الرأي

قصص الصامتات “واقع مترع بالآلام” بقلم نعيمة بقال

14716111_1258675057510849_8561843515157381707_n

 

نعيمة بقال 

 

قصص الصامتات “واقع مترع بالآلام”
قررت أن أكتب، لأن النساء في هذا العالم  يتعرضن يومياً لشتى صنوف القهر، قسر يتوغل في نفوسهن، لتحملنه على أكتافهن, كلمات قيلت لهن من أناس مقربين أو غرباء، مجرد كلمات لكنها وقعها يضاهي أحجام الجبال، يتجولن بها أينما ذهبن، في البيت، في المدرسة، في الشارع، في العمل، ولا تندمل آثار حملها مع الوقت، بل تتقرّح جروحها أكثر من ذي قبل بمرور الزمن، ويزيد ثقلها فتثقل كاهلهن ، لكنهن يخفينها خلف ابتسامة مرتعشة، خلف رغبة في الإنجاز والنجاح والاستقلال، خلف ممارسة الحق في الاختيار، خلف نضال من أجل إحقاق حياة عنوانها الاحترام,الوقار والمنة.

كواليس مسلسل عالم جلف:

لا أحد ينكر أن المرأة نصف المجتمع ، فهي الأم والأخت والزوجة ، وعليه يجب أن نتعلم أولا معنى مبدأ المساواة , وأن ندعو الرجل إلى تفهم حقوق المرأة وإعطائها كل ما تستحق من تقدير واحترام هي جديرة به في الوقت نفسه ,علينا أن نبادر  بتعليم النساء  معنى مبدأ المساواة والحقوق ولما لا الواجبات لا لتحريضهن  بل للدفاع باستماتة عن حقهن في الاكتهاء والتوقير وبناء الصروح الأخلاقية السامقة.

إن العنف ضد المرأة التي تتجرع غصصه وحدها سيبقى عارا على جبين الإنسانية ما لم تقضي عليه.

كسر جدار الصمت :

شاءت الأقدار أن نصادف نساء تحكين تفاصيل مسلسل يومي مع العنف,نساء تتأرجحن بين أمس شابته المعيقات,وحاضر مليء بالتحديات,ومستقبل يلفه الأمل,لتبقى أنفسهن بين الموت والحياة تتهاوى.

فالعنف أصبح شبحا يقض مضاجعهن, لأن البيئة الاجتماعية تعج بأشكال متعددة ومتداخلة من العنف,فقد يكون ماديا أو معنويا,مباشرا أو غير مباشر,من المعلوم أن العنف المعنوي أشد بشاعة ووقعا,لكونه مخفيا وغير معبر عن معالمه, فالكلمة لا تقل تأثيراً عن الضرب، فهي تترك أثراً وكدمةً في الذاكرة، تظل معلقةً بالروح مهما مر عليها من الوقت، فآثار الكدمات الجسدية تختفي ، لكن الكدمة النفسية تبقى مهما طال بنا العمر.

 

نساء تئن في صمت:

تبقى هناك الكثير من مظاهر الهمجية في العصور الغابرة عالقة مترسخة في النفس البشرية وكأنها تأبى أن تنفض ذلك رغم تغير الرداء الذي ترتديه,  فللوهلة الأولى تبدو الأسرة متماسكة ,إلا أن الخدعة تنكشف عند معرفة أن المساواة غائبة في جو أسري مليء بالتفاصيل الباعثة على النكد والاغتنام,تتباكى المرأة على حظها العاثر,تخرج من قاع روحها حزنا آسنا وراكدا, فالعنف يؤدي إلى اغتيال وسفك دمائها المتواشجة في ثنايا قلبها, حقا العنف إفراز اجتماعي لعلاقة غير متكافئة, لثقافة متحاملة على المرأة ومنحازة للرجل,لعقليات تنهل من ثدي التخلف.

هل غدت الأسرة تصنع وحوش؟
الواقع أمر وأقسى من أن نسطره ببضع كلمات,فالعنف أصبح مشهدا مألوفا, أتذكر بوضوح تقاسيم وجه تلك المرأة المعنفة,كانت مُطفأة الروح، تبكي باستمرار، تبكي تعنيفَه الدائم لها، والتقليل من شأنها أمام الناس، كنت أراها دائما عائدة إلى منزل والدها بكدمة حول العينين، فالعنف الجسدي الذي تتعرض له حتما سيخلف مرضا نفسيا رهيبا، ستدور الدائرة ولن تنتهي، سألتها ذات يوم عن دوافع تعنيفه لها,ذرفت الدموع قهرا,فبرَّرت وقاحته، وأخبرتني أنه سيتغير وستصبح من أسعد النساء ؟

فعلا حين تكون في عمق الأحزان واليأس,حين تبقى وحيدا منعزلا,وتبحث عن شعاع أمل لن يبرز,فلن يبقى أمامك سوى الاستسلام لواقعك الأليم ومستقبلك المجهول.

كواليس حياة المرأة  المعنفة:.

تكبد  قلب المرأة واقعا مترع بالآلام,فحياتها كانت محض أضغاث أحلام,مرارة الأيام عصفت بسفنها ,آهات سلبت منها روحها نحو الأزل,ليملأ الصمت جميع حواسها,تتراكم الحكايات وتتعلق في جدران الذاكرة ليصبح صدرها كسفينة تحمل تناقضات الحياة ,فرائحة العنف والميز تزفر من مخيلتها في صخب , تعض لاهثة وراء سراب السعادة الضبابي ,آملة لغد أفضل.

فلما الترحال في دروب السعادة الواهمة؟لماذا البحث عن شيء هلامي؟

في عمق كل واحدة منهن وجع صامت:

تتسع رقعة العنف في حياة ”نجية” ,ففي عينيها نظرات تعب وعتب نظرات تائهة حائرة تكفف الدمع قبل إن يسقط ويهزم هيبتها وجمالها، تتألم بصمت وتختبئ خلف أسوار الابتسامة. تفكر بقدر يسمى “رجل” ، تتساءل متى يأتي؟ متى يظهر؟خائفة وفزعة من العمر الذي يمر، سيذبل معه كل هذا الجمال، دون تحقيق حلم أو استقرار. تتوقع فارس مغوار وتترقب حضور باسل جسار يطيح بكل همومها أرضا .فعلا تحقق مرادها,إلا أن الواقع يتنافى مع حلمها.
أعتقد أن انسب عنوان لحياتها الزوجية هو المعذبة في الأرض,فقد أرهقها العنف,فوجهها الجميل قد تجهم,لتنسكب على خديها دموع متحجرة,تترجم الشعث القابع بجنبات قلبها,تسامر أحزان غابرة وبؤس يعشش بداخلها. فالفارس المغوار الذي تزوجت به فجأة أصبح رجل شرس ,غشوم ظلوم قاس جاف ,حاقد, ضحل المروءة, فاقد الشهامة.

حزينة حروفها,يائسة كلماتها, تسترق همساتها لمحو آهاتها,كثيرة هي الدموع والأمل ماضٍ بلا رجوع, ترتطم بشظايا الخيبات  التي يحاولون زرعها فيها.. لكن هي من تحكم على نفسنا أن تعيش بكرامة وترفرف بكل حواسها عاليا، أو أن تعيش وتتعايش مع قصة بؤس وعبودية.

فاطمة,سيدة ثلاثينية, كانت تعتقد أن الزوج يطرد وحشة الروح وقبح الواقع, الزوج الذي كانت تتوسم فيه قدرا من التعقل والإنسانية اتجاهها.

كانت تخاله الإنسان الصادق النبيل نقي السريرة,لكن ما اكتشفته كان عكس ذلك تماما.. بالكاد خرجت الكلمات من فاه هذه السيدة الصغيرة، غير أن ملامحها وخشونة يديها تُظهر مدى المعاناة التي كانت تعيشها مع زوجها الذي تركها وبناتها في الطريق بعدما أخرجها من منزلها لتقف مع نفسها في أول عثرة لتلملم أشلاءها,وتشمر على ساعدها المغلفة بالعجو والقهر.
أتذكر ذلك اليوم بوضوح الآن، وأنا أراها مُطفأة الروح، تبكي باستمرار، تبكي تعنيفَه الدائم لها، والتقليل من شأنها أمام الناس، ونهرها بأشنع الألفاظ إذا ما أخطأت ولو خطأً بسيطاً، أتذكره بوضوح وأنا أراها عائدة إلى منزل والدها بكدمة حول العينين، فقد ضربها أمام بناتها، أذكره بوضوح لأنني طلبت منها يوما الابتعاد عنه ، لأن العنف الجسدي سيتحول إلى مرض نفسي رهيب ، ستدور الدائرة ولن تنتهي، فبرَّرت وقاحته، وأخبرتني أنهم سيصبحون من أسعد العائلات التي عرفتها في حياتي,فيوما ما سيتغير زوجها.

لماذا العنف؟ ولماذا المرأة بالذات؟

أخلاق الأمم هي سبيل رفعتها ونهضتها إذا حضرت، ألا ترى أنه لما غابت الأخلاق عن مجتمع خاب هذا المجتمع وخسر بل حتى أنه اندثر.

ما الذي يدفعني للزواج ؟

سؤالي هذا  كبير وعميق,بحجم واتساع الأزمات  الأسرية اليوم والأمس  بحجم الظلم الذي تعيشه المرأة منذ عشرات السنين، منذ أن بدأت تتكون الشخصية النسائية على الذل والصمت والخنوع.

تساؤلات تبادرت إلى ذهني بينما كنت أشاهد نساء مكلومات تستنجدن بالمحاكم للهروب من الجحيم ,من بيت لم تعد فرصة الحياة متاحة فيه,

قد يرى البعض أن كلامي فيه نوع من المبالغة, ولكن بمجرد الإنصات لآهات المحرومات وزفرات المظلومات وأنين المضطهدات وتوجع المقهورات,ستجد السؤال منطقيا.

المرأة من ضحايا العقم الفكري:

إننا نتعلم لغة جديدة مع كومة من المحطمات بهذا المجتمع ,لكننا في بحث مستمر على عالم نظيف, لا يسمح فيه  لأي أحد بأن يجرحهن ولو بكلمة، ، لا يسكت على الظلم.

إنّ الكثافةَ الحقيقية لسوداويّة العنف تكمُن في التكتم وطمر الحقائق,فقد تختلف القصص إلا أن العنف يبقى نفسه، والندوب ذاتها، والذلّ عينه.

وجوم قاتل:

الصمت قد يجعلنا  نتورط في عودة انتكاسية متكررة لنقط الصفر، فنسمح للتسلط بكل أنواعه ليتضخم في مقابل كبح الحريات لنخرج من التاريخ الإنساني بلا بصمة ولا إضافات.

 

في الحقيقة في داخلنا خوفٌ حقيقيٌ وفي الخارجِ صلابةٌ زائفةٌ وما بينهما قد ننكسرُ ,إننا ننسج الحروف كعقد اللؤلؤ لعلها تضيء يوما لتخطي المنعطفات السيئة التي نمر بها,وتطفئ نيران حسرات بعد الانغماس بكم هائل من الإخفاقات أوالاحباطات  , فعقيدتنا التي أحيتْ فينا جذوة الكرامة وأحيينا بها التاريخ، والتي يجب أن نتذكر بها كل مظلوم ونذكّر بها كل ظالم، وإن طال ليل الظلم فإن إيمان المناضلات لأجل الحق والعدالة ينبغي أن يكون أرسخ وأطول ليسطع النور بقلوبنا و يشرق الأمل بطريقنا و تنفك القيود.

فلكرامة المرأة وجه ناصع لامع,فهي لاتحتمل وجهين,تلكم هي المرأة إنسانة عزيزة مصانة كالجوهر.

فبالله عليك انتقل من مصاف الإنسان الذي تحركه غرائزه وأهواؤه إلى إنسان واع رصين.

ويبقى النقاش ذو شجون……….

 

حقائق 24

جريدة إلكترونية مغربية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى