الرأي

لماذا ” الملكية معيقة ” ؟!

بقلم: محمد الشيخ بيد الله

لم أسمع، حتى من أشد الجاهلين والحاقدين والناقمين، كلاما حول المغرب أو ملكيته، مثل ما تفوه به عبد العالي حامي الدين… فبدون مناسبة تذكر، ولا مقدمات تستحضر، ولا براهين تبسط، سيعتبر «الملكية في شكلها الحالي معيقة للتقدم والتطور والتنمية»…أي تطور؟ وأي تقدم؟ وأي تنمية؟ هذه التي تعيقها اليوم الملكية وهي التي اقترنت بالأوراش الكبرى وبالمشاريع التنموية الضخمة وبصورة المغرب في الخارج، والتي لا يتجرأ على إنكارها حتى من يكنون لنا العداء جهارا نهارا…

كان بودي أن أسمع من المعني بالأمر، وهو المنتمي إلى حزب يقود الحكومة منذ أكثر من سبع سنوات خلت، عن المشاريع التي بشر بها المغاربة في حملاته الانتخابية وما تحقق منها، وماذا كان سيكون مصير المغرب لولا أن حباه الله بملكية مشرفة على الزمن الإستراتيجي بتعبير الأستاذ سمحمد الطوزي؟

المسألة الثانية التي لا أجد لها جوابا، هي أن الجلسة التي قيل فيها هذا الكلام الملتبس، هي جلسة خصصت، كما قدمت لنا، لترميم ما نال البيت الداخلي، للحزب المعني، من تصدعات وما علق به من تباين في التقدير وما تسرب إليه من خلاف، ليس كما يسوق له دائما أنه مرتبط بالأفكار وبالاختيارات… فأن يتم إقحام الملكية بما تشكله من ثابت دستوري ومن رمز لوحدة الدولة واستمراريتها في تنابز ومزايدات بين الصقور والحمائم وغيرها من الطيور الجارحة والوديعة، فإنه لعمري يخفي ما يخفيه ويجعلني أسترجع ذكريات ما كتبته ذات مرة حول «تقية» ملازمة لسلوك هذا الحزب ومريديه، فطالما حاولت أن أصدق أن لدينا «إسلاميين مغاربة» مفارقون ومختلفون عن أقرانهم في التجارب الأخرى… لا يؤمنون بأن «الإسلام هو الحل» ولا بحلم «الخلافة» ولا بأفق «دار الإسلام»… وكثيرا ما كنت أجاب بأن الإسلاميين، على مختلف مللهم ونحلهم وفرقهم، أمة مجتمعة على إخفاء مشروعها الأصل وأنها تتعامل مع الديمقراطية وسيلة توصلها إلى الحكم ليس إلا وأنهم لا يؤمنون بجوهرها ولا بعمقها…

ما الذي يعيق الإسلاميين اليوم في نموذج الملكية القائمة؟ لا أريد أن أذكر هنا بالتطور الدستوري الذي لحق الملكية المغربية، فقد كفاني ذلك بيان الصحافي يونس دافقير، ولا الرد عن المغالطات النظرية التي اكتنفت قصة تطور الملكية في المغرب، كما رواها حامي الدين، فقد أفحمه عبد اللطيف أكنوش في تدوينة له في الموضوع… لكني في المقابل، أريد أن أوضح ما يقلق الإسلاميين وما اكتشفوه بعد وصولهم إلى السلطة، وما يكبح طموحهم بالاستئثار والهيمنة والاستحواذ، فقد اكتشفوا أن مقاعد البرلمان لا تكفي لوحدها، ولو أن البرلمان تنبثق من مجلسه الأول الحكومة، ويحتكر التشريع للأمة، ولا كراسي الحكومة تغني وحدها… وانتهوا إلى أن اكتساب «الشوكة» التي تؤدي إلى «الغلبة» تقف الملكية حائلا أمام تحققه، لأن الملكية في المغرب تلعب ثلاثة أدوار لا يستطيع أي حزب، ولو بمرجعية دينية، أن يؤديها، وهي:

– أن الملكية «حاجة مجتمعية» في المغرب وليست اتفاقا سياسيا بين وزير داخلية مخلوع وطبيب متقاعد، فالملكية اختارها المغاربة وارتضوها نموذجا للحكم، ولا يتصورون ملكية «بأريكة فارغة»، فهي الملاذ في الصعاب والضامنة في الشدة والحكم في الخلاف والقائد في السلم والحرب،

– أن الملكية، نتيجة لذلك، تحتكر أدوات العنف المشروع، ولا يثق المغاربة إلا في الملكية لتشرف على الجيش والأمن والقضاء، لأنها لا توظف هذه الأدوات لصالح فريق ضد آخر؛
– أن الملكية رمز ديني أصيل، يرعى إسلاما وسطيا مناهضا لفهم متطرف للدين، إسلام يتعايش مع عمل أهل المغرب، مقصدي في غايته صوفي في أسسه، تحتكر في سياقه الدولة وظيفة الإفتاء…
لهذا من حقنا أن نطمئن ونهنأ، ومن حق المشروع الإسلامي أن يقلق!

وفي معرض آخر من كلام حامي الدين، يقدم الوصفة للوصول إلى ما يبطنه ويستبطنه فيقول «عندما نتكلم عن إصلاح النظام السياسي، ففي جوهره إصلاح النظام الملكي، بالطرق السلمية، عن طريق المفاوضات… إن التفويض الشعبي أصبح يمكننا من التفاوض مع مركز السلطة الذي هو الملكية».
فهذا الكلام يستوجب منا التوضيحات التالية:

– إن صاحب الكلام يدفع عنه تهمة التغيير بالعنف، فيصرح أن مسعاه للتغيير لن يكون سوى بالطرق السلمية، وكأن الحزب الذي ينتمي إليه حزب معارض في المهجر أو محظورة نشاطاته أو تسري على عمله أحكام للسرية أو لديه جناح مسلح لـ»فرسان العدالة»، في حين أنه ينتمي إلى حزب يقود الحكومة ويجلس أمينه العام في المجلس الوزاري إلى جانب الملك، رئيس الدولة؛
– إن التفاوض يقتضي وجود طرفين، فينصب المعني بالأمر نفسه وحزبه طرفا أصيلا لا شريك له، وكأنه وصي على الأمة أو كأننا نعيش زمن الحزب الواحد، أو أن «حاكمية الله» ارتدت هذا الحزب بالخلافة وفوضته أمر المفاوضات؛

– إن هذا الكلام، يعتريه ما يسميه رجال القانون «خيانة الائتمان»، فالمواطنات والمواطنون الذين صوتوا على هذا الحزب لتمثيلهم في البرلمان وتدبير الشأن العام، أصبحت أصواتهم تساق وتشهر للمزايدة على رموز الدولة، وابتزازها بأن لدى أصحابها «تفويضا شعبيا»… أما التفويض الشعبي، عدده وحجمه وملابسات الحصول عليه، فتلك حكاية أخرى!

أفبعد هذا الكلام الواضح في صياغته، الصريح في مقصده، يحق لهذا الحزب أن يتهم منافسيه بالإقصاء وبالاستئصال، أم أن هذه الأوصاف الوليدة من معجمه أحق بها عن غيره؟؟؟… ألفنا سماع أن مثل هذه الآراء شخصية ولا تلزم إلا قائلها، وأن مواقف الحزب من الموضوع معروفة مشهودة… ومثل هذا الرد لم يعد ينطلي على السذج، من أمثالي، وعلى الحزب الذي نشر هذه التصريحات على حوامل إلكترونية رسمية له، أن يمتلك الجرأة والمواقف لتوضيح رأيه في هذا الكلام «الانقلابي» المسيء، والذي يجعلنا لا نطمئن إلى أننا في مواجهة فريق بيننا وبينه الدستور الذي صوت عليه المغاربة ذات يوم!

عذرا لم أقرأ، ولن أقرأ «تدوينتك» للرد على التفاعلات التي أعقبت كلامك، لأن هذا الأخير لا يحتاج إلى استدراك ولا إلى حاشية!

حقائق 24

جريدة إلكترونية مغربية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى