اليتامى] فهم أيضا جديرون بالرعاية والحماية وحسن التربية ونحن كذلك نعرف أن من أهل البر والتقوي الساعين على الأرامل فأولئك الأمهات العازبات كما يسمون الآن حالتهن أسوأ من حالات الأرامل فهن كذلك أحق بالرعاية والحماية ولنا في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن القدوة والإسوة الحسنة فلقد علمنا أن سيدنا عبد الله بن مسعود دخل ليزور أحد القضاة في ذلك العهد فإذا برجل معه صبية صغيرة فسأله ما مكان هذه الصبية منك قال ابنة أخي مات وتركها في وصايتي وقد أصابت إثما كبيرا فجئت بها إلى القاضي ليقيم عليها الحد فقال لنا سيدنا عبد الله بن مسعود بئس كافل اليتيم انت ما أحسنت التربية وما سترت الخزية فانصرف الرجل باكيا متعمدا بستر الصبية وحسن القيام عليها وعدم تعريضها إلى ما قد يسيء إليها.
عائشة الشنا رئيسة جمعية التضامن النسوي
حكايتي مع الأمهات العازبات بدأت بالصدفة
ما الذي جعلك سيدة عائشة تفكرين في تأسيس جمعية التضامن النسوي لرعاية الأمهات العازبات؟
أنا بدأت العمل الجمعوي منذ أن كنت شابة وحكايتي مع الأمهات العازبات بدأت بالصدفة، ذات يوم عندما شاهدت منظر أم عازبة ترفض طفلها في انتظار مجيء العائلة التي ستتبناه وعند وصولهم نزعت ثديها من فمه وقطرات الحليب تتقاطر من ثديها وطفلها يبكي. ذلك المنظر لم يمحى من ذاكرتي وقررت حينها أن أؤسس جمعية تضمن للأطفال أن يبقوا مع أمهاتهم.
ما هي التحديات التي واجهتك أثناء تأسيسك للجمعية؟
كانت هناك تحديات كثيرة على مستويات عدة أولها الجانب المالي ففي البداية الجمعية كانت تتوفر على مبلغ 2000 درهم وتضم 11 أم عازبة ليست لهن دراية بالتدبير والطبخ، وكنا نقدم وجبات يتم اقتسام أرباحها بين المستفيدات وبالتدريج تطور المشروع لتهتم به الصحافة وحصلت الجمعية على مساعدات المحسنين.
وتعرضت كذلك لكثير من الاتهامات تفيد أننا نشجع على الدعارة والفساد في أوساط الفتيات، والأغرب من ذلك أننا كنا نسمع هذه العبارات حتى من أناس مثقفين.
ما الرد الذي تقدمينه سيدة عائشة للذين يتهمونك بالتشجيع على الدعارة.
أنا قبل كل شيء مسلمة قلبا وقالبا والإتهام المقدم ضدي لا يتوافق مع مبادئي.
عندما فكرت بتأسيس جمعية تهتم بالأمهات العازبات كان الهدف هو التقليص من ظاهرة الأطفال المتخلى عنهم. ما الأفضل أن ناوي الأطفال وأمهاتهم أم نزج بهم في الخيريات. نحن لا ننكر، هناك فتيات يقعن في الخطأ وهن يعلمن أن هناك جمعية ستأوينهن ولكن هي نسبة قليلة جدا. ما يجب أن يفهمه المجتمع هو أن هؤلاء الفتيات أصبحن أمهات عازبات بسبب سذاجتهن وليس لكونهن عاهرات.
ما تقييمك سيدة عائشة لنظرة المجتمع للأمهات العازبات؟
المجتمع معذور في حكمه على الأمهات العازبات، لأنه كيف يعقل أن أما بين عشية وضحاها تكتشف أن بنتها حامل من علاقة غير شرعية، رد فعل المحيط الأسري والمجتمع رد طبيعي.
هدفي هو أن نصل إلى مرحلة لا نحتاج فيها إلى الجمعية، أنا دائما أؤكد على الوقاية ثم الوقاية، لماذا أصلا تسقط الفتاة في علاقة خارج مؤسسة الزواج. مما يطرح علامة استفهام، إذا كنا سنلوم الفتاة يجب أن نلوم محيطها كذلك لأنه لم يقدم لها التربية اللازمة لتتجنب هذه السلوكات. يعني ظاهرة الأمهات العازبات مسؤولية مجتمعية.
ما هي المساعدات التي تقدمها الجمعية لإعادة إدماج الأم نفسيا واجتماعيا؟
في البداية تعرض الأم على الطبيبة النفسية للجمعية لأن الأمهات يكن محبطات عند اتصالهن أول وهلة بالجمعية، يدركن مدى خطورة وضعيتهن على مستقبلهن في مواجهة مجتمع مازال لا يقبل هذه الأقدار، فنعمل على إعادة بناء ثقتها في نفسها وفي الحياة.
وتتلخص مهمة الجمعية في خلق رابطة الأمومة بين الأم وطفلها، فتمكينها من إرضاعه والعناية به لفترة قصيرة يجعلها تعدل عن قرار التخلي عنه ويمنحها فرصة للتشبث بابنها وربط علاقتها به من جديد.
٭ سيدة عائشة، ما هي الأنشطة التي تقوم بها النساء في الجمعية بحثا عن الاستقلال المادي؟
٭ نحن في الجمعية نحتضن الأمهات مدة ثلاث سنوات وندعمهن عن طريق منح ليتمكن من العيش في سكن ملائم ونوفر لهن الطعام مجانا والرعاية الصحية لهن ولأطفالهن، كما نعلمهن حرفا تساعدهن على رعاية أطفالهن مستقبلا كالخياطة والطبخ والتجميل.
هل كل حالات الأمهات العازبات يتم استقبالها بالجمعية؟
غالبية الحالات يتم تسجيلها بالجمعية ولكن في بعض الحالات لا نستطيع إيواءهن. مثلا إذا كانت الأم العازبة تتعاطى للمخدرات أو كانت مختلة عقليا. لأننا في الجمعية نقوم بأنشطة تحتاج لأن تكون الأم في وضعية سليمة وفي كامل قواها العقلية لكي لا نضر الزبائن الذين نتعامل معهم.

 

أترك تعليقا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *