الرأي

الدولة البراغماتية

مما لا نختلف فيه عربا أو اتراك السياسة الناجحة للحزب الحاكم بتركيا بقيادة الرئيس اردوغان، فبعد المحاولة الانقلابية الفاشلة الأخيرة، تغيرت مجريات كثيرة في البلد و في جميع القطاعات شملها التعليم و الصحة و كان ذلك بمثابة اعتقالات و إعفاءات، واجهت أتباع فتح الله غولن الذي نسبت له تركيا المحاولة الانقلابية.

في ليلتها أعلنت قنوات فضائية عربية، سقوط النظام التركي و فشله و حرضت المشاهدين و الراي العام رغم ضبابية المشهد و الخبر، و خرجت عن حيادها و كشفت عداءها للجار و إن كان بعيدا، بل أكثر من ذلك أظهرتشكوك حول حقيقة الانقلاب و وصفته بالمفبرك و المصطنع أخذتا بعين الاعتبار إجراءات  سبقت الحدث.

فهذه المعطيات مهما كانت حقيقتها، فان التاريخ يشهد على خروج الشعب للشارع في مواجهة الذبابات و الجنود المنشقين عن النظام، رافضين تغييرا في مسار تركيا الحالية، و متطلعين لتحقيق رؤية مستقبلية واعدة أو ما يعرف بالدولة المعاصرة بأفق 2030، تجعلك تتحسر على حال الدول المنتقدة،فاليوم المنطق العربي بما يحمله من معاني الفشل والتخلف غير مقبول و لا يعتبر معيارا للحداثة، فتفوق اردوغان يثير مخاوف عديدة لدى الغرب، بعضها حضاري و بعضها سياسي و بعضها اقتصادي، كيف ولا ؟ و ما شهدتهتركيا من قفزة نوعية من المركز الاقتصادي 111 إلى 16 بمعدل عشر درجات سنوياً، مما يعني دخولها إلى نادي مجموعة العشرين الكبار بالعالم (G-20)، كما سدّدت عجز الميزانية البالغ 47 مليار للبنك الدولي، لترتفع الرواتب وأجور الموظفين المبتدئين من 340 ليرة إلى957 ليرة تركية.

السياسة الاقتصادية بالبلد بالآونة الأخيرة عرفت تراجع الليرة و تقلب في العلاقات الدولية صدفها تحول واسع  في السياسة الخارجية التركية منذ عام 2012 كمؤشر على نهج تدريجي لقوة إقليمية، مستعدة للتدخل الأمني و العسكري و الردع بالتنسيق مع حلفائها. وقد تطور ذلك في خضم تفاقم المشاكل، ولا سيما زيادة التوترات مع كثير من دول المنطقة عجل بضرورة تجديد النشاط الدبلوماسي بطرق مباشرة، أو غير مباشرة، من خلال توسيع الأعمال التجارية عبر القارات و فتح الجامعات امام الطلبة الأجانب.

اعتمدت تركيا في سياستها الخارجية في عهد حزب العدالة والتنمية نظرية العمق الاستراتيجي للدكتور أحمد داود أوغلو، سعيًا إلى إخراج تركيا من دورها الهامشي أثناء الحرب الباردة ونقلها إلى بلد محوري ومؤثر دوليًا،فهي في مركز صراع دولي على مصالح حيوية، و لا يمكن للقوى الكبرى أن تتجاهل الدور التركي في أي تصور تضعه بالمنطقة، فانسحاب أمريكا من العراق كان لابد من ترتيبات مع تركيا، كذلك روسيا و تحركاتها بالقوقاز لابد من ترتيبات مع تركيا، الأزمة السورية و القوى الدولية المتدخلة فيها لابد من تنسيق و ترتيبات مع تركيا، و هكذا أصبحت حاضرة في كل الأزمات بما فيها القضية الفلسطينية و الأزمة الخليجية كوسيط لإنهاء الأزمة، هذا التوجه الاستراتيجي الناضج فتح علاقات جديدة، أنهت حالة العداء مع أرمينيا، و مهدت لأمال كبير بالعالم الإسلامي خصوصا بعد تعثر متكرر للمفوضات بانضمامها للاتحاد الاروبي.

طموح اردوغان لقيادة العالم الإسلامي افرز توترات مع العرب خصوصا دول الخليج و مصر، إذ دعمت أنقرة ما تصفه هذه الدول بالإسلام السياسي،الذي يشكل خطرا كبيرا عليها، و لم يمنع ذلك اردوغان من تقريب سياسته الخارجية و ربطها أكثر فأكثر بقضايا العالم الإسلامي مع تنقيح داخلي للشكل العلماني التركي.

السياسة بالشرق الأوسط عبر التاريخ، تناقضات مستمرة في ظل تواطأ القوى الكبرى في تغذية الصراعات لمصالحها الخاصة، و إضعاف أي تكتل إقليمي جديد على الساحة الدولية، و ما يجعل الشعوب العربية تتعاطف معاردوغان بعيدا عن النظرة القومية أو الايدولوجيا، هي الفاعلية السياسية التي أضحت عقيمة في بلداننا العربية، و إن تعددت أصوات أصحابها، فهي لاتنتج مصالح، و لا تستهلك أدوارا بصورها الصحيحة، و إنما تتهافت علىالسلطة لمصالحها الخاصة.

– نورالدين ازرراد

حقائق 24

جريدة إلكترونية مغربية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى