حقائق24
مقال رأي بقلم محمد ضباش
ونحن نعيش اليوم الأخير من عمر الحملة الانتخابية للاستحقاقات التشريعية للسابع من أكتوبر الجاري، لاحظت وكغيري من المواطنين الغياب شبه التام لمرشحي بعض اللوائح الحزبية السادسة عشر المتنافسة بدائرة تارودانت الجنوبية على ارض الواقع، وخاصة بعض الأحزاب الجديدة على المنطقة، والتي تحمل أسماء مرشحين غير معروفين في الغالب بهذه الدائرة الانتخابية المترامية الأطراف.
هذا الغياب أرجأه بعض المتتبعين للشأن المحلي، إلى عدم قدرة مرشحي تلك اللوائح على مجاراة القوة اللوجستيكية والإمكانات المادية المتوفرة لدى بعض الأحزاب المترسخة بالمنطقة، وفي مقدمتهم أحزاب عتيدة كحزب الاستقلال والأحرار والبيحيدي والاتحاد الاشتراكي…، إضافة إلى كون مجموعة من الأسماء المرشحة تبقى مغمورة جدا وتفتقد للتجربة السياسية والقاعدة الجماهرية المتطلبة للظفر بأحد مقاعد مجلس النواب الأربعة المخصصة لدائرة تارودانت الجنوبية، بل ان مجموعة منهم تجهل حتى أسماء وتموقع جل الجماعات الترابية المتواجدة بالدائرة.
ليطرح الاستفهام التالي: لماذا تقدم أولئك الأشخاص إذا بترشيحاتهم، رغم تأكدهم المسبق بالفشل؟
بتحليل بسيط لمواطن عادي، يتلخص الجواب على السؤال السالف في ثلاث إمكانيات مطروحة:
أولها فئة ينطبق عليها المثل القائل (العين بصيرة واليد قصيرة)، ترشحت عن قناعة وإيمان تام بمبادئ وايديولوجية أحزابها وبرامجها المسطرة، وتدافع بكل قوة واستماتة عن قناعاتها ورؤيتها المغايرة للشأن السياسي المحلي، غير أن محدودية إمكاناتها قلصت من قدرتها التواصلية الميدانية مع عموم ساكنة الدائرة الانتخابية لتارودانت الجنوبية الشاسعة، ليكون ملجأها الوحيد هو الفضاء الافتراضي من خلال التركيز على ربط أواصر التواصل مع الناخبين والتعريف بالحزب وأهدافه وبرامجه عبر مواقع التواصل الاجتماعي المتنوعة، مع تنظيم جولات ميدانية متفرقة ومحدودة تضم أفرادا من العائلة والأصدقاء وبعض المتعاطفين. هذه الفئة تؤمن بالعمل السياسي الجاد وتراهن أكثر على تعزيز مكانتها في صفوف الأجيال المستقبلية.
تنضاف إلى هذه الفئة الجادة، فئتان اقل ما يقال عنهما أنهما يستغفلان الناخب ويختلسان أموال الشعب، ولا يستهدفان سوى الاسترزاق خلال هذا العرس الديمقراطي السياسي على حساب بعض المواطنين الساذجين.
فئة همها الوحيد هو الحصول على الدعم الحزبي المخصص لتمويل الحملة الانتخابية، والاستحواذ عليه، دونما بذل أي مجهود أو القيام بأية دعاية، والاكتفاء ببعض الدعايات الافتراضية على شبكة الانترنيت أو بعض الجولات الفردية الميدانية المحدودة والباهتة. سيما وان مبلغ الدعم قد يصل إلى حد أقصاه 35 ألف درهم لكل مرشح، حيث وكما هو معلوم فرئيس الحكومة المغربية المنتهية ولايتها، قرر الرفع من قيمة المساهمة المالية التي تمنحها الدولة للأحزاب من أجل تمويل حملاتها الانتخابية إلى 250 مليون سنتيم لكل حزب، وبحسبة بسيطة بتقسيم 250 مليون على 92 عدد الدوائر الانتخابية بالمغرب، سنخلص إلى أن كل دائرة ستستفيد بما يقارب 3 ملايين سنتيم كدعم، وهو مبلغ مغري يجذب أطماع أناس كثيرين.
وهناك فئة ثالثة أكثر مكرا وخديعة، وهي التي تم تجنيدها في هذه الحملة، مقابل إغراءات مالية او مادية كبيرة، من طرف بعض المتنافسين المدعومين أو بعض الجهات الخفية، بهدف تشتيت المشهد السياسي وكسر شوكة بعض الصقور الانتخابية بالمنطقة، والذين ربما كانوا يشكرون في بعض منافسيهم ويمجدون في خصالهم بالأمس القريب، وذلك في سبيل خدمة أجندات سياسية معينة، وإضعاف مرشحين بعينهم على حساب وافدين جدد، وخاصة أن تخفيض نسبة العتبة إلى 3 في المئة، يغري الطامعين للوصول إلى كرسي البرلمان ولو بأكبر باقي انتخابي.
هده التصرفات وهذا التشتيت الانتخابي، يستوجب تشديد المراقبة و الإفتحاص لطريقة صرف الأموال العمومية لتمويل الحملات الانتخابية، كما تفرض ضرورة التفكير الجدي في إجراء الانتخابات البرلمانية على دورتين أولى وثانية، كما هو معمول به في بعض الدول المعاصرة، حيث لا يقبل في الدورة الثانية سوى اللوائح الجادة والتي تحضي بتمثيلية هامة وقاعدة انتخابية محترمة.